مقالات

الاقتصاد الفلسطيني والمشاكل البنيوية

الاقتصاد الفلسطيني والمشاكل البنيوية

د. حسين الديك
باحث الاقتصادي وسياسي

يعاني الاقتصاد الفلسطيني من مشاكل بنيوية تحول دون تحوله الى اقتصاد فاعل ومؤثر على مستوى الناتج
المحلي الفلسطيني، وهذا يعود الى سياسات الاحتلال المتواصلة منذ نكسة العام 1967م الى يومنا هذا،
والتي علمت على استمرار تبعية الاقتصاد الفلسطيني للاقتصاد الاسرائيلي وهذا ما جعل الاقتصاد
الفلسطيني يبقى يعاني من اختلالات هيكلية عميقة في تركيبته وقطاعاته المختلفة، وقد تجلى ذلك في ضعف
كبير في السيولة المالية والتراجع الحاد في الناتج المحلي الاجمالي وارتفاع معدلات البطالة الى ارقام قياسية
بسبب الاعتماد الكبير على سوق العمل الاسرائيلي.
عمل الاحتلال على اعتماد سياسات عدوانية لتدمير الاقتصاد الفلسطيني من خلال الحصار المفروض على
الضفة الغربية وإعاقة التحرك بين المدن والبلدات الفلسطينية ونشر الحواجز الدائمة وإغلاق الشوارع
وإعاقة الحركة من الموانئ الإسرائيلية وعدم وصول المواد الخام من الموانئ والمطارات الى الضفة
الغربية الى الضفة الغربية وقطاع غزة، ذا بلغ عدد الحواجز الإسرائيلية في الضفة الغربية حوالي
(1000)حاجز، واستمرار الاجتياحات والاقتحامات والعمليات العسكرية للمدن والبلدات الفلسطينية اضافة
الى حرب الابادة الجماعية في قطاع غزة ، مما انعكس سلباً على الواقع الاقتصادي وخاصة قطاعات
الصناعة والسياحة والتجارة والخدمات وتراجع الأنشطة الاقتصادية بشكل كبير، فقد انعكس هذا الواقع
الاقتصادي الصعب الناتج عن الإغلاق والحصار على القطاع الخاص مما أدى الى إغلاق بعض المشاريع
الاقتصادية وتوقف مشاريع أخرى، وهناك مشاريع مهددة بالإغلاق وبعض المستثمرين الفلسطينيين
والأجانب نقلوا مشاريعهم الى خارج فلسطين، مما أثر سلباً على الحركة الاقتصادية والتجارية في الضفة
الغربية وقطاع غزة وتسبب في خسائر اقتصادية كبيرة .
جاء اعلان المفوضية الأوروبية عن برنامج شامل متعدد السنوات لدعم الاقتصاد الفلسطيني في هذا العام
بإجمالي مساعدات يصل الى ( 1.6 )مليار يورو، تقدم بين عامي 2025 و2027، من اجل دعم
الاقتصاد وتعزيز الاصلاحات، حيث تم توزيع هذه الحزمة من المساعدات الى (620) مليون يورو لدعم
موازنة السلطة الفلسطينية، و (576) مليون يورو لدعم مشاريع التنمية في الضفة الغربية، القدس الشرقية
وقطاع غزة ، و (82) مليون يورو سنويًا لصالح وكالة الأونروا ، و (400) ليون يورو على شكل
قروض للقطاع الخاص الفلسطيني.
ولكن حزمة المساعدات تلك لن تحل الازمة الاقتصادية التي يعاني منها الاقتصاد الفلسطيني ، لان الاقتصاد
الفلسطيني يتعرض لضغوط هائلة، ناتجة عن سياسات الاحتلال على مدار السنوات الماضية وادت الى
تراجع الناتج المحلي الإجمالي، اضافة الى الانخفاض الحاد في المساعدات الدولية، واكبر مثال على ذلك
ما حصل في عام 2023، انخفض دعم المانحين الدوليين إلى أدنى مستوى له عند( 358 )مليون دولار
أمريكي، أي ما يعادل 2% فقط من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنةً (2) مليار دولار أمريكي، أو 27%
من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2008.

ولم يقتصر الامر على خفض المساعدات الخارجية فقط بل تعدى ذلك الى قرصنة وسرقة الاموال من قبل
الاحتلال الاسرائيلي ، فمنذ أكتوبر 2023، تصاعدت عمليات خصم الإيرادات وحجبها من قِبل إسرائيل
لتصل إلى أكثر من( 1.4 )مليار دولار أمريكي بين عامي 2019 وأبريل 2024. ويمثل هذا المبلغ
8.1% من الناتج المحلي الإجمالي لفلسطين في عام 2023، مما أدى إلى عجز كبير في الموازنة العامة،
اذ أعاقت هذه التحديات المالية قدرة الحكومة الفلسطينية الوفاء بالتزاماتها المالية، والحفاظ على الخدمات
العامة الأساسية كالرعاية الصحية والتعليم، كما أدى هذا الوضع إلى تزايد الديون، وتأخر سداد مستحقات
الموردين من القطاع الخاص، وانخفاض التحويلات الاجتماعية للفقراء.
ان تلك الاضطرابات السياسية كان لها تأثير كبير على الاقتصاد الفلسطيني وادت إلى تراجع حاد في
النشاط الاقتصادي في الضفة الغربية وغزة، وعملت على احداث صدمة اقتصادية هي الأسوأ التي يشهدها
الاقتصاد الفلسطيني منذ حوالي 32 عام فرغم التطورات الإيجابية في السياسات التي أحرزتها السلطة
الفلسطينية في تحسين الحوكمة الاقتصادية الا ان الظروف السياسية طغت على الواقع الاقتصادي والذي
وصل الى حد الكارثة الاقتصادية وخاصة بعد منع الاحتلال اكثر من (200) الف عامل فلسطيني من
العودة الى عملهم داخل اسرائيل ، واستمرار الحرب والاجتياحات والاغلاقات في الضفة الغربية وقطاع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب