
الاحتفاء بإبداع المرأة المصرية

إبراهيم عبد المجيد
للصالونات الأدبية تاريخ في مصر وغيرها من البلاد العربية، سواء أقامها كتّاب من الرجال أو النساء. ما أكثر ما قرأناه عنها منذ صالون مي زيادة في مصر، وقبلها الأميرة نازلي أواخر تسعينيات القرن التاسع عشر، ثم هدى شعراوي، حتى صالون نفرتيتي، وصالون هالة البدري الآن، مرورا بصالون العقاد وكتّاب مثل الشاعر أحمد تيمور، ومحمد حسن عبد الله، وعبد المنعم تليمة، ومحمد عبد المطلب، ولوتس عبد الكريم، ومحمد جبريل، ومحمد مستجاب الأب، وحزين عمر، وهالة فهمي، فضلا عن بعض دور النشر مثل، ميريت أو بدائل أو المرايا الآن.
من أكثر الصالونات التي ترددت عليها صالون عبد المنعم تليمة، وصالون سيد البحراوي وأمينة رشيد، الذي فيه قابلت أسماء رائعة من مثقفي مصر، مثل فاطمة موسى وفتحي غانم، وكذلك صالون محمد عودة الذي قابلت فيه أسماء رائعة، مثل جلال السيد ومحمد عوض وسعد هجرس، وكذلك صالون المذيعة أمينة صبري. كذلك فعلت في العشر سنين الأولى لدار ميريت، فهي في طريقي وسط البلد. كان مقهى ريش أو غيره من مقاهي وسط البلد، هي طريقي للقاء من أهوى أو من أريد، ثم صارت السوشيال ميديا هي صالوني المتسع، بعد أن ضاقت القدرة على الخروج المتكرر.
أتذكر شيئا من الصالونات قبل أن أنتقل إلى أحدث صالون في القاهرة تم تدشينه منذ أسبوعين، وهو «صالون إبداع المرأة المصرية» الذي دشنته كاتبة القصة والرواية الرائعة ضحى عاصي، في قاعة خالد محيي الدين في حزب التجمع منذ أسبوعين. حزب التجمع الذي تمثله في مجلس الشعب. هذه القاعة تشهد كثيرا من الندوات الأسبوعية، لكن الآن صار يوم الأربعاء لإبداع المرأة المصرية.. أعجبتني الفكرة. سبب إعجابي هو الجرأة على تمييز المرأة المصرية، بعد زمن طويل قرأنا فيه الكثير جدا من الإعجاب بالكاتبات الذي قد يصل إلى قصص حب خفية أو معلنة، لكن يظل إبداع المرأة في حاجة إلى تمييز، بسبب قضايا النسوية، وما جرى ويجري على المرأة في الحياة أو الثقافة، من إهمال متعمد أحيانا، وغالبا من تفشي الأفكار المتخلفة عند البعض، من أن الإبداع حقل جرأة قد لا تستطيع المرأة خوضه. هذه فكرة شاعت بسبب القول السائد، إن الكتابة في الرواية بصفة خاصة، تعكس شيئا من السيرة الشخصية، وهو أمر كثيرا ما تحدثت فيها، ملخصا المسألة، في أن محاذير كتابة السيرة تشمل الرجال والنساء معا في عالمنا العربي، فلن تجد فيها من يكتب سيرته بصراحة كتّاب السيرة في الغرب، ومن ثم حين يأتي الكاتب بشيء من حياته في الرواية، وهذا دائما يحدث، فالخبرة الشخصية في الحياة هي أهم حقول الإلهام أو الاستلهام، لكن هذه الخبرة حين تنتقل إلى الرواية تدخل عالم الخيال، ومن ثم دراستها باعتبارها حقيقة أمر غير صحيح، بل هو استسهال في التلقي. هكذا يتساوي الرجال والنساء في الأمر، ومن ثم فليظل ما في الرواية منتميا إلى عالم الخيال.
اعتبار ما في الرواية حقائق شخصية، مغالطة وصلت إلى اعتبار ما تقوله الشخصيات في الرواية معبرا عن الكاتب فصارت تُنسَب إليه، حتى وصلنا إلى من يتعمدون الآن في كتابة الرواية، وضع حكم وأمثال على لسان شخصياتها، فهي أسهل سبل الانتشار في عالم السوشيال ميديا، بينما الحقيقة لمن جرَّب الإبداع الحقيقي هي أن الكاتب نفسه يكون أسير شخصياته، وقد لا ينتبه إلى ما تقول ومكانه بين العقل أو الروح. أعود إلى صالون إبداع المرأة المصرية، الذي قد يجد بعض من ينتقده متسائلا، لماذا هذا الفصل بين النساء والرجال، متغافلا عن عشرات الندوات التي تقام عن إبداع الرجال كل يوم. أعود لأعلن سعادتي بهذا الصالون، الذي ربما تمنعني الظروف الصحية من حضوره إلا نادرا، وسبب الإعجاب أنه آن الأوان أن ندرك أن إبداع المرأة الآن، قد خرج من شرنقة الفكرة القديمة، بأنه أقل عددا أو جرأة. فبعيدا حتى عمن رحلن، وما قدمته كاتبات مثل عائشة التيمورية وملك حفني ناصف وسهير القلماوي وعائشة عبد الرحمن وعنايات الزيات وأليفة رفعت وفاطمة موسى ونوال السعداوي ولطيفة الزيات وفتحية العسال ونعمات البحيري ونجوى شعبان، فبيننا الآن كاتبات رائعات يضيق المقال عن أسمائهن، يبدعن في القصة القصيرة والشعر والرواية، يمكن أن يجد النقاد عندهن ما هو معروف من فن الكتابة، وما هو جديد في شكلها وموضوعها، والجرأة في تناول الموضوعات.
ستجد التفرقة والقهر الاجتماعي لديهن. وستجد السجون والمعتقلات أيضا. السفر للجسد والروح. الصحارى والريف. الحب والأمل الضائع. الأسرة وانشقاقها. الحروب في التاريخ والواقع. الثورات والنكبات. العشوائيات والحواري وثقافتها. الجنون. وغير ذلك كثير جدا يبدعن فيه. وستجد العناية بالشكل الفني في القصة القصيرة، سواء ما استقرت عليه القصة عبر التاريخ، أم إضافة لها. ستجد الإيجاز وتكثيف المعنى والتشويق والنهايات التقليدية مع بناء متماسك، أو النهايات المفتوحة، وغير ذلك مما يدركه النقاد. وستجد من يجدن ويبدعن في المقالات الفكرية أو التاريخية، أو التأملية التي تطرح الأسئلة، أو الكاشفة لما هو غائب. ستجد بالطبع إقبالا على فن الرواية التي تتنوع فيها الشخصيات ولغاتها. ومن يكتبن الرواية الخيالية او الواقعية أو الحداثية أو حتى البوليسية. ستجد من يكتبن بالإنكليزية مثل أهداف سويف. وهنا سأذكر بعض الأسماء في الأنشطة المقبلة، ليس تمييزا لكن لقلة من يساهمون فيه على عكس كتاب القصة والرواية. والنسيان لن يكون للكثيرات. ستجد من يعملن بالترجمة مثل غادة كمال أحمد وزينب مبارك وسلوى جودة، أو بالإعلام الرقمي مثل غادة لبيب وسما زيادة وموني سمير ونهال علام، التي كتبت الرواية أيضا.
أما من كتبن ويكتبن في النقد الأدبي فالأسماء العظيمة كبيرة مثل سيزا قاسم وسحر حمودة وفريدة النقاش وسلمى مبارك وأماني فؤاد وشيرين أبو النجا وسارة قويسني ونشوة أحمد وغيرهن كثير. في الصحافة ما أكثر العظيمات بيننا مثل سناء البيسي، ونوال مصطفى التي تكتب الرواية والسيرة، ولها نشاط اجتماعي عظيم مع السجناء، وزينب عبد الرزاق، وأجيال تالية لا يتسع لها المقال. الأمر نفسه في السينما مثل إبداع الفنانة دينا عبد السلام وهالة خليل وكاملة أبو ذكري، وإيناس الدغيدي وغيرهن كثيرات. أما في السياسة فما أعظم من كانت لهن بصماتهن وما زالت، وعلى رأسهن ليل سويف عالمة الرياضيات وما تفعله الآن من إضراب عن الطعام، من أجل الإفراج عن ابنها الكاتب والناشط السياسي علاء عبد الفتاح. الأمر نفسه في الفن التشكيلي من أنجي افلاطون إلى إيفيلين عشم الله ونجلاء سلامة وغيرهن.
شاء حظي أن أقرأ للكثيرات وأحيانا أكتب ولو قليلا عنهن، ولم أشعر أبدا بمعنى التفرقة السائد بين إبداع الذكور والإناث، بل في رواياتي دائما انحاز للمرأة. مدركا أن كل ما يتم لصقه بهن من قصور، هو نتاج تاريخ من القمع يقوم به الرجال. كذلك أرجو أن يتسع المشروع للمبدعات العربيات، اللاتي يملأن سماء الأوطان مع المصريات. والأسماء بالطبع كثيرة. ويمكن أن توجد طريقة للاستضافة ولو عبر الإنترنت لهن، سيكون هذا إضافة رائعة.
مع التقدم في هذا المشروع سيتأكد انتهاء القسمة الضيزي بين إبداع الذكور والإناث، فنحن نعيش في عالم واحد، منه تأتي استلهاماتنا، ولا يختلف النساء عن الرجال فيه، والفارق بين أزمان سابقة والآن، هو الزيادة العظيمة في عدد المبدعات، التي على الأوطان العربية أن تفخر بهن. وقبل أن أنهي المقال أفكر في سؤال من يستطيع أن يحقق معجما خاصا بإبداع المرأة العربية في سائر الفنون. أعرف أنه في فضاء الميديا ستجد كل الأسماء التي تبحث عنها، لكن أن يتحقق ذلك في كتاب مطبوع أمر أراه مهما، فما زال للكتاب الورقي قيمته وروعته.
كاتب مصري