إسرائيل تجد حلًّا لنقص الأيدي العاملة في “مستعمرتها” في سورية

إسرائيل تجد حلًّا لنقص الأيدي العاملة في “مستعمرتها” في سورية
إسرائيل تستبدل الاستيطان في جنوب لبنان بـ”التطبيع” المزعوم وتفضل الحرب على السلام* ترامب يبدو كمن تراجع عن خطة تهجير سكان غزة، لكنه كشف سرا معلنا: فكرة الترانسفير سائدة في إسرائيل بشكل أوسع من الماضي…
ادعى “مسؤول سياسي” إسرائيلي، أول من أمس الأربعاء، أن إسرائيل تريد “تطبيع علاقات” مع لبنان، لكن سرعان ما تبين أن أقواله جوفاء وبلا قيمة، وحتى أنها لم ترتقِ إلى مستوى “بالون تجارب”، في ظل استمرار عدوانية إسرائيل في لبنان وسورية وغزة.
إسرائيل، طوال تاريخها، ليست مؤهلة وليست مهيئة لصنع سلام مع دولة عربية، خاصة إذا كان مشروطا بانسحاب من أراض تحتلها. ومصر خارجة عن هذه القاعدة لأنها أكبر دولة عربية وأقواها عسكريا، وإخراجها رسميا من دائرة الصراع العربي – الإسرائيلي كانت مصلحة إستراتيجية كبيرة للغاية بالنسبة لإسرائيل، إلى جانب تأييد أميركي لسلام كهذا، بينما الأردن تطوع لإبرام سلام مع إسرائيل من دون استعادة الأراضي التي احتلتها إسرائيل منها، أي الضفة الغربية.
الحديث الآن عن “تطبيع علاقات” بين إسرائيل ولبنان ليس منطقيا ولا واقعيا، بعد الحرب التي شنتها إسرائيل على لبنان، تخللها قصف وتدمير وقتل يومي طوال سنة كاملة، لم يستهدف حزب الله فقط وإنما المدنيين أيضا، وبشكل واسع. وهو ليس منطقيا أيضا بعد أربعة أشهر من اتفاق وقف إطلاق النار، وخرق إسرائيل المتواصل لهذا الاتفاق.
المدهش في هذا الموضوع هو أن إسرائيل كانت تتحدث قبل أشهر عن احتلال جنوب لبنان وعن الاستيطان فيه. وعُقدت مؤتمرات في إسرائيل تمحورت حول استيطان كهذا، كما حاول مستوطنون إقامة بؤر استيطانية داخل الأراضي اللبنانية، ولم تنجح حتى الآن. لكن إسرائيل لا تزال تحتل خمسة مواقع في جنوب لبنان، ورغم أنها مواقع قريبة للحدود، إلا أن إقامة مستوطنات في مواقع محتلة وعند الحدود هي عقيدة إسرائيلية، ولذلك لن يكون مستغربا إذا أقيمت بؤر استيطانية في المواقع الخمسة المحتلة في المستقبل، إذا استمر احتلالها.
يضاف إلى ذلك أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، قيّد نفسه، في العام 2014، عندما جرى سن “قانون أساس: الاستفتاء الشعبي”، الذي يعتبر قانونا دستوريا، وينص على أن انسحابا من أراض تخضع “لسيادة إسرائيل” يجب أن يحظى بتأييد 80 عضو كنيست، أو بتأييد أغلبية المواطنين في إسرائيل في استفتاء شعبي. وأغلبية كهذه ليست موجودة في إسرائيل حاليا، ولا يتوقع أن تكون موجودة في المستقبل المنظور.
والأمر الأهم على ما يبدو، هو أن إسرائيل، وحكومتها الحالية بشكل خاص، تفضل الحرب على السلم. فالحرب هي بمثابة الصمغ بالنسبة لها، لأنها تُجمّع الإسرائيليين وتمنع انقسامهم وتشرذمهم. والاحتجاجات الوحيدة في إسرائيل الآن تتمحور حول إعادة الأسرى المحتجزين في غزة، وليس حرب الإبادة في غزة. ولذلك، السؤال المركزي في هذه الحالة هو ما الفائدة التي تجنيها إسرائيل من “تطبيع” مع لبنان؟
سورية
لم يكن لدى إسرائيل أي سبب لشن حرب على سورية واجتياح جنوبها، بعد سقوط نظام بشار الأسد مباشرة. وحجتها في هذه الحرب وهذا الاحتلال هو التحسب من هجوم جهات “جهادية متطرفة” على مستوطنات في هضبة الجولان المحتلة، أو بلدات أخرى في إسرائيل، لا يقبله العقل.
فقبل سقوط الأسد لم تكن هناك هجمات ضد إسرائيل، وكانت سورية تشهد حربا أهلية طوال 14 عاما، وكانت إسرائيل هي التي تشن هجمات وغارات متواصلة على سورية، بذريعة وجود إيران وحزب الله هناك، لكنهما لم يعودا موجودان في سورية.
وبعد سقوط النظام لم تطلق رصاصة واحدة من الأراضي السورية باتجاه إسرائيل والجولان، وحتى أنه لا توجد مقاومة سورية للاحتلال الإسرائيلي الجديد في جنوبها. لكن هذا لم يمنع إسرائيل من مواصلة غاراتها في سورية، وحجتها الآن هي وجود مواقع كانت تابعة للجيش السوري، وتوجد فيها أسلحة، وتخشى أن يستولي عليها “جهات جهادية”، وأن توجه هذه الأسلحة نحو إسرائيل.
بذلك، تدعي إسرائيل أنها ليست قادرة على الدفاع عن نفسها إلا بواسطة الاحتلال، رغم أنها لا تتعرض إلى أي تهديد أو خطر من جانب سورية. كأنها غير قادرة على الدفاع عن نفسها من أراضيها. هي قادرة طبعا، لكنها تريد التوسع والاحتلال، وتعلن بشكل يومي تقريبا، على لسان وزير أمنها يسرائيل كاتس، أنها لن تنسحب من “المنطقة العازلة” وقمة جبل الشيخ.
ويبدو أن إسرائيل معنية أيضا في مواصلة احتلال جنوب سورية، أي المنطقة كلها التي تحتلها حاليا، بادعاء وجود مصلحة اقتصادية لها في ذلك. إذ تتحدث إسرائيل في الأسابيع الأخيرة عن إحضار مواطنين سوريين، دروز تحديدا، ولهم أقارب في الجولان المحتل وإسرائيل، للعمل في الزراعة والبناء في مستوطنات الجولان، بزعم أن تكلفة تشغيلهم أقل بكثير من تكلفة تشغيل عمال محليين أو تايلانديين.
إلا أن الواقع في إسرائيل هو أن الإسرائيليين لا يعملون في الزراعة والبناء، وبعد الحرب غادر معظم العمال الأجانب مثل التايلانديين إسرائيل، وأوقفت إسرائيل دخول العمال الفلسطينيين من الضفة الغربية. وربما تعتبر إسرائيل أن إحضار عمال من “مستعمرتها” الجديدة في سورية قد يكون حلا لأزمة نقص العمال، ولو بشكل جزئي.
غزة
الحرب على غزة لم تتوقف، ورغم اتفاق وقف إطلاق النار إلا أن إسرائيل لا تزال تشن غارات وتقتل وتدمر وإن كان ذلك أقل شدة، وقواتها موجودة في مناطق داخل قطاع غزة. لكن إسرائيل صعّدت من حربها في تجويع سكان غزة، بعدما أعلنت عن وقف إدخال المساعدات الإنسانية، وعن وقف إمداد منشأة تحلية المياه بالكهرباء.
في إسرائيل نفسها تدور معركة حول تحرير أسراها، بين احتجاجات تطالب بتحرير 59 أسيرا، نصفهم أو أكثر ليسوا على قيد الحياة حسب التقديرات، لا يزالون في غزة، وبين نتنياهو الذي يحاول إحباط إمكانية التوصل إلى اتفاق حول المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، لأن الاتفاق حولها يعني وقف الحرب والتهديد بسقوط حكومته بسبب معارضة واسعة فيها لوقف الحرب.
تفيد التقارير بأن مفاوضات تبادل الأسرى الجارية في الدوحة لا تتقدم بشكل كبير، ومقترح المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف، بالإفراج عن عشرة أسرى إسرائيليين أحياء، لم يعد مطروحا على ما يبدو، بسبب تعنت إسرائيل برفض إنهاء الحرب، ورغم ذلك المفاوضات مستمرة وسط تقديرات بإمكانية التوصل إلى اتفاق حول الإفراج عن عدد قليل من الأسرى الإسرائيليين، لكن هذا ليس مؤكدا أيضا.
في هذه الأثناء، بدا الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أنه يتراجع عن خطته لتهجير سكان قطاع غزة وصرح، أول من أمس، أن “لا أحد يطرد أيّ فلسطيني من غزة”. وكان ترامب قد صدم العالم كلّه عندما طرح خطة التهجير هذه، وعارضتها جميع الدول من خلال رفضها أو عدم موافقتها على استقبال مهجرين من غزة، ولم توافق عليها وترحب بها سوى إسرائيل.
ويرجح أن ترامب، كرئيس أقوى دولة في العالم، كان يعلم سلفا أن خطته ستلقى رفضا واسعا جدا، وأنها خطة غير قابلة للتنفيذ، ورغم ذلك أعلن عنها، لأنه ربما أراد رفع سقف مفاوضات على صفقات في المنطقة.
في إسرائيل تأييد واسع جدا لتهجير الغزيين، وقد يكون البعض بينهم مشككين حيال ذلك، لكن الحكومة والجيش في إسرائيل شكلا “مديرية”، وضعت خططا لتنفيذ “الهجرة الطوعية” للغزيين من خلال معابر حدودية جوية وبحرية وبرية، بعدما اعتبروا أن ترامب شرعن التهجير، وأن مخطط التهجير الإسرائيلي سيكون مدعوما من الولايات المتحدة. هل وضع ترامب بتصريحه الأخير حدودا لإسرائيل بشأن التهجير؟ ربما، لكن خطط التهجير الإسرائيلية ما زالت باقية.
لكن خطة ترامب للتهجير كشفت بالأساس عن سرّ معلن، وهو أن الإسرائيليين بغالبيتهم العظمى يؤيدون تهجيرا كهذا، ما يعني أن فكرة الترانسفير سائدة في إسرائيل بشكل أوسع من الماضي، أو أنه لم يكن يعبر عنها بهذا الشكل على الأقل.
هذه الأحلام الإسرائيلية لن تتحقق، ليس لأن إسرائيل ليست قادرة على ذلك فقط، وإنما لأن الفلسطينيين في قطاع خَبِروا التهجير واللجوء والنزوح منذ النكبة وخلال الحرب الأخيرة، وهم أكثر من غيرهم يعرفون مآسي التهجير واللجوء والنزوح ومخاطرها، ولذلك سيرفضونها ويقاومونها. ولا خيار لهم في ذلك.
عرب 48