تحقيقات وتقارير

عودة الصراع السعودي – الإماراتي: «شرَر» ترامب يطاول الخليج أيضاً

عودة الصراع السعودي – الإماراتي: «شرَر» ترامب يطاول الخليج أيضاً

حسين إبراهيم

حسين إبراهيم

لم يسبق للعلاقات السعودية – الإماراتية أن وصلت إلى هذا المستوى من الانحدار الذي تعبّر عنه حرب مفتوحة بين أنصار نظامَي البلدين على منصات التواصل الاجتماعي، جرت مساع لإخراجها من الميدان العام تحت عنوان درء الفتنة، إلا أنها لم تفلح في وقفها. ولعل أكثر ما عكس هذا الصراع، ذلك المزاد الذي هدف إلى استرضاء الرئيس الأميركي، دونالد ترامب؛ فبعدما أعلن ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، على إثر اتصال تهنئة بالرئيس العائد، نيته استثمار 600 مليار دولار في الولايات المتحدة مع احتمال زيادتها إلى تريليون، كشف الرئيس الإماراتي، محمد بن زايد، بعد لقاء شقيقه طحنون بترامب في البيت الأبيض، قراره استثمار 1.4 تريليون دولار، في الولايات المتحدة، وخصوصاً في الذكاء الاصطناعي. وعلى إثر تلك الخطوة، ردّد معارضون سعوديون أن ابن سلمان يفكّر في رفع عرضه إلى 1.5 تريليون.

والواقع أن هذه الاستثمارات الضخمة تنبع من خوف؛ إذ إن حلفاء ترامب ليسوا أوفر حظاً من خصومه في التعرّض للابتزاز والتهديد، ولكن مردّها أيضاً إلى طمع في دعم يستخدمه كل من الطرفين في حماية نظامه وتوسيع نفوذه، وأيضاً ضد الطرف الآخر. فالرجل يقوم بالفعل بإحداث تغييرات جذرية في سياسة أميركا، تغطّي الكرة الأرضية كلها، فيما أخطرها يتجسّد في الشرق الأوسط الذي يشهد بلا شك منعطفاً مصيرياً لم يسبق له أن عرفه في تاريخه الحديث. ولعلّ ظروفاً كهذه سيسعى كل من رئيس الإمارات، محمد بن زايد، وولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، إلى استغلالها لتعظيم دوريهما تحت المظلة الأميركية، وهو ما سيؤدي حتماً إلى زيادة حدة التنافس بينهما.

وفي هذا السياق، نفّذت أبو ظبي، الأسبوع الماضي، عبر وكيلها الأول في اليمن، رئيس «المجلس الانتقالي الجنوبي»، عيدروس الزبيدي، انقلاباً على السعودية في محافظة حضرموت، من خلال تنظيم اجتماع قبلي تمّت خلاله إقالة رئيس «حلف قبائل حضرموت»، عمرو بن حبريش، الذي تستخدمه الرياض في مسعاها للحد من النفوذ الإماراتي في المحافظة الغنية بالنفط، وذلك أثناء وجود الأخير في السعودية، حيث اجتمع بوزير الدفاع السعودي، خالد بن سلمان. على أن الصراع المتجدّد يمتدّ على كامل جنوب اليمن، وهو ما أشار إليه وزير الخارجية في حكومة صنعاء، جمال عامر، الذي قال إن أبو ظبي سيطرت على جزيرة سقطرى، والآن تسعى للسيطرة على محافظة المهرة التي تتنازع عليها مع الرياض.

في المقابل، لم يكن بإمكان الإمارات إخفاء الانتكاسة التي تعرّضت لها في السودان، مع سيطرة الجيش على كامل العاصمة، وإعلان قائده، عبد الفتاح البرهان، أن الخرطوم صارت «مدينة حرة» من وجود قوات «الدعم السريع». كما لم يكن بإمكانها تخطّي خسارة سقوط النظام السوري الذي كانت أول من انفتح عليه تحت عنوان التحالف في محاربة المتطرّفين، لتجد نفسها اليوم في مواجهة تقاطع مصالح كبير بين السعودية وتركيا، لعل العداء لها أحد أسبابه الرئيسية. فبالنسبة إلى ابن سلمان، لا ضير في التحالف مع رجب طيب إردوغان إذا كان ذلك يغيظ ابن زايد، فيما أميركا نفسها تراقب، من المقاعد الخلفية، الصيغة القائمة في سوريا، بما فيها دورا السعودية وتركيا.

إلا أن أبو ظبي لا ترى خسارتها هذه نهائية، باعتبار أن أوضاع الحكم الجديد لم تستقر، وأن واشنطن لم تقرّر وجهة نهائية للتعامل معه، وأن شكل سوريا ما بعد الأسد لم يتحدّد بعد. وهنا، تستطيع الإمارات، من خلال تحالفات مختلفة، أحدها مع مصر، وآخر مع إسرائيل، وثالث مع أقليات كالدروز والعلويين والأكراد، وفصائل مختلفة مع الحكم السوري مثل فصائل درعا، وأيضاً من طريق الوضع الناشئ على الحدود اللبنانية – السورية، الرهان على دور مهم في سوريا، إن لم يكن إدخالها في أتون صراع لا يبقي ولا يذر.

وفي الصورة الأعم، فإن الإمارات تستمد جبروتها من أنها أخذت قرارها بالتطبيع مع إسرائيل حتى التماهي مع الاحتلال، إلى الحد الذي جعلها أخيراً تستقبل قادة المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية، في حين أن السعودية ما زالت في طور التفاوض على شروط التطبيع، وأحد هذه الشروط إقامة دولة فلسطينية لا يبدو أحد في إسرائيل في وارد الموافقة عليها.

وبالتالي، فإن التطبيع الرسمي السعودي ما زال غير منظور، ويعوق المملكة عن «المنافسة الكاملة» مع أبو ظبي، التي لم يكن حجمها ليتيح لها الوقوف في وجه الرياض، في مسألة من مثل الخلافات على الحدود المشتركة، والتي اضطرت المملكة في شباط الماضي، بدل أن تفرض مشيئتها بخصوصها على البلد الجار، إلى إرسال مذكّرة احتجاج في شأنها هي الثانية في غضون عام واحد إلى الأمم المتحدة، بسبب ما تعتبره انتهاكاً إماراتياً لاتفاقية الحدود الموقّعة بين البلدين عام 1974، والتي تراها الإمارات مجحفة بحقها.

أما التطبيع السعودي غير الرسمي، والذي تفعل المملكة الكثير في ظله من دون إعلان، فهو جزء من أوراق الاعتماد عند الأميركيين، وإلّا لما كان ممكناً أن تكون المملكة مكاناً للتفاوض على إنهاء الحرب الروسية – الأوكرانية. لكنّ نظرة الإدارة الحقيقية إلى الدولتين، يعكسها بدقة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، الذي سخر من فكرة الاستجابة لمطالبهما بضخ استثمارات بمليارات الدولارات في السعودية والإمارات، وقال إن «الحوثيين يمتلكون القدرة على هزّ أركان الخليج وطموحاته بصاروخ فرط صوتي في لحظة واحدة، فماذا لو جاء مصرف مثل «جي بي مورغان» واستثمر 200 مليار دولار في أحد البلدين، ثم حدث ذلك؟»

الاخبار اللبنانيه

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب