ثقافة وفنون

فشل الدراما المصرية… لا تسأل عن المدني هنا!

فشل الدراما المصرية… لا تسأل عن المدني هنا!

سليم عزوز

أخيراً اعترفوا، والاعتراف سيد الأدلة، بأن الدراما المصرية فاشلة، وأول من اعترف هو رأس النظام نفسه، المسؤول عن المنظومة، من دين الناس، إلى مسلسلاتهم.
وقد سبق له أن صرح أنه مسؤول عن دين المصريين، أما الدراما فقد كانت طيلة سنوات حكمه، تدار بعلمه واشرافه، فإذا كان حواريو العقيد متقاعد أحمد شعبان، أطلقوا عليه «رئيس تحرير مصر»، فلا ينكر أحد أن صاحبهم هو سيناريست مصر الأول!
وقد شاهدناه من قبل يتحدث عن مسلسل «الاختيار»، كما لو كان مؤلفه، ويسوق له كما لو كان منتجه، (الإنتاج حسب المفهوم المصري لا السائد)، وشاهدناه في مداخلة تلفزيونية مع السيناريست عبد الرحيم كمال، يعرض عليه توجيها في الدراما مع توفير الإمكانيات المالية اللازمة لأعمال ناجحة، فتطمع كاتب المسلسل القنبلة «شيخ العرب همام»، فأنتج فشلاً، لأن شخصيته ككاتب كان ينتظره مستقبلا واعداً اختفت، وظهر شخص آخر أراد أن يعمل وفق قيم المنظومة، فأسس لفشله، وصار في أعداد المفقودين، ولا أراكم الله مكروهاً في عزيز لديكم!

سامح حسين ولغة السوق وسر الخلطة

أخيراً اعترفوا بالفشل، فلم أعد بحاجة لضرب الأمثال، على أنهم فشلوا، ولم أذهب بهم إلى التقييم الفني، ولكني ذهبت إلى لغة السوق التي تشغلهم في كثير من المجالات، أنظر كيف أن الجنرال سأل الفنان سامح حسين عن ما أنفقه في دعايته لقناته على اليوتيوب؟ فلما رد الفنان بأنه لم ينفق مليماً على ذلك؟ سأله عن الأرباح!
بلغة السوق وضعت معياراً لنجاح المسلسل التلفزيوني، وهو من شراء المحطات التلفزيونية في الخارج له، تماماً كما أن نجاح الفيلم مرتبط بمدة عرضه في دور العرض، ومن خلال بيع الدراما تتحقق الأرباح، والدراما التركية تمثل رافداً من روافد الدخل القومي، ولا يستطيع أحد في الشركة المتحدة المحتكرة للدراما في مصر، أن يقول إنهم نجحوا حتى في مهمة قبول الأعمال التي تنتج سنوياً بالكيلو غرام، ولو من باب الاهداء، مرة أو مرتان فعلتها الإمارات، مع عمل أو عملين، من باب رفع الروح المعنوية، ودعماً من الراعي الرسمي للنظام السياسي له!
لم يعد الأمر بحاجة إلى أن نعيد ونزيد في إثبات الفشل، فقد اعترف رأس السلطة به، واعترف الجميع بذلك، وكان هذا الاعتراف في لقاء مع القوات المسلحة، لكنه لم ينس التدخل بفرض وجهة نظره فيها، بدلاً من أن يرفع يده عنها، لعلها تنجح، فقد بدا كما لو كان يعيد اختراع العجلة، وتساءل لماذا لم يناقشوا أساتذة علم النفس والاجتماع بالجامعات كيف تصنع الخلطة؟!
والأمر ليس وثيق الصلة بخلطة كنتاكي، أو سر شويبس، فمصر دولة عريقة في مجال الدراما، والمؤسسات الحكومية أنجزت أعمالاً اخترقت مصر بها عالمها العربي، حتى صارت اللهجة المصرية تفهم في أي مكان، وصناعة الخلطة بعيدة عن تخصص أساتذة علم النفس والاجتماع، لكنها خلطة الكتابة الأدبية الرفيعة، مع كتاب السيناريو المحترفين، وليس الدخلاء. وبالفنانين الكبار، وليس الهواة في كل مجال، الذي أنتج هذا الفشل باعتراف أولي الأمر منهم!
ولكم اشتكت فنانة أو فنان كبير، من البطالة، ويتسول الواحد منهم مجرد عملا لإعانته على توفير نفقات معيشته، فيظهر كرم أخلاق المنظومة، فتستدعيه لعمل، وتقيم زفة لنفسها على قواعد مولانا ولي النعم، وكم كان مهينا أن فنانين كباراً يتقربون إلى كومبارس سابق، ونجم فاشل، بالحديث عن انسانيته وكفاءته المهنية، لمجرد أن أهل الحكم قرروا أن يصنعوا منه أحمد زكي آخر، وهكذا صرنا في مرحلة محمد رمضان، مؤسس دراما البلطجة، ثم يسأل الآن عبد الفتاح السيسي: ماذا تعلمون الناس؟! فهل ما يعلمونه للناس اكتشافا؟ فأين كنتم على مدى عشر سنوات من هذا التشويه وإشاعة فوضى الدراما!

الخلق من العدم: مرحلة محمد سامي

وهكذا فقد صرنا أمام شح مطاع، فالشركة المتحدة، التي تحتكر انتاج المسلسلات، تنتج كل رمضان 22 مسلسلاً، تكفي لاستيعاب كل فناني مصر الكبار، لكن السلطة تريد أن تخلق نجومها ومخرجيها، وكتابها من العدم، فكانت دولة الكومبارس، فلم تنجح في أن تصنع من «الفسيخ شربات»، ولا من عديمي الموهبة نجوماً، وأعطت للفرد الواحد، مهمة الإخراج والتأليف، كما في حالة محمد سامي، الذي أعلن مؤخراً اعتزاله الدراما، وعودته لصفوف الجماهير!
وهو حالة كاشفة عن فلسفة الحكم، أو للدقة الجمهورية الجديدة، وهي دولة القادمين من الخلف، وصناعة دولة في حدود معسكر، عدداً ومساحة، وهي حالة تقزيم لمصر غير مسبوقة في تاريخها، حتى صرنا بحاجة لرفع شعار إعادة توزيع الثروة، عندما ينشطر الشخص فيصبح أشخاصاً، وتنشطر الأسرة النواة فتصبح قبيلة!
فالفتى مخرج، ومؤلف، وكاتب سيناريو، وزوجته هي نجمة الجماهير في كل أعماله، وهي ممثلة فاشلة أيضاً، وهما، الفنانة وبعلها يفرضان إرادتهما على الممثلين، ووالدته عضو في مجلس الشيوخ، ووالده عضو في مجلس النواب، وهما أصحاب مدرسة، ولم يعرف عنهم في يوم من الأيام الاهتمام بالسياسة، أو الانشغال بالحياة العامة، لكنها دولة المعسكر، العقيم قليلة العدد!
إن الدراما في مصر وإن كانت مسؤولية الشركة المتحدة، فالاختصاص المباشر يقع على محررة فنية تم تعيينها في الآونة الأخيرة في ثلاث مواقع كبرى دفعة واحدة؛ فعلا الشافعي، رئيسة تحرير جريدة يومية وموقع إلكتروني هو «اليوم السابع»، وعلا الشافعي، هي رئيسة لجنة الدراما في الشركة المتحدة، وعلا الشافعي هي عضو المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، ففي أي مرحلة في تاريخ مصر تكدس السلطة في يد أفراد، ويمكن أفراد من تملك اقطاعيات بهذا الشكل؟!
بينما لم نكن نعلم أن رئيس قطاع الإنتاج في التلفزيون المصري، إبان مجده وإنتاج أعمال درامية كبرى، كان يشغل وظيفة أخرى بجانب ذلك، ولنفترض أنها خارقة فهل يمكنها أن تكون بالفعل قادرة على إدارة قطاع في الشركة المتحدة يحتكر انتاج المسلسلات التلفزيونية، وما هي سابقة أعمالها التي رشحتها لذلك؟!
المدهش أن خالد عبد العزيز، رئيس المجلس الأعلى للإعلام وقع اختياره على علا الشافعي لترأس لجنة الدراما، التي شكلها ضمن هوجة اللجان التي تشكلت لبحث أسباب الفشل بعد إعلان السيسي ذلك. واختيار عبد العزيز من المضحكات المبكيات، ذلك بأن من تم اختيارها لرئاسة لجنة توقيع الكشف وفحص المريض وكتابة روشتة للعلاج، هي نفسها المسؤولة عن الإنتاج الدرامي ووفاة المريض، وحسنا أنها رفعت الحرج عنه واعتذرت عن الاختيار، لترأس اللجنة ماجدة موريس، ويضاف اليها شخص يدعي أحمد صقر، مع الإبقاء على تشكيل لجنة الدراما كما هو.. فهل ماجدة وصقر هما من سيسندان الجبل بظهورهما؟!

هي فوضى.. وغياب قطاع الإنتاج

إنها الفوضى منذ الإعلان الرئاسي عن فشل الدراما، فتحرك حزب السلطة الجديد، وكلف لجنته الثقافية بالبحث في أسبابها، وأعلن رئيس الوزراء أن الأعمال الدرامية المصرية لا تعبر عن الواقع المصري، وعليه قرر تشكيل لجنة من الخبراء والهيئات المختصة لبحث الأمر!
والهيئات المختصة، هي الشركة المتحدة، وهي المسؤولة عن الفشل، والمجلس الأعلى للإعلام، وهو يرأسه من لم يعرف عنه في حياته اهتمامات بالإعلام أو الدراما، فهو وزير الشباب والرياضة السابق، عندما اختاروه وزيراً لم يجدوا ما يضيفوه في التعريف به، إلا أنه مدير اللجنة المنظمة لكأس الأمم الأفريقية، وحمل عضوية الاتحاد المصري للتنس، وحاصل على بكالوريوس في هندسة الاتصالات والالكترونيات، فأين الإعلام وأين الدراما في هذه المسيرة الحافلة، وما هي مسوغات اختياره لرئاسة المجلس الأعلى للإعلام الذي يضم في عضويته السيدة علا الشافعي المسؤولة عن انتاج الدراما التلفزيونية بالشركة المتحدة، التي يرأسها رجل الإعلان، لا الإعلام طارق نور، الذي لم يكتب قصة، ولم يؤلف رواية، ولم ينتج حتى مسلسل «رجل وست ستات»!
إن هيئة أخرى هي الوطنية للإعلام، البديل لاتحاد الإذاعة والتلفزيون، ويتبع قطاع الإنتاج للاتحاد من قبل وللهيئة الآن، سلمت بأنها ليست معنية بالإنتاج، الذي تحتكره الشركة المتحدة، وقرر رئيسها تنظيم مؤتمر بعنوان مستقبل الدراما في مصر، يرفع توصيات المؤتمر للمؤسسات المعنية.. فما هي المؤسسات المعنية؟!
إن الأمر لا يناقش من منطلق الاستبداد والديمقراطية، فعبد الناصر أمم الصحافة، وأمم الفن والدراما في ملكية الدولة لوسائل الإنتاج، لكن مصر مع ذلك نجحت في المجال، واستمر النجاح في عهد مبارك، سواء انتاج الدولة أو انتاج بعض الشركات الخاصة، لسبب مهم وهو أن الحكم العسكري الأول أعطى الخبز لخبازه، والحكم العسكري الحالي قرر أنه خبازه ففسدت الطبخة!
وإذا كان الجنرال هتف مرة في موقع بناء إزاء تقصير «فين المدني اللي هنا؟!»، فلا يمكنه طرح هذا السؤال في أزمة الدراما، لأنها نجحت بالمدني (اللي هنا)، وفشلت بالعسكري (اللي هناك)!
لنهتف مع عسكري الدرك القديم: (مين هناك؟!).

 صحافي من مصر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب