كرّر كلمة “النصر” 654 مرّة وحقّقه على الجبهات الأخرى وعَلِق في غزّة…

كرّر كلمة “النصر” 654 مرّة وحقّقه على الجبهات الأخرى وعَلِق في غزّة…
عربيًا، تسود حالة من الانهيار غير المسبوق، تصل حد أن أكبر دولة عربية لم تتمكن بعد عام ونصف من الحصار من إيصال زجاجة ماء إلى غزة، بينما تعرض أغنى دولة عربية على ترامب خطة تهجير لأهالي القطاع مقابل استثمارات…
كشف “بحث شامل” أجراه موقع “واينت” التابع لصحيفة “يديعوت أحرونوت”، جرى خلاله تعقّب 456 من خطابات وتصريحات وتسجيلات وتغريدات صادرة عن نتنياهو منذ صباح السابع من أكتوبر، أن الأخير كرّر كلمة “النصر” بصيغ مختلفة 654 مرة، مشيرًا إلى التناقضات الكبيرة التي تضمنتها تصريحاته بهذا الخصوص، وإلى الفجوة بينها وبين الواقع الميداني، خاصة أنه كان قد وعد قبل عام بأن إسرائيل تقف على بُعد خطوة من “النصر” الذي لم يتحقق بعد.
نتنياهو، في المقابل، حقق “انتصارات” كبيرة وغير متوقعة على جبهات أخرى؛ إذ نجح على الجبهة اللبنانية – بحسب الرواية الإسرائيلية – في إخراج حزب الله من المعركة نازفًا بعد تصفية عدد من قياداته العسكرية والسياسية، وعلى رأسهم أمينه العام السيد حسن نصر الله، فضلًا عن إبقاء الاحتلال على شريط حدودي بمحاذاة الأراضي اللبنانية.
كما نجح على الجبهة السورية في تدمير المقدرات العسكرية والاستراتيجية التي راكمها نظام الأسد لعقود، واحتلال القمة العليا لجبل الشيخ، والتوغل عشرات الكيلومترات داخل الأراضي السورية، مستغلًا ما وُصف بفجوة سقوط النظام لإلغاء اتفاقية فض الاشتباك الموقعة عام 1974.
أما على الجبهة المصرية، فقد كسر نتنياهو بنودًا أساسية في اتفاقية كامب ديفيد وملحقها الأمني لعام 2006، الذي يحظر إدخال قوات عسكرية وأسلحة ثقيلة إلى خط الحدود مع مصر، المعروف بمحور فيلادلفيا.
لكن، ورغم كل تلك “الانتصارات”، ورغم حرب الإبادة المتواصلة على القطاع، فقد علق نتنياهو في “مصيدة” غزة، بين السقف العالي لأهداف الحرب غير القابلة للتحقيق بالوسائل العسكرية – وعلى رأسها القضاء على سلطة حماس، وتفكيك جناحها العسكري، وتحرير الأسرى الإسرائيليين – وبين سلامة ائتلافه واستمرار حكمه، المرتبط برضى التيار الديني الاستيطاني، ممثلاً بسموترتش وبن غفير، اللذين يرفضان أي حديث عن تسوية سياسية تتعلق بـ”اليوم التالي”، ويسعيان، إلى جانب أوساط في الليكود، لإعادة الاستيطان إلى غزة حتى بثمن إبقائها تحت الاحتلال وإقامة حكم عسكري فيها.
من جانبها، تخوض المقاومة الفلسطينية، بقيادة حركة حماس، الحرب المتواصلة منذ عام ونصف في أسوأ الظروف السياسية، عربيًا ودوليًا وحتى فلسطينيًا، وسط انقسام عميق في البنية السياسية والاجتماعية، وغياب موقف وطني موحد واستراتيجية فاعلة في مواجهة حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل.
عربيًا، تسود حالة من الانهيار غير المسبوق، تصل حد أن أكبر دولة عربية لم تتمكن بعد عام ونصف من الحصار من إيصال زجاجة ماء إلى غزة، بينما السعودية تكافئ ترامب على خطته بتهجير قطاع غزة باستثمارات بمبلغ 700 مليار دولار.
أما دوليًا، فقد أجهض صعود ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة أي أمل بعدالة دولية، أو تمرد أوروبي أو أميركي داخلي على الهيمنة الصهيونية، بل وأضعف حتى المواقف الروسية والصينية، وذلك في ظل الحرب الاقتصادية العالمية التي قادها، وامتدت لتطال الجميع، إلى جانب توظيفه الحرب على المهاجرين وغير الحاصلين على الجنسية الأميركية ضد حركات الاحتجاج المناهضة للحرب على غزة، وفرضه عقوبات على الجامعات التي تأويها.
في هذا السياق، تبقى المفارقة أن الاحتدام الداخلي الإسرائيلي – وإن لم يتمحور كليًا حول الحرب على غزة – يشكّل طاقة الأمل الوحيدة المتاحة لوقف الحرب والانسحاب من القطاع، خاصة مع التوازي الواضح بين أهداف الحرب وخطة “الانقلاب القضائي” كما تسميها المعارضة، إذ بات من الواضح أن الحرب لا تخدم بقاء نتنياهو في الحكم فحسب، بل تخدم أيضًا مشروع “اليمين الجديد” الساعي إلى تقويض أسس الدولة الليبرالية.
وإن كان نتنياهو وائتلافه قد أمسكوا المعارضة الإسرائيلية من “يدها التي توجعها”، نظرًا لاشتراكهم – إما عن قناعة أو جبن – في الأهداف السياسية للحرب على غزة، وفي مقدمتها القضاء على المقاومة وإنكار الحقوق الفلسطينية ورفض إقامة دولة فلسطينية، فإن تغوّل نتنياهو في الربط بين استمرار الحرب وبين ما يسميه “الإصلاح القضائي”، الذي يسعى من خلاله إلى تقويض ما يسميه بالدولة العميقة وإخضاعها لسلطته المطلقة، بات يترجم بخطوات عملية، من بينها إقالة رئيس “الشاباك”، والمستشارة القضائية للحكومة، وسنّ قوانين لإضعاف القضاء.
ذلك الدمج بين الحرب والانقلاب السياسي قد لا يترك أمام المعارضة الإسرائيلية خيارًا آخر – إذا أرادت حماية ما تبقى من الديمقراطية الليبرالية الخاصة باليهود، ومنع تديين المجال العام – سوى التصدي لاستمرار الحرب على غزة، التي تُستخدم كغطاء لتحقيق أهداف نتنياهو في البقاء بالسلطة، والفرار من المحاكمة، وإفشال أي لجنة تحقيق رسمية.