الصحافه

قصف اليمن… “الحكي للحوثي واسمعي يا إيران”

قصف اليمن… “الحكي للحوثي واسمعي يا إيران”

ألون بنكاس

كان يجب على مصر والسعودية وفرنسا وبريطانيا والصين مهاجمة الحوثيين في اليمن. تهديد الملاحة في البحر الأحمر يضر هذه الدول وليس الولايات المتحدة. مع ذلك، اختار ترامب المهاجمة. يمكن تجاهل هذا الحدث والقول بأن ترامب رد على محاولة للحوثيين للمس بطائرة حربية ومسيرة استخبارية للولايات المتحدة، ويمكن القول إنه ضرب الولد الأضعف في الحي – الذي هو نفسه عنيف ويثير الغضب ويزعج الجميع، لكنه ليس لاعباً دولياً يقتضي اهتمام أمريكا.

ويمكن الاستخفاف أيضاً والقول إنه مجرد استعراض للعضلات لا أهمية له من قبل ترامب أمام العالم الذي يعتبره وكيلاً غير موثوق للفوضى. ولكن يمكن أيضاً رؤية سياق أوسع: إيران. هناك ثلاثة جوانب لفحص العملية الأمريكية؛ فعلى الصعيد الدولي، ينفخ ترامب عضلاته لأنه -حسب رأيه- يجب نفخ العضلات، ولا يهم إذا كان ذلك ضد الحوثيين أم ضد كندا. ويقول “لن نتردد في مهاجمة أي أحد إذا وجدنا ذلك صحيحاً”. قبل شهر، هدد بعملية عسكرية ضد غرينلاند، عملياً ضد الدنمارك، العضو في الناتو. وهدد المكسيك وبنما أيضاً حول استخدام قناة بنما – إرسال قوات عسكرية. هكذا يبدو أنه يعبر عن قوة أمريكية، وروح هجومية جديدة. وعلى النقيض من تفاخر ترامب وسخريته السبت، فقد هاجم بايدن الحوثيين أكثر من عشر مرات في 2024.

ينفخ ترامب عضلاته لأنه -حسب رأيه- يجب نفخ العضلات، ولا يهم إذا كان ذلك ضد الحوثيين أم ضد كندا

 على الصعيد السياسي – العسكري، اختار ترامب عملية أحادية الجانب. لا يوجد لأمريكا ترامب حلفاء، ولا دبلوماسية تحالفية تقوم على التعاون. أنا موجود، أنا دونالد ترامب. لا يُعتبر الحوثيون مشكلة خاصة بإسرائيل أو بالولايات المتحدة، بقل مشكلة دولية. عندما تدير منظمة إرهابية دولة، تسيطر على مضيق باب المندب والدخول إلى البحر الأحمر في الطريق إلى قناة السويس، فهذه لا تعتبر مشكلة إسرائيل أو الولايات المتحدة. 12 في المئة من التجارة الدولية تمر في قناة السويس، على متن 21 ألف سفينة تنقل أكثر من تريليون دولار بضائع في السنة. 60 في المئة من تصدير الصين إلى أوروبا يمر في قناة السويس في الطريق إلى موانئ فرنسا وهولندا وبريطانيا وألمانيا. وإذا وجب على أحد قصف الأصدقاء اليمنيين، فهذه هي الدول الأربع التي عليها فعل ذلك، وأيضاً السعودية. لم يكن الهدف هو الحوثيين، رغم أنهم كسبوا عملية القصف، ولا حتى حماس، بل الهدف إيران.

 على الصعيد الإقليمي، هذه عملية وكأنها صيغت وبنيت في الرياض وليس في واشنطن. من له مصلحة حيوية في توجيه ضربة عسكرية ضد الحوثيين؟ السعودية بالطبع. من الدولة التي تهتم بالمفاوضات مع إيران؟ السعودية. من التي وعدت باستثمار 600 مليار دولار في الولايات المتحدة في السنوات الأربع القادمة؟ السعودية.

 إلى جانب مبرر جوهري للهجوم، لم يستهدف تهديد حماس، بل حث إيران من خلال الضغط الإقليمي والتهديد العسكري المشفر ولكن الموثوق، لإجراء المفاوضات حول المشروع النووي بشروط الولايات المتحدة. أيضاً هنا، مثلما في هجوم السبت في اليمن، يتبنى ترامب مقاربة أحادية الجانب، “أمريكا فقط”، بدون الحلفاء (السابقين) الذين وقعوا على الاتفاق النووي الأصلي: فرنسا، بريطانيا، ألمانيا، روسيا، والصين.

 أن تكون أفضل من أوباما

ليس لترامب سياسة متعددة الطبقات سياسياً وعسكرياً واقتصادياً وإقليمياً تجاه إيران، بل غرائز ودوافع. هو يريد اتفاقاً “أفضل من اتفاق أوباما” – الاتفاق الذي انسحب منه في 2018 بصورة أحادية الجانب وبصوت قوي على فرض توقيع اتفاق جديد خلال سنة سيكون (ضمن أمور أخرى لأن نتنياهو باعه هذا الفهم الخاطئ). ومنذ ذلك الحين، ارتفع مستوى تخصيب اليورانيوم في إيران من 60 في المئة إلى 90 في المئة، وهو المستوى المطلوب لإنتاج قنبلة نووية. وتمت زيادة النجاعة والسرعة بفضل أجهزة الطرد المركزية الناجعة، وازدياد المادة المتفجرة لديها.

 مقاربة ترامب تجاه إيران، حتى عندما تكون صحيحة وناجعة، تنبع من شخصية “ذكر – الفا”. حاجته لأن يكون نجماً، ورغبته في جذب الانتباه؛ شاهدوني، أستطيع، سأفعل ذلك كما أريد.

 لهذه المقاربة قواعد أساسية تندمج في مهاجمة الحوثيين:

 أولاً، إيران اليوم في وضع أكثر ضعفاً وهشاشة منذ الثورة في 1979. وهذا ينبع من فقدان حزب الله كونه قوة ردع ناجعة ضد إسرائيل، ومن فقدان سوريا، وهي الدولة الناقلة للسلاح إلى حزب الله، والمس بقدرة دفاعاتها الجوية عقب هجوم إسرائيل في تشرين الأول 2024، وخروج روسيا، المشكوك بأن إيران ما زالت حليفة موثوقة لها – من سوريا، والعزلة السياسية.

 ثانياً، إيران ضعيفة، تعد في نظر ترامب فريسة عسكرية سهلة، بل وفرصة للمفاوضات. ترامب حسب تصريحاته، التي هي في الواقع غير ملزمة له وللعالم، لا مصلحة له في حرب مع إيران، التي قد تتسع وتصل إلى السعودية والإمارات وقطر وسلطنة عمان والبحرين.

 ثالثاً، خلافاً للجانب الثاني، لا ترى إيران نفسها ضعيفة. وقد سبق وعبرت عن معارضة شديدة للمفاوضات تحت التهديد.

رابعاً، من ناحية إيران، لا توجد أي احتمالية لـ “نموذج ليبيا”، وأي تفكك تام من كل المشروع النووي، مثلما فرض على ليبيا في العام 2003. يعد النووي الإيراني مضاعفاً للقوة الإقليمية (في الأصل ضد باكستان)، وبوليصة تأمين رادعة ضد التهديد الوجودي للنظام، ليس بالضرورة كسلاح هجومي محتمل ضد إسرائيل.

 خامساً، من غير الواضح ما الذي يريده ترامب بالضبط. ليس لديه نظرية منظمة ضد انتشار السلاح النووي، الأمر الذي قام بتبنيه كثير من الزعماء في سياسة منع انتشار السلاح النووي. لو همه هذا لبدأ بكوريا الشمالية، حيث يوجد لشقيقه الروحي السابق، كيم جونغ أون، 30 – 50 قنبلة نووية حسب تقدير الـ سي.آي.ايه، وصواريخ عابرة للقارات يمكنها الوصول حتى شمال غرب الولايات المتحدة، وإن كان نقص في القدرة على تركيب رؤوس نووية عليها.

 سادساً، إذا ربطنا النقاط من 1 إلى 5، فلا إمكانية اليوم لاتفاق مع إيران، إلا إذا قام ترامب بضعضعة لوحة اللعب. هذا ما حاول فعله في مهاجمة الحوثيين، لكن هناك شكاً بأن تتغير المعادلة بسبب بضع هجمات من الجو.

 سابعاً، ربما هي النقطة الأهم: السعودية. ثمة تطابق مصالح واضح للسعودية مع الولايات المتحدة في هذا الشأن وفي هذه النقطة الزمنية: ضربة عسكرية ضد الحوثيين والتفاوض مع إيران بدلاً من المواجهة العسكرية، التي تبدو بسيطة وسهلة ويمكن التنبؤ بها، فقط في ألعاب الحرب والمحاكاة السياسية.

 الشرق الأوسط، الذي يعتقد ترامب بأنه يتذكره من الفترة التي غادر فيها البيت الأبيض في كانون الثاني 2021، تغير هيكلياً وجوهرياً. إيران ضعفت، لكنها استأنفت علاقاتها الدبلوماسية مع السعودية بوساطة الصين في 2023. وسوريا الأسد لم تعد موجودة وهي ليست دولة موحدة سيادياً. أما تركيا فأصبحت أقوى. وفقدت مصر الصدارة العربية لصالح السعودية. إسرائيل والفلسطينيون في غزة يتقاتلون تقريباً منذ سنة ونصف. إلى جانب هدف ترامب الاستعراضي، فقد بات في هذا الهجوم مبرر بل ومنطق أيضاً، في إطار محاولة فرض شروط على إيران تجبرها على الانضمام للمفاوضات. ولكن التجربة تشير إلى عامل في داخل السياسة، ومن غير الواضح إذا كان ترامب يملك مثل هذا العنصر. في الغد، سيهاجم الحوثيين مرة أخرى، وبعد غد سيتنازل عن هذه اللعبة وسيعود للانشغال بأوكرانيا والرسوم الجمركية على كندا والمكسيك، والتهديد والرسوم الجمركية على الصين، وحتى الانشغال بغزة. وربما يعود إلى ذلك بعد شهر.

هآرتس 17/3/2025

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب