تحقيقات وتقارير

هكذا صنعت أوكرانيا جيشاً بالطابعات الثلاثية الأبعاد!

هكذا صنعت أوكرانيا جيشاً بالطابعات الثلاثية الأبعاد!

علي عواد

كيف يمكن لتقنية تُستخدم في صنع أكواب القهوة والألعاب أن تتحول إلى أداة حرب فعالة؟ هذا ما فعلته أوكرانيا باستخدام الطباعة الثلاثية الأبعاد، التي صارت تقنية ثورية على جبهات القتال

تخيلوا أنكم تستطيعون صنع أي شيء تريدونه، من أكواب القهوة إلى أطراف اصطناعية وحتى طائرات مسيّرة، باستخدام جهاز واحد فقط. هذا هو عالم الطباعة الثلاثية الأبعاد…

التقنية التي تُحوّل التصاميم الرقمية إلى أجسام ملموسة عبر إضافة طبقات متتالية من مواد مثل البلاستيك أو المعدن. تشبه هذه التقنية الطابعات العادية.

لكن بدلاً من الحبر على الورق، تُنشئ أجساماً ثلاثية الأبعاد يمكن استخدامها في مجالات لا حصر لها. ما يميزها هو المرونة: بكبسة زر، يمكنكم صنع قطعة غيار بسيطة أو حتى سلاح متطور، من دون الحاجة إلى مصانع ضخمة أو خطوط إنتاج معقدة.

لكن كيف أصبحت هذه التقنية أداةً إستراتيجية في إحدى أكثر الحروب تعقيداً في العصر الحديث؟ في عام 2022، واجهت أوكرانيا نقصاً حاداً في الأسلحة التقليدية بعد الغزو الروسي، ما دفعها إلى البحث عن حلول غير تقليدية. هنا جاءت الطباعة الثلاثية الأبعاد بمنزلة «سلاح سري» لتغيير قواعد اللعبة، واستخدمتها أوكرانيا في ثلاثة مجالات رئيسية:

قنابل الحلوى

من بين أكثر التطبيقات إثارة كانت «قنابل الحلوى»، وهي عبوات ناسفة صغيرة مطبوعة بالكامل من البلاستيك. سميت بهذا الاسم بسبب أحجامها الصغيرة وأشكالها المستديرة وألوانها الزاهية التي تجعلها تبدو كألعاب أو حلوى. تُنتج الآلاف من هذه القنابل أسبوعياً باستخدام طابعات ثلاثية الأبعاد متوافرة تجارياً. وخلال المدة بين آذار (مارس) وآب (أغسطس) 2023، بلغ إنتاج هذه القنابل حوالى 30 ألف قنبلة، ما أسهم بشكل كبير في سد فجوة الذخائر.

تعديل الأسلحة القديمة

لم تتوقف أوكرانيا عند تصنيع الذخائر الجديدة، بل حوّلت أيضاً أسلحة قديمة إلى أدوات حديثة. مثلاً، أعادت إحياء قنابل RKG-3 السوفياتية، عبر إضافة زعانف تثبيت وذيول مطبوعة.

إعادة إحياء قنابل RKG-3 السوفياتية عبر إضافة زعانف تثبيت وذيول مطبوعة

فمكنت هذه التعديلات البسيطة القوات الأوكرانية من إسقاط هذه القنابل بدقة من الطائرات المسيّرة. وأُطلق على النسخة المحدثة اسم RKG1600، وهي قادرة على إصابة أهداف ضمن دائرة شعاعها متر واحد من ارتفاع 300 متر.

اليوم، يمتلك كل لواء عسكري أوكراني طابعة ثلاثية الأبعاد مخصصة لهذه المهمات، كما انتشرت ورش التصنيع الصغيرة في جميع أنحاء البلاد، ما قلل الاعتماد على المصانع الكبيرة.

الطائرات المسيّرة

واحدة من أبرز الابتكارات الأوكرانية كانت في مجال الطائرات المسيّرة أو الدرونز. استخدمت أوكرانيا الطباعة الثلاثية الأبعاد لإنتاج هياكل خفيفة الوزن ومتينة، ما سمح بتصنيع الطائرات بسرعة وبتكلفة منخفضة. واستفادت البلاد من التصاميم المتوافرة بكثرة على الإنترنت لتعديل الطائرات بما يناسب احتياجات ساحة المعركة.

كما استخدمت أوكرانيا الطائرات التجارية المخصصة للسباقات، فأجرت عليها تعديلات باستخدام مكونات مطبوعة لتحمل قنابل يدوية أو شحنات مضادة للدبابات.

شملت هذه الطائرات نماذج استطلاعية وأخرى انتحارية مشابهة لطائرات «شاهد-136» الإيرانية، وجرى تصنيع هياكلها باستخدام الطباعة الثلاثية الأبعاد، إلى جانب محركات تجارية. لم يتوقف الأمر عند هذا الحد؛ فقد طوّر متطوعون أوكرانيون ومجموعات مثل WildBees أنظمة توجيه ذكية باستخدام الذكاء الاصطناعي، ما جعل الطائرات أكثر دقةً وأقل عرضة للتشويش الإلكتروني.

ركزت أوكرانيا أيضاً على تحسين تصميمات الطائرات المسيّرة باستخدام مواد مبتكرة. على عكس الهياكل المعدنية التقليدية، تُطبع الهياكل الجديدة من مواد بلاستيكية مدعمة بألياف الكربون أو الزجاج، ما يجعلها أخف وزناً وأكثر متانة. تزيد هذه المواد من قدرة الطائرات على الطيران لمسافات طويلة (تصل إلى 400 كم) وتحمّل الظروف القاسية.

كما أدخلت تقنيات مثل «الأجنحة القابلة للتعديل» و«الذيل القابل للفصل»، ما يسمح بتغيير وظائف الطائرة بحسب المهمة، سواء أكانت استطلاعية أو هجومية. أحد التطبيقات الثورية كان تحويل الطائرات الانتحارية (FPV) إلى قاذفات قنابل قابلة لإعادة الاستخدام، عبر إضافة منصات إسقاط مطبوعة.

من ألعاب الفيديو إلى ساحة المعركة

في خضم الحرب، لم يكن على أوكرانيا اختراع تقنيات جديدة من الصفر. بدلاً من ذلك، حوّلت أدوات يومية إلى أسلحة ذكية. أحد تلك الابتكارات كان استخدام أجهزة تحكم ألعاب الفيديو لتوجيه الطائرات المسيّرة المطبوعة بتقنية ثلاثية الأبعاد. ويمكن لنا أن نتخيل جندياً أوكرانياً يجلس في خندق مظلم، ويمسك بيده جهاز تحكم مشابهاً لـ Xbox Controller، ليس للعب، بل لتوجيه طائرة مسيّرة تحمل قنبلة نحو دبابة روسية. هذا الواقع حوّله الجنود الأوكرانيون إلى إستراتيجية فعالة.

سلاح الدول الصغيرة

في أوكرانيا، لم تحل الطباعة الثلاثية الأبعاد محل الأسلحة التقليدية، ولكنها وفرت طبقة أمان إستراتيجية، خصوصاً مع تطور تقنيات الطباعة المعدنية التي تزيد من متانة الأسلحة. أصبحت هذه التكنولوجيا أداة قوية للدول الصغيرة والمجموعات في مواجهة الجيوش الكبرى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب