«مشروع نسيج الحياة» الاستيطاني تكريس لضم الضفة

«مشروع نسيج الحياة» الاستيطاني تكريس لضم الضفة
يافا ذيب
الضفة – في الوقت الذي تتسارع فيه مشاريع الاستيطان والضم في الضفة الغربية، تدفع قوات الاحتلال الإسرائيلي بمزيد من المخططات التي تهدف إلى فرض سيطرة شاملة على الأرض الفلسطينية، وفصل المناطق عن بعضها البعض، وتحويل التجمعات السكانية إلى «كانتونات» معزولة.
في مقدمة هذه المشاريع يأتي ما يسمى بـ» مشروع نسيج الحياة»، وهو مخطط يحمل طابعاً استعمارياً، يستهدف تكريس واقع «الأبارتهايد» (نظام الفصل العنصري) وسحق أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية مستقلة.
ويُعد ما يسمى بـ”نسيج الحياة” أحد أخطر المشاريع الاستيطانية المطروحة حالياً، إذ يهدف بشكل مباشر إلى عزل شمال الضفة الغربية عن جنوبها، وربط المستوطنات بالقدس دون المرور بالمناطق الفلسطينية، من خلال شبكة من الطرق الالتفافية والأنفاق والجسور التي تخدم المستوطنين وحدهم.

جانب من أعمال شق الطرق في الضفة (القدس العربي)
مشروع قديم متجدد
ويرى الخبير في الشأن الإسرائيلي عماد أبو عواد أن جذور هذا المشروع تعود إلى حقبة ما بعد توقيع اتفاق أوسلو، حين جرى تقسيم الضفة إلى مناطق «أ» و«ب» و«ج»، حيث تشكل الأخيرة ما يقارب 60% من مساحة الضفة الغربية.
ويوضح أبو عواد لـ”القدس العربي»: «منذ البداية، لم تكن لدى إسرائيل نية للانسحاب من هذه المناطق، كما قال أحد المقربين من (رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إسحق) رابين، فإن رئيس الوزراء الأسبق لم يكن يريد تنفيذ أوسلو فعلياً، بل استخدمه كأداة للتمدد، وهكذا، ومع تعاقب الحكومات الإسرائيلية، تضاعف الاستيطان، وفرض الاحتلال السيطرة على الأرض من خلال الطرق الالتفافية والبؤر الاستيطانية».
ويضيف: «ما نراه اليوم هو تتويج لتلك السياسات، فإسرائيل تتحدث الآن عن استكمال شبكة الطرق، بما يعزل الفلسطينيين عن المستوطنين تماماً، ويخلق ما يشبه « دولة يهودا» داخل مناطق (ج)، ككيان استيطاني متكامل يحظى بكل مقومات الدولة، في مقابل خنق الوجود الفلسطيني.”
ويستند هذا المشروع إلى إنشاء طرق بديلة للفلسطينيين تمر عبر أنفاق أو جسور ضيقة، تحت أو جوار الطرق التي يستخدمها المستوطنون، بزعم “تسهيل الحركة”، بينما الهدف الحقيقي هو شرعنة الفصل العنصري، ومنع الفلسطيني من التنقل بحرية في أرضه.
ويؤكد عبدالله رحمة، ممثل هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، أن هذه المشاريع لا تخدم إلا المستوطنين، ويقول: «الشارع الأخير الذي بدأ الحديث عنه، ويمتد بين العيزرية والزعيم، يهدف إلى ربط جنوب الضفة بوسطها من خلال نفق، لكنه فعلياً يفرض سيطرة إسرائيلية على الأراضي الواقعة فوق النفق، لا سيما في برية القدس الشرقية وباديتها.”
ويقول لـ»القدس العربي: «هذا الشارع يرتبط أيضاً بتنفيذ مخطط E1، الذي يهدف إلى ضم مستوطنات كبرى شرق القدس، مثل مستوطنة معاليه أدوميم، وكدار، إلى بلدية القدس، وهو ما يعمل على فصل جنوب الضفة عن وسطها وشمالها، ويفتح المجال لمزيد من التواصل بين المستوطنات، بما يعزز الوجود الاستيطاني ويضرب أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية».
ولا يقتصر الأمر على الاستيطان والفصل الجغرافي فقط، بل يتعداه إلى سياسات تهجير قسرية بحق التجمعات البدوية، خصوصاً في مناطق شرق القدس. ويوضح رحمة أن هناك مخططات إسرائيلية متواصلة منذ أكثر من عقد لتهجير هذه التجمعات، وتجميعها في قرى ثابتة خاضعة لسيطرة الاحتلال.
ويقول: «في 2015 و2018 أٌفشلت مخططات لتهجير الخان الأحمر، لكننا اليوم أمام محاولة جديدة لفرض أمر واقع من خلال مشاريع الطرق هذه، التي إذا ما نُفذت ستمنع الفلسطينيين من استخدام الطرق الواصلة بين أريحا والقدس، وتحولهم إلى رهائن في مناطق محاصرة».
اعتداء على مناطق السلطة
ويؤكد أبو عواد أن المشروع أخطر من مجرد بنية تحتية، ويشير إلى أن الاحتلال لا يكتفي بمناطق “ج”، بل بات يتدخل في مناطق “أ” و”ب” أيضاً، حيث شهدت مدينة البيرة أخيرًا هدم بيوت فلسطينيين في مناطق مصنفة “أ”، إلى جانب وجود بؤر استيطانية في مناطق تخضع شكلياً للسلطة الفلسطينية.
وحسب اتفاق طابا المتمم لاتفاق أوسلو يتم تصنيف المناطق الفلسطينية إلى عدة خانات، والمنطقة «أ» تضمن سيطرة مدنية وأمنية كاملة من قبل السلطة الفلسطينية، اما المنطقة «ب» فتضمن السيطرة المدنية الفلسطينية والسيطرة الأمنية الإسرائيلية الفلسطينية المشتركة.
ويقول أبو عواد «هذا يعني أننا أمام مرحلة أكثر خطورة، مرحلة تجسيد لمخطط السيطرة الشاملة على الأرض الفلسطينية، دون الحاجة لإعلان ضم رسمي، بل من خلال تكريس واقع جديد على الأرض.”
وبهذا يضرب ما يسمى «مشروع نسيج الحياة» في عمق الجغرافيا الفلسطينية، ويمثل وجهاً آخر من وجوه الاحتلال، الذي يسعى إلى فرض سيطرته الكاملة على الضفة الغربية، تحت غطاء التخطيط العمراني والطرق، بينما يواصل التهام المزيد من الأراضي الفلسطينية، وخنق السكان، وتوسيع المستوطنات.
وكما يقول عبدالله رحمة: «تنفيذ هذه المشاريع ستكون له تبعات مباشرة على مستقبل الدولة الفلسطينية، وعلى التواصل الجغرافي بين المدن والقرى، بل وعلى الوجود الفلسطيني نفسه.”
«ويتابع نسيج الحياة” ليس مشروعًا لتحسين الواقع كما تدّعي إسرائيل، بل هو مخطط استيطاني بحت يخدم الاحتلال ويعمّق سيطرته على الأرض الفلسطينية. الهدف منه واضح: تسهيل حركة المستوطنين، وخنق الفلسطينيين في معازل معزولة، ومنع أي تواصل جغرافي بين مناطقهم. هذا المشروع وغيره من مشاريع الطرق والضم ليس سوى وسيلة لفرض واقع الأبارتهايد على الأرض، وتصفية ما تبقى من حلم الدولة الفلسطينية».
«القدس العربي»: