مقالات

ضبط: الطرف (س) بقلم عبد الله رزق أبو سيمازه-السودان-

ضبط: الطرف (س)
عبد الله رزق أبو سيمازه
بجانب المواطنين العاديين، رجالاً ونساء وأطفالاً، الذين لفتوا الأنظار، أثاروا الدهشة البكر لدى المراقبين، بمشاركتهم في حملة النهب والتدمير الممنهج للمنشآت الاقتصادية خاصة، ومراكز الخدمات، ومن يمكن وصفهم ب”حرامية الصدفة”، أولئك الأفراد، الذين قدر لهم أن يكونوا حرامية ليوم، دون سابق تصميم، فقط، لأن مالاً سائباً اعترض طريقهم إلى البيت! هناك النهابون والسارقون المحترفون، بمختلف مدارسهم وتياراتهم، (من البسرق ملاية للبسرق ولاية)، أي مجموع عصابات الجريمة المنظمة، برز هناك، من يمكن تأشيره، وحتى اشعار آخر، كطرف رابع. هو الطرف (س)، افتراضاً. العقل المدبر والمخطط الاستراتيجي للسرقات وأعمال النهب، والحرق الذي يليها. ويتجلى، كمثال، في النهب المنهجي لأسواق العاصمة بمدنها الثلاث، وحرقها.
أورد ناشطون في السوشال ميديا أن جمهوراً غفيراً تحرك بشكل منظم من السوق الشعبي بأمدرمان نحو سوق ليبيا لنهبه.
مع ذلك يمكن، من خلال الركام والرماد، التمييز بين موجتين للسرقة والنهب، إحداهما تتصل بتيار الجريمة التقليدي، بوسائله ومآثره المعروفة. والثاني، تيار وليد متصل بالحرب، له مستهدفاته الخاصة التي تميزه، التي قد لا ترتبط بتحقيق مكسب مادي مباشر، مثل استهداف المركز القومي للبحوث الصناعية، وتشتمل أعماله على حرق الأهداف بعد نهبها، وبعد استباحتها للنهابين الآخرين.
هذا النشاط- الذي لم يشهده السودان من قبل- ويعبر عن تزاوج وتلاقح بين عدة تيارات إجرامية- الذي ظاهره إجرامي- ربما لا يخلو من دوافع اقتصادية، قد يحركها التنافس بين العاملين في السوق. كما قد لا يخلو من دوافع سياسية، باعتباره جزء من الحرب، التي هي (امتداد للسياسة بطريقة أخرى)، حيث تبدو بعض التعديات وكأنها تصفية حسابات، وامتداد للسياسة وصراعاتها. وقد يرى البعض فى ذلك تجلياً للصراع الطبقي وقد احتدم.
لقد وفرت الحرب ظروفاً مثالية لتفشي الجريمة بكل أنواعها، العشوائية والمنظمة، في الوقت الذي عملت فيه الحرب على استيعاب الجريمة بشقيها، ضمن أدواتها، لقهر الشعب واذلاله.
وستكون إعادة اعمار ما خربته أيادي الإجرام، ضمن أولويات الحكومة القادمة، جنباً إلى جنب، اعمار ما دمرته الحرب. مثلما سيشكل هذا التطور المذهل للجريمة، تحدياً جدياً للحكم، وستكون المطالبة بتعويض المواطنين المتضررين من الجريمة، بجانب محاكمة المجرمين، في مقدمة مطالب الناس ومشاغلهم.
قد لا يتوفر في الوقت الحالي تفسير جامع مانع لتشليع جامعة أمدرمان الأهلية، التي بناها أهل العلم قشة قشة ،ونهبها مواطنون من الجوار، من أهل الجهل، كما قيل، كرسياً.. كرسياً، وتربيزة.. تربيزة، لكن ما من شيطان يستطيع كشف دوافع حرق المكتبة، كذروة لعملية النهب.
يتجلى العقل المدبر، كذلك، في الانتقائية التي حكمت الفعل الإجرامي، حتى الآن، فقد لاحظ مراقبون استثناء بعض المراكز الصناعية والتجارية والخدمية في العاصمة، من التخريب ومن ذلك المنشأت التابعة لفلول نظام المقلوع البشير.
غالباً كان هناك تنظيم ميداني ومنظمون، مما اعطى للأحداث طابع الدمار الشامل. كان دونالد رامسفيلد، وزير الدفاع الأمريكي، يهدد العراقيين، أثناء الغزو، باعادتهم إلى العصر الحجري، لكن محصلة النهب والحرق الجارية، تهدد باعادة السودانيين إلى (زمن العيش كان بالقبض) حسب أغنية ذائعة.
صحيفة الهدف

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب