عربي دولي

ودّ مؤقّت يليه اشتباك دبلوماسي | الجزائر – فرنسا: عودة «القطيعة»؟

ودّ مؤقّت يليه اشتباك دبلوماسي | الجزائر – فرنسا: عودة «القطيعة»؟

آدم شعبان

الجزائر | لم تصمد محاولات تبريد العلاقات الجزائرية – الفرنسية، طويلاً؛ إذ سرعان ما أطاحت حادثة توقيف دبلوماسي جزائري في باريس، الأسبوع الماضي، بجولة جديدة من الانفراج الذي بدأت تباشيره قبل أسابيع فقط، لتُستأنف حرب الطرد المتبادل بين البلدَين، وتعود معها لغة التصعيد والاتهام، معزِّزةً المخاوف من بلوغ العلاقات المعقّدة أصلاً، مرحلة القطيعة. وجاء ذلك على إثر توقيف نائب القنصل الجزائري في باريس، الجمعة الماضي، إلى جانب اثنين من رعاياها، بدعوى الاشتباه في تورّطهم في عملية اختطاف الناشط الجزائري أمير بوخرص (المُصنّف على لائحة الإرهاب)، نهاية نيسان 2024، من على الأراضي الفرنسية.

وفجّرت الحادثة المشار إليها، والتي جرت، بحسب الجانب الجزائري، من دون أيّ مراعاة للاتفاقات الدولية التي توفّر الحصانة للدبلوماسيين، سلسلةً من الإجراءات التصعيدية المتبادلة، بدأت بطرد الجزائر، أول أمس، 12 موظفاً قنصلياً فرنسياً تابعين لوزارة الداخلية، وتبعتها باريس بردّ مماثل، حيث منحت بدورها 12 دبلوماسياً جزائرياً مهلة 48 ساعة لمغادرة أراضيها، وهي خطوة اقترنت باستدعاء السفير الفرنسي من الجزائر للتشاور، وفق ما أعلن قصر الإليزيه.

وجاءت التطورات المتسارعة بعدما لاحت، أخيراً، بوادر انفراج، اتّسمت بتبادل رسائل ودّية بين الرئيسَين، الجزائري عبد المجيد تبون، والفرنسي إيمانويل ماكرون، تلتها زيارة لوزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، إلى العاصمة الجزائرية، حيث اتُّفق على خريطة طريق شملت استئناف الزيارات الحكومية، وتعزيز التعاون في ملفات الهجرة والمبادلات الاقتصادية والتنسيق الأمني.

من جهتها، لم تتأخّر صحيفة «المجاهد»، لسان حال السلطة الجزائرية، عن وصف ما جرى بأنه «مرحلة جديدة من القطيعة». وكتبت في عددها الصادر، أول أمس، أن العلاقات التي أنهكتها ثمانية أشهر من الأزمة «دخلت طوراً جديداً» يصعب التكهن بمداه، متسائلة عمّا إذا كانت الأزمة الحالية «مؤقّتة»، لتجيب بأن «الوقت ليس للمصالحة». وقال وزير شؤون الهجرة الجزائري، بدوره، إن توقيف الدبلوماسي الجزائري «تمّ من دون الاحتكام إلى الطرق القانونية المتعارف عليها من قِبل السلطات الفرنسية المختصة»، واصفاً القرار بـ«المخالف لكل الأعراف والمواثيق الدبلوماسية».

لا تغيب المعطيات الداخلية الفرنسية عن خلفية التوتّر

وعموماً، تُظهر التصريحات الرسمية الجزائرية أن الغضب لا يقتصر على الحادثة الأمنية الأخيرة، بل يتّسع إلى ملفات متشابكة، في وقت وضعت فيه الحكومة الجزائرية هذه الخطوة ضمن مسلسل من الممارسات العدائية الفرنسية، والتي تشمل السماح بنشاط منشقّين (بمن فيهم أتباع جماعات انفصالية)، بالإضافة إلى التحالف مع غريمها، المغرب، والتخلّي عن سياسة «التوازن» التي سارت عليها الحكومات الفرنسية في قضية الصحراء الغربية. وإلى جانب ذلك، يبرز تنامي قيود الهجرة التي تستهدف الرعايا الجزائريين، وسط إفراغ اتفاقية الهجرة لعام 1968، والتي تمنح الرعايا الجزائريين امتيازات في الإقامة والعمل (بمن فيهم رعايا المستعمرات الفرنسية السابقة)، من مضمونها: تقليص عدد تأشيرات السفر، فضلاً عن حرمان عدد من المسؤولين السابقين، ممّن يحملون جوازات سفر دبلوماسية، وعائلاتهم، من دخول الأراضي الفرنسية.

وكانت الجزائر قد ضغطت، من دون جدوى، لإبعاد وزير الداخلية الفرنسي، برونو روتايو، عضو «حزب الجمهوريين» اليميني، عن أيّ دور في إدارة ملف العلاقات الثنائية، على خلفية مواقفه المعادية للمصالح الجزائرية في فرنسا، علماً أن روتايو الذي تربّى في أحضان اليمين المتطرّف الفرنسي يجاهر علناً بالدعوة إلى قطيعة مع الجزائر، ووقف «مسار التوبة» عن الجرائم الاستعمارية. وفيما بادر، قبل عامين من تعيينه، بتقديم مقترح قانون في مجلس الشيوخ الفرنسي يدعو إلى التنصل من اتفاقية الهجرة مع الجزائر، فهو يقود، منذ تولّيه منصبه، حملة مضايقة واسعة ضدّ مناصري الحكومة الجزائرية في فرنسا، شملت سحب إقامات، وإبعاد ناشطين من الأراضي الفرنسية، والتضييق على نشاط أجهزة الاستعلامات الجزائرية.

غير أنّ الرئيس الفرنسي رفض الأمر، خشية إضعاف حكومته الهشّة، في ظلّ تحالفه مع اليمين التقليدي (حزب وزير الداخلية) الذي يُعدّ طرفاً رئيسياً في تحالف يمين الوسط الحاكم في فرنسا؛ علماً أن الحكومة الفرنسية تعيش حالة من التوازن الدقيق بعد أزمة سحب الثقة من رئيس الوزراء السابق ميشال بارنييه، وتولّي فرنسوا بايرو المنصب، في ظلّ برلمان مشرذم لا يمنح ماكرون غطاءً تشريعياً مريحاً.

ولا تغيب المعطيات الداخلية الفرنسية المتقدّمة عن خلفية التوتّر؛ إذ يرى مراقبون أن التدهور المتلاحق في العلاقات بين البلدين هو «انعكاس لضعف ماكرون الذي فقد القدرة على التحكّم في مسار العلاقات، منذ قراره حلّ البرلمان منتصف العام الماضي، وخضوعه تالياً لتأثير جماعات اليمين»، لافتة إلى أن ماكرون، «وبعدما راهن طويلاً على علاقته الشخصية بالرئيس تبون لتجاوز إرث الماضي والانتقال بالعلاقات إلى مرحلة جديدة من التعاون المشترك والمصالحة التاريخية، يبدو الآن عاجزاً عن ضبط أدوات الدولة العميقة في فرنسا، التي لا تزال تنظر إلى الجزائر بعين استعمارية».

وعلى رغم بلوغ الأزمة هذا الحد، يستبعد هؤلاء أن «يمضي البلدان في خطوات تصعيد إضافية، ولا سيما الجانب الجزائري الذي يجد نفسه محاصراً بسياقات إقليمية ودولية غير مؤاتية، وسط تردّي العلاقات مع شركاء، من مثل روسيا وتحالف دول الساحل»، ووسط «غموض موقف الإدارة الأميركية الجديدة من الجزائر، مع إشارات غير مطمئنة، بدأت بفرض رسوم جمركية مرتفعة على الصادرات الجزائرية، ومنْحها مهلة لأطراف النزاع للتفاوض حول تسوية نزاع الصحراء الغربية وفق خطة الحكم الذاتي المغربية».

الاخبار

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب