مقالات

هل ينبغي أن نحزن على تدهور الحضارة الغربية بقلم الدكتور ضرغام الدباغ

بقلم الدكتور ضرغام الدباغ

هل ينبغي أن نحزن على تدهور الحضارة الغربية
بقلم الدكتور ضرغام الدباغ / برلين
في عالم اليوم، حيث تنتشر الأخبار والتحليلات معززة بالصور الفوتوغرافية والفيديوية، لكل حدث مهما صغر، وبسرعة متناهية، وليس ذلك عبر أجهزة التقاط خاصة، بل يمكن استخدام حتى الهواتف الجوالة المحمولة، في متابعة مجريا وأحداث الساعة.
ليس سراً، وليس حكرا على العلماء والمثقفين، وبعيداً عن العواطف والرغبات والإرادات الشخصية، ومؤشرات عديدة تسجل بوضوح أن الغرب الرأسمالي يحتضر. وفي مكتبتي عشرات الكتب بهذا المآل، وأكثب من البحوث والمقالات، وفي معظمها لعلماء وباحثون من الغرب. وهذه النتيجة هي تاريخية، بمعنى أنها استحقاق علمي جدلي، وهناك من العلماء من تنبأ بهذه النتيجة منذ ثلاثينات القرن المنصرم، وأشهرهم أزوالد شبنغلر(Oswald Spengler) (بروفسور وفيلسوف ألماني)، الذي سجل أفكاره في مؤلفه الشهير (Der Untergang des Abendlandes) ترجم ونشر باللغة العربية بعنوان ” تدهور الحضارة الغربية “. وقد لخص أفكاره من خلال معايشته لأهم المراحل: المرحلة التجارية (الميركانتيلية) الرأسمالية، الحقب الاستعمارية، الحرب العالمية الأولى، قيام النظام الاشتراكي الشيوعي، النظام الفاشي في إيطاليا / موسوليني، والنظام النازي في ألمانيا الهتلرية. وصولاً للإمبريالية، وشهد بنفسه انحدار الغرب، وفقدان المثل والقيم النبيلة وسقوطها، التي قام عليها عصر النهضة، وعصر التنوير، وتحولت المنجزات العلمية والإنسانية إلى نهج للتوسع والاستيلاء على الآخرين واستعبادهم، وشبنغلر تنبأ قبيل وفاته عام 1936، أن الغرب لم يعد لديه ما يقدمه للبشرية، سوى استعراضات للقوة والسطوة وبسط النفوذ والهيمنة، وكان شبنغلر في البداية متفائلاً بصعود ألمانيا، ولكنه ما لبث أن تراجع بسرعة، وتنبأ بمستقبل مظلم لألمانيا وأوربا وهو ما تحقق فعلاً بعد وفاته.
جمهورية الصين الشعبية تتقدم بخطى راسخة قوية، دون أن تطلق رصاصة واحدة، ودون أن تهدد جهة أو دولة، حتى حقها في هونغ كونغ أخذته بعد أن انتهى أجل المعاهدة، ولا تفرض عقوبات ولا حصار، بل بهدوء وبلغة التعاون، والمنافع المشتركة، والتفهم أن يكون لكل طرف ثقافته وتقاليده، ونمط حياته. لديها قوة سياسية عظمى، تستخدمها بلطف وود، تملك اقتصاداً جباراً تسخره للتعاون والتنمية والإعمار … لا تنهب ولا تسلب ولا تغزو، ولا تهدد، بل تتلقى التهديدات وترد عليها بابتسامة، يسخر الغرب منها بأنها ابتسامة صفراء، أو حمراء، لا يهمنا ولا يضرنا شكل الابتسامة ولون البشرة والعيون، لديهم ثقافة وحضارة أصيلة، وفنون تشكيلية جميلة، موسيقى وأوبرا راقية، وسينما جميلة، ولديهم لغة مهذبة، يستقبلوك بود وترحاب، بلا عجرفة ولا غطرسة، ولا كبرياء أجوف، بل بود وصداقة…. ألا يطرح هذا نموذجاً يستحق الملاحظة بدل الثقافة العنصرية ولغة العجرفة والعدوان ..؟
أعد قراءة السطور التسعة أعلاه، فستجد أن الغرب يفعل عكسها تماماً معنا ومع غيرنا، يتفننون بإلحاق الأذى بنا، ونحن لم نفعل شيئاً يلحق الضرر بهم، بل هم والبشرية استفادت من نفطنا في تحقيق قفزة صناعية، نحن وفرنا الطاقة للعالم طيلة أكثر من 100 عام …وقبلها يعود الفضل للعرب في العلوم والمعرفة، استفادوا منا بالحلال والحرام، ومع هذا لا يوفرون مناسبة لأن يسيئوا لنا دون أن يمارسوها بحقد عجيب …!
بين الرأسمالية وبين البشرية ألاف الحروب العدوانية، تدمير معالم حضارية، ومنجزات إنسانية، وبحار من الدماء أريقت فداء للجشع والأطماع، الرفاهية على حساب شعوب الأرض اليوم تأفل الشمس للمغيب … بل قد تأخر قدوم هذا اليوم، فهل أبقيتم شعباً أو بلداً لم تعتدوا عليه، أو تحتلوه، أو تسرقوه وأن تقسموه، أو أن تزرعوا الفتن العرقية والدينية فيه، أو تخلقوا مشكلة لا حل لها، بل ولوثتم حتى المياه والفضاء، أنتم من خلق الاستعمار، والفاشية، والنازية، وفلسفة العدوان على الآخرين، ثم اخترعتم الإمبريالية، وأوجدتم أدوات لأمتصاص ثروات الشعوب، ومؤسسات للنهب، لقد أقمتم رفاهيتكم على حساب أوجاع وألام الآخرين…. وحتى في بلدانكم تمارسون العنصرية وتفرضون رؤيتكم ومزاجكم ..! وأخيرا وليس آخراً فلسف كل من فوكوياما وهنتغتن أساطير التفوق العرقي وخلقوا القاعدة الآيدلوجية للعدوان على كل العالم.
اليوم تأفل شمسكم للمغيب … أمضوا غير مأسوف عليكم … تمضغون مصطلحات ومثلا وقيماً أنتم أبعد الناس عنها، ثم ترون منها ما يناسبكم وتفرضونها على البشرية بالقوة … ولسنوات طويلة في عهود الاستعمار الأولى، كانت الذريعة المفضلة هي ” حماية الأقليات “، ثم حين أصبحت لهم شركات النهب والسلب، كانوا يطلقون عليها (حقوق اقتصادية ” ، ولفترة أخرى ” حماية خطوط الملاحة “. ومراحل أخرى ” الخطر الشيوعي ” .
أما ذريعة اليوم المفضلة في عصر العولمة، ما بعد الحرب الباردة، فالذريعة الجذابة المفضلة هي ” حقوق الإنسان “، وهي أكثر الذرائع افتراء، فما هي حقوق الإنسان التي يتباكى عليها الغرب …؟ هل هو القمع الطبقي /الاجتماعي ..؟ القمع العنصري ..؟ إنها خلطة من جميع أنواع القمع …!
اليوم تأفل شمسكم للمغيب غير مأسوف عليكم، لم تقدموا شيئاً للبشرية يستحق هذا العذاب، وإذا تبجحتم بالتقدم العلمي، وهو مساهمة من كل شعوب الأرض، ليطول عمر البشر (كمعدل) بضعة سنوات في شيخوخة لا نفع ولا متع فيها، اختصرت الحضارة مدة السفر، ولكن الحضارة كانت قد وصلت إلى أصقاع الأرض برا في القوافل وبحر بالسفن الشراعية. ومقابل التحضر المزعوم، فقد البشر الطابع الإنساني وتضامنهم، ليدب الخصام والصراع الدموي بين الشعوب. لم تفعلوا شيئاً حسناً لنأسف على رحيلكم …! فأنتم أوجدتم الاستعمار والإمبريالية والعولمة، أنتم استعبدتم شعوباً كاملة ونقلتموهم كأدوات عمل إلى أرضكم، استخدمتم شعوبا أخرى في حملاتكم الاستعمارية، أنتم أوجدتم الهولوكوست، وطاردتم كل صوت شريف حتى من شعوبكم، من الشرفاء والفنانين التقدميين ….
اليوم تأفل شمسكم … امضوا غير مأسوف عليكم………! ولكن أخرجوا مرتدين أحذيتكم التي جئتم بها …لبلداننا .!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب