منوعات

في التظاهرة الثقافية التونسية «مسارح العالم»: حين يجتمع فنانو العالم للحوار والتجديد احتفاء بالمسرح

في التظاهرة الثقافية التونسية «مسارح العالم»: حين يجتمع فنانو العالم للحوار والتجديد احتفاء بالمسرح

روعة قاسم

تونس ـ يعرف فن الكوميديا السوداء برواده في تونس ومن أبرزهم الفنان توفيق الجبالي الذي يعتبر أحد أعمدة المسرح التونسي. وخلال مهرجان «مسرح العالم» الذي احتضنته تونس من 20 إلى 27 اذار/مارس الماضي، قدم الجبالي عملا جديدا من أحدث إبداعاته الساخرة التي تنتقد الوضع الاقتصادي والاجتماعي للبلد بطريقة هزلية. وهو عرض يحمل عنوان «التابعة» من إنتاج «مسرح التياترو». وأتاح المهرجان للجمهور التواصل مرة أخرى مع هذا الممثل والمخرج الكبير الذي عرف بالخصوص بأعماله الناجحة خلال فترة الاستبداد وقبل الثورة وذلك في «تياترو المشتل» الشهير بمدينة تونس.
لقد أبدع الجبالي في بداية تسعينات القرن الماضي بمعية زملائه من كبار ممثلي تونس ومنهم رؤوف بن عمر وكمال التواتي في المسرحية الكوميدية الساخرة من قمع النظام ومن الظواهر الاجتماعية «كلام الليل». وتم إنتاج عدة أجزاء لهذه المسرحية وشهدت عروض كل جزء منها وعلى مدى سنوات إقبالا كبيرا على «تياترو المشتل» في زمن كان فيه التونسيون متلهفون لحرية التعبير ولسماع كل صوت حر رغم قمع السلطات التي تدخلت مرات عديدة ومنعت عرض مسرحيات «كلام الليل».
في مسرحية «التابعة» يستوقف المشاهد بحر من الأسئلة حول الماضي والحاضر وهواجس القادم. يبدأ العرض بدخول الممثلين مع الحقائب التي تحمل صورا من الثورة التونسية تعبّر عن مشاهد العنف ضد المرأة والطفولة وتعبر كذلك عن توحش الفرد ضد الآخر. لعل اللغز في هذا العمل هي تلك الحقائب التي تختزل كل الأسرار وأراد مخرج هذا العمل أن يكون حوصلة للذاكرة الجماعية والفردية في بلد عايش تحولات كبرى.
ثم يظهر لاحقا على الركح الكاتب المثقف الفيلسوف مقابل مجموعة من النساء المنشغلات بالحديث والكلام في مشهد يحمل سخرية من الواقع وتناقضاته بين الفلسفة بقيمها وأحلامها العليا والواقع المعاش الذي تختزله حكايا النساء في المسرحية. «التابعة» أضحكت المشاهدين تارة وأبكتهم تارة أخرى وهي ازدواجية عرف الجبالي بحنكته وإبداعه كيف يغزلها لتقدم هذا العمل الرائع الذي ساهم في كتابته كلا من عياض الشواشي وامال الرامي، ومن أداء الفنانين
يسر القلعي وليلى اليوسفي وزياد العيادي وسيرين بن يحي وياسمين الديماسي ومهدي الكامل وسرور الجبالي.

مشاركة دولية

كما شهدت الدورة الثالثة من مهرجان «مسارح العالم» مشاركة العديد من المؤسسات الثقافية التونسية والأجنبية التي تجتمع حبا وعشقا في الفن الرابع. ويتضمن هذا المهرجان الثقافي الهام برعاية وزارة الشؤون الثقافية التونسية، العديد من العروض اليومية التي تقام في قاعة الفن الرابع بالعاصمة، القاعة الرمز لفرقة المسرح الوطني التونسي.
وانطلقت العروض يوم 20 آذار/مارس بمسرحية «حديقة الهسبيريدس»، وهي عمل مشترك بين المغرب وإسبانيا للمخرجة الإسبانية أليسيا سوتو التي مزجت بين المسرح والرقص والسرد البصري والموسيقى. وتهتم المسرحية بنضالات المرأة أيا كان انتماؤها ضد القيود التي يفرضها المجتمع التي تعيق نجاحها وتطورها وتحاول جذبها إلى الوراء وإرجاعها إلى عصر العبودية.
كما تم يوم عرض عمل إبداعي جديد للمخرج التونسي فاضل الجزيري. وتحمل مسرحية الجزيري الجديدة عنوان «جرانتي العزيزة»، وهي من إنتاج شركة نوفو فيلم التونسية. واستضافت قاعة الفن الرابع عرضًا لأوبرا «كيما اليوم»، والعبارة بالعامية التونسية وترجمتها بالفصحى «مثل اليوم»، للفنانة التونسية ليلى طوبال كتابة وإخراجا وسينوغرافيا. هذا العمل هو أحدث إنتاج للمسرح الوطني التونسي وهو مدعوم أيضًا من قبل شركة «ريزيست آرت» أو «الفن مقاومة».
وكان جمهور المهرجان على موعد مع عرض راقص يحمل عنوان «سكر: مثلّجات لجريمة لطيفة»، هذا العرض الفني مزج من خلاله الفنان ومصمم الرقصات الإيفواري عبدولاي تريزور كوناتي بين المسرح والرقص بلمسة تقليدية احتفالية تعبق أصالة. وجرى عرض الإنتاج التونسي الجديد للمركز الوطني للفنون الدرامية والركحية بالكاف، وهو عمل لـ«ريان القيرواني» بعنوان «تحت الضغط»، وبعده مسرحية «اعتراف» للمخرج التونسي محمد علي بن سعيد. بينما خصص يوم 26 آذار/مارس لعرض «بروميثيوس: الكنغر الأزرق» للمخرج الإيطالي سيموني مانينو عن نصّ للكاتب الإيطالي لورانزو مارسيلي، وهذا العمل هو ثمرة تعاون لفنانين من تونس وإيطاليا.

القاعة الرمزية

تمت برمجة العروض بقاعة الفن الرابع بالعاصمة وهي القاعة الرمزية للمسرح الوطني التونسي والتي كانت شاهدا على إبداعه في أعمال بقيت راسخة في البال ونالت جوائز لا تحصى.
وحمل برنامج مهرجان المسرح العالمي لهذا العالم خصوصية، فبفضل هذا المهرجان أصبح الفن الرابع حاضرا بقوة في العاصمة، ومن خلال مؤسسة المسرح الوطني التونسي، عبر تقديمها لعروض للجمهور أمام مقرها بمنطقة الحلفاوين داخل أسوار مدينة تونس العتيقة، وبذلك يؤكد المسرح الوطني التونسي على دوره في نشر الوعي المجتمعي وحب الفن الرابع والترويج للأعمال المحلية.
إن وجود ثلاثة عروض من الخارج منح لمهرجان المسارح العالمية طابعه الدولي، ويعتبر ذلك برأي الكثيرين خطوة أولى في مسيرة هذا المهرجان الفتي في انتظار عرض المزيد من الأعمال من الدول القريبة والبعيدة في الدورات المقبلة. ويرى هؤلاء أن الكرة الآن في ملعب المسرح الوطني التونسي لتطوير هذا المهرجان وتثبيته بشكل دائم في المشهد الثقافي خاصة وأن دعم وزارة الثقافة ورعايتها للمهرجان متوفران وهناك استعداد منها لمزيد الدعم في المستقبل.
وتجدر الإشارة إلى أنّ تظاهرة «مسارح العالم» عرفت دورتها الأولى في سنة 2023، وبالتالي فهي تظاهرة فتية لكنها احتلت موقعها في المشهد الثقافي التونسي. فقد أصبحت، بحسب المنظمين، فرصة للفرق المسرحية المحلّية والأجنبية وللمدارس المسرحية من مختلف أنحاء العالم للقاء والحوار والتجديد في فضاء مشترك.

إثراء للمشهد الثقافي

وفي هذا الإطار ترى الإعلامية التونسية المتخصصة في الشأن الثقافي سامية حرار في حديثها لـ«القدس العربي» أن مهرجان مسارح العالم في دورته الثالثة أثرى المشهد الثقافي التونسي في شهر رمضان خاصة وأن هذا الشهر الفضيل عُرف في العادة بالعروض الموسيقية الملتزمة أو الصوفية. فالمسرح الوطني، حسب محدثتنا، قدم أروع العروض الراقية التي تستجيب لأذواق عشاق الفن الرابع في البلاد وجمهوره الوفي.
وتضيف الإعلامية قائلة: «لقد كانت العروض في مستوى الحدث، سواء الخارجية أو المحلية خاصة وأن تونس مثلها في هذه التظاهرة عدد من ألمع مسرحييها وأشهرهم ممن برعوا في الماضي القريب وفي الحاضر وهو ما زاد المهرجان أهمية. فالفاضل الجزيري مرجع من مراجع الفن التونسي سواء تعلق الأمر بالمسرح أو السينما أو بالعروض الفرجوية الموسيقية، وكذلك الشأن بالنسبة لصاحب مسرحيات «كلام الليل» توفيق الجبالي الذي اختتم المهرجان بعرض جديد انتظره جمهوره على أحر من الجمر.
لقد أثبتت مؤسسة المسرح الوطني أنها قيمة ثابتة في المشهد الثقافي التونسي من خلال تنظيم هذا المهرجان وغيره من المهرجانات ومن خلال تقديم مسرحيات شهد النقاد المحليون والأجانب بقيمتها الفنية، وهاهي هذه المؤسسة تؤكد اليوم على أنها مفخرة من مفاخر الفن الرابع في تونس. لقد وقع الاختيار على عروض شيقة وراقية لهذا المهرجان كما تم التنظيم بقاعة الفن الرابع رمز المسرح الوطني من دون الحاجة إلى البحث عن الفخامة سواء بفضاء المسرح البلدي المهيب أو بقاعات مدينة الثقافة وعلى رأسها مسرح الأوبرا الضخم الذي بات قبلة أغلب منظمي المهرجانات المسرحية في تونس في السنوات الأخيرة».

«القدس العربي»:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب