مقالات
ثقافة الخوف في المجتمع العربي المعاصر-الأنظمة العربية أنموذجاً- بقلم الاستاذ الدكتور عزالدين الدياب -استاذ جامعي -دمشق –
بقلم الاستاذ الدكتور عزالدين الدياب -استاذ جامعي -دمشق -
ثقافة الخوف في المجتمع العربي المعاصر-الأنظمة العربية أنموذجاً-
بقلم الاستاذ الدكتور عزالدين الدياب -استاذ جامعي -دمشق –
ماالدعاوي لمناقشة،بل قل دراسة ثقافية تحليلية لثقافة الخوف في المجتمع العربي المعاصر،ومن ثم هل من الممكن تحليلياً ثقافياً تجزئة ثقافة الخوف داخل البناء الاجتماعي العربي،بمستوياته المحلية-الجهوية والوطنية والقومية؟
أسئلة مشروعة وممكنة بحثها وتحليلها،والقول في إشكالاتها،وإطلاق المعاني،التي تمكن الباحث والدارس،أن يبين عللها وأسبابها،وما بين مستوياتها وتركيبها البنائي،من مستويات في التأثير المتبادل،وما يتمخض عن هذا التأثير من ظواهر،يرى فيها الباحث آثارها القريبة والبعيدة،على الأمن الاجتماعي والثقافي،وكل الأمور البنائية الأخرى .
هذه المقدمة لاتحمل كلاماً وآراء مجانية،بل تريد التنويه،إلى أهمية أن تلتفت مراكز البحوث في الجامعات والأحزاب في الوطن العربي،الى ظاهرة ثقافةالخوف في الوسط الشعبي،وفي وسط الأنظمة العربية،وخاصة تلك التي تأتي نتيجة انقلاب عسكري،يسمى عادة بالثورة،ويحمل مشروعه الاجتماعي،وكلفة هذا المشروع المادية والاجتماعية والنفسية،وآثاره القريبة والبعيدة على وحدة البناء الاجتماعي،داخل مستوياتها الجهوية
والوطنية والقومية.والحقيقة أن وضع ثقافة الخوف في الوطن العربي،ميدانياً وحقلياً محل البحث والتأويل والقول الموضوعي المنهجي،في أسبابها القريبة والبعيدة ،وصولاً إلى النتائج التي يفضي إليها
البحث،مهمة وطنية-قطرية وعربية لاتقبل التأجيل،وخاصة إذا أخذنا في حسابات البحث طبيعة الأنظمة العربية الاستبدادية الشمولية،الممهورة بمستويات عالية من تدخل الأجهزة الأمنية والعسكرية.
هذا التدخل الذي يزيد من عناصر وآليات وإجراءات ثقافة الخوف،وما يتأتى منها من ظواهر وعلل وواقعات بنائية،
تفكك وحدة البناء الاجتماعي العربي،وتثير وتنمي وتمهد لثقافة الكراهية والتنابذ الاجتماعي والفرقة،وتهيىء البناء الاجتماعي للإختراق أمنياً خارجياً،يفكك ويعطب السلامة الجهوية والوطنية والقومية،وينمي ما يطلق عليه في فكرنا السياسي،والأدب الشعبي ظاهرة” العمالة للأجنبي “.
إذا ثقافة الخوف ظاهرة بنائية خطرة في حياتنا العربية،بحكم،كما أسلفنا طبيعة وطبائع ألنظام العربي السياسي الراهن،حتى أن الباحث في شأن ثقافة الخوف وإملاءاتها على النظم السياسية العربية من جهة،وعلى قطاعات عريضة من أبناء الشعب العربي، حتى إنّ الباحث في ثقافة الخوف وتجلياتها
البنائية،يلمسها على الفور في الأنظمة السياسية الجديدة ،عندما تقدم على تشكيل أطرها ومؤسساتها المدنية والعسكريةفإن ثقافة الخوف على نظامها السياسي،تجعلها تلجأ إلى الاختيارات بعين أمنية ،تقودها ثقافة الخوف على أمن وسلامةالنظام السياسي.
وبناء على ما تقدم ،والتزاماً بفعالية،مالثقافة الخوف من آثار مدمرة على وحدة البناء الاجتماعي العربي،ومصاحباتها من عصبيات تفكيكية ثأرية إنتقامية،وعقلية شللية تآمرية،نقول إنّ ثقافة الخوف تتكوّن في البنية العقلية للطبقة السياسية الحاكمة، في أي مجتمع من المجتمعات المحسوبة على دول الجنوب أو مايسمى العالم الثالث،عندما تصل هذه إلى الحكم بانقلاب عسكري،وتحاول أن تعيد تركيب بنية المجتمع بطريقة فيها محددات ثقافية انتقامية وثأرية من قوى اجتماعية بعينها ،الأمر التي يجعلها تحصر همومها في الهيمنة على كل اَليات القمع من جيش وأمن…إلخ كما تتفرغ للنهوض بمكوناتها الاجتماعية بحيث تصبج امكانات المجتمع وثرواته تقاد بعقلية الغنيمة،وتحويل أجزاء منها إلى هبات ومغانم بقصد تكوين عصبية تلرم أفراد هذه الطبقة ،بمبايعة القيادة والالتزام بأوامرها وخططها السياسية التزاما عصبويا،لأن وازعها السياسي في الأساس. تشكل وتكون على أساس منطق المؤامرة الذي يعتبر الابن الشرعي لثقافة الخوف.
والمعروف أن ثقافة الخوف عندما تصبح جزءا لا يتجزأ من تفكير الطبقة السياسية الحاكمة ومن محددات عملياتها العقلية فيستهويها شراء الضمائر وتقريب الانتهازيين،وإشاعة الرشوة والمحسوبية،وخلخلة القيم التي تشكل محددات وثوابت في مفهوم الحلال والحرام والعيب،هذه القيم التي تشكل الحبل السري في التضامن والتضافر والتاَزر والتساند،وكل وحدات ومكونات الأمن الاجتماعي والثقافي والسلم الأهلي.
ولاشك أن هدم هذه القيم يقوي ،الفرقة وثقافة الكراهية،والتنافس والغل الاجتماعي ،ومن هذه الحالة الثقافية المعتلة تنفذ قوى القمع إلى بنى المجتمع فتزيدها تفكيكا وانقساما وشرذمة.وبهذه الحالة لاغيرها، وعليها تستريح الطبقة السياسية وتغزي ثقافة خوفها بعناصر ومفردات ومحددات يصبح همها اليومي تقويةعناصر ثقافة الكراهية والفساد والغش الاجتماعي،وكل مامن شأنه تقوية هيمنتها على السلطة وأدوات قمعها،وتمتين عصبيتها.
وثقافة الخوف باعتبارها المكون الأساس للشخصية الاجتماعية السياسية للطبقة الحاكمة في الوطن العربي ،فإنها عندما تقوم بتكوين وتأسيس دولتها ونظامها السياسي فإنّها تكونه بوازع الخوف وماله من عصبيات،فالوزير ينتقى ويكلف بمنظار وعين خائفة،ورئيس الإدارة ينتقى من خلال ذهنية ثقافة الخوف،والأستاذ الجامعي ينتقى ويكلف من خلال العقلية الثقافية الخائفة،وقل ذلك بمختلف أجهزة ومؤسسات الدوله .
وهذه الأطر المنتقاة بثقافة الخوف، تستبيح البلاد،ومافيه من مال وثروات وجاه وسلطان،فالبلاد المحكومة بنظام تكونه ثقافة الخوف يصبح مزرعة -عزبة للحاكم وحاشيته،ومن في معيته من أتباع .ومسوغات هذا الفساد ناشئة في جوانية ثقافةالخوف.
هذه الدراسة-المداخلة لثقافة الخوف لاتشير إلى نظام عربي بعينه،وإنما تطرح هذه الظاهرة البنائية العربية،من خلال يقينهابأن هناك الكثير والعديد من القواسم المشتركةبين الأنظمة العربية الراهنة،وما كونته وأنشأته من قواسم مشتركةًفي الشخصية العربية الراهنة،المستسلمة لأوامر ومعطيات ثقافة الخوف التي نراها ونلمس نتائجها في موقف هذه الشخصية المرفوض شعبياً،مما يحدث على تراب فلسطين،من جرائم وحشية بشعة يقوم بها النظام الصهيوني وبدعم نادي عنصري من أذرعه في العدوانية الأوربية الغربية ،والولايات المتحدة الأمريكية المنقادة من الصهيونية العالمية.