تحقيقات وتقارير

قمّة ترامب – نتنياهو الثانية… توافق أم اختلاف أولويات؟

قمّة ترامب – نتنياهو الثانية… توافق أم اختلاف أولويات؟

سعى نتنياهو إلى ضمان استمرار دعم ترامب لإسرائيل في عدوانها على قطاع غزة ولبنان، فضلًا عن الضغط على تركيا للتراجع عن إقامة وجود عسكري لها في سورية، والأهم إقناع ترامب بضرورة تدمير برنامج إيران النووي من خلال عمل عسكري مشترك

عقد الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو اجتماعا في البيت الأبيض في 7 نيسان/ أبريل 2025، بعد أن جرى ترتيب القمّة على عجلٍ خلال زيارة نتنياهو دولة المجر. وبحث الجانبان، في القمّة، عدة قضايا أمنية واقتصادية؛ أهمها العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة والمفاوضات المتعثرة بشأن اتفاقٍ جديد لوقف إطلاق النار وتبادلٍ للأسرى مع المقاومة الفلسطينية، والملف النووي الإيراني، والتوتر الإسرائيلي – التركي في سورية، والتعرفات الجمركية الأميركية الجديدة تجاه إسرائيل.

خلفية اللقاء وإطاره

مثّل اجتماع ترامب – نتنياهو حاجةً مشتركة للطرفين، وقد وُظّف خدمةً لحسابات سياسية خاصة بكل منهما. بالنسبة إلى ترامب، مثّلت زيارة نتنياهو طالبًا إعفاء إسرائيل من التعرفات الجمركية الجديدة التي فرضت عليها بنسبة 17% وإعلان نتنياهو إعفاء جميع الواردات الأميركية من التعرفات الجمركية، نجاحاً لإستراتيجيته التجارية على أساس أن زعماء الدول يأتون إليه متوسلين للتفاوض على اتفاقيات تجارة جديدة مع الولايات المتحدة. وكان قرار ترامب، في 2 نيسان/ أبريل 2025، فرض رسوم جمركية متفاوتة على الواردات الأميركية من دول عديدة، قد تسبب في تراجعٍ حادٍّ في أسواق الأسهم الأميركية والعالمية، وأثار هواجس كبيرة من احتمالية حدوث ركود اقتصادي أميركي وعالمي. ويواجه انتقادات من شرائح اجتماعية أميركية متزايدة يعتريها قلقٌ من ارتفاع أسعار السلع والخدمات ونسب التضخم، ما جعل عددًا من أعضاء الحزب الجمهوري في مجلسَي النواب والشيوخ يعارضون هذه التعرفات خشية أن تؤدي إلى خسارتهم الانتخابات النصفية عام 2026.

ويأمل نتنياهو، الذي يواجه أيضاً تحدّيات داخلية وخارجية عديدة، أن يحصل على دعم ترامب. ورغم أنه نجح في توسيع قاعدة ائتلافه الحكومي أخيراً من خلال ضمّ حزب “اليمين الرسمي” بزعامة جدعون ساعر، فإنه لا يزال يسعى إلى إنجاز ما يصفه بـ”الإصلاح القضائي الشامل” في محاولةٍ للتهرّب من تُهَم الفساد التي يواجهها، وهو لا يزال يحاول التملص أيضا من مسؤولية الفشل في منع هجوم “طوفان الأقصى”، ويحاول تحميل الأجهزة الأمنية والعسكرية وزر ذلك، إضافةً إلى تعطيله فُرص التوصل إلى اتفاق لتبادل الأسرى مع المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة رغم المطالب الشعبية والسياسية والأمنية الإسرائيلية التي تدعوه إلى ضرورة إنجاز صفقة. وعلى صعيد السياسات، سعى نتنياهو إلى ضمان استمرار دعم ترامب لإسرائيل في عدوانها على قطاع غزة ولبنان، فضلًا عن الضغط على تركيا للتراجع عن إقامة وجود عسكري لها في سورية، والأهم إقناع ترامب بضرورة تدمير برنامج إيران النووي من خلال عمل عسكري مشترك بين الولايات المتحدة وإسرائيل.

لم يَألُ ترامب جهدا في كَيل عبارات المديح والإطراء لنتنياهو، في المؤتمر الصحفي في البيت الأبيض، ومع ذلك وجّه إليه رسائل ضمنية، بعضها جاء صادماً؛ في ما يتعلق بإيران، والتوتر مع تركيا، والحرب في غزة، وحتى التعرفات الجمركية؛ إذ لم يتردّد ترامب في تذكير نتنياهو بأن إسرائيل تتلقى من الولايات المتحدة أربعة مليارات دولار سنويًا، وهو ما جعل عدة معلقين إسرائيليين يعتبرون أن نتنياهو فشل في تحقيق بعض أهدافه، وأن ترامب نجح في ترسيخ معادلة جديدة معه، بحيث يكون فيها هو صاحب القرار، على عكس ديناميات العلاقة التي سادت بين الرئيس السابق جو بايدن ونتنياهو.

موضوعات القمّة

1. إيران

مثَّل إعلان ترامب عن وجود “محادثات مباشرة” بين الولايات المتحدة وإيران “على أعلى مستوى” العنوانَ الأبرز للقائه مع نتنياهو. وشكّلت تصريحات ترامب، بحضور نتنياهو، رسالةً ضمنية إلى الأخير بأن إدارته قد تُوقّع اتفاقاً نوويّا مع إيران، إذا جرى التوافق على شروطه، ويبدو أنه أراد الإعلان عن المفاوضات مع إيران في حضور نتنياهو، على سبيل تحذيره ضمنيّا من محاولة إفشالها.

لم تأتِ تصريحات ترامب عن المحادثات المباشرة مع إيران وتفاؤله بإمكانية توقيع اتفاق نووي منفصلة عن تهديداته باللجوء إلى “الخيار العسكري” في حال فشل المفاوضات؛ فمنذ أسابيع، هدّد ترامب إيران بعمل عسكري محتمل ضدها لمنعها من تطوير أسلحة نووية؛ إذ قال: “إذا لم تنجح المحادثات، فذلك سيكون أمراً سيّئاً جدًّا بالنسبة إلى إيران […] سيكون هناك قصف لم يروا مثله من قبل”. وتعتقد إدارة ترمب أن إيران قد أُضعفت، إلى حدٍّ بعيد، في الفترة الأخيرة؛ بحيث يمكن أن تكون مسألة توقيع اتفاق نووي معها، هذه المرّة، ممكنة. فقد تمّ إضعاف حزب الله في لبنان، وإسقاط نظام بشار الأسد في سورية، في حين خرجت الفصائل الشيعية العراقية من معادلة الصراع مع إسرائيل بعد أن تلقت ضربات أميركية موجعة، أما جماعة “أنصار الله” (الحوثيون)، فإنهم يتعرّضون لهجمات جوية أميركية مكثفة منذ منتصف آذار/ مارس 2025.

وتعاني إيران داخليّاً أيضا نتائج سياسة “الضغوط القصوى” التي تتبعها الولايات المتحدة ضدها منذ انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي معها عام 2018. وتفيد تقديرات استخباراتية أميركية بأن إسرائيل نجحت، في تشرين الأول/ أكتوبر 2024، في تدمير الدفاعات الجوية الإيرانية خلال الهجوم عليها، فضلا عن إلحاقها أضراراً بالغة بمنشآت إنتاجها الصواريخ؛ ما يعني انكشاف مواقع إيران النووية والعسكرية الحساسة، إلى حدٍّ بعيد، أمام أي هجمة مستقبلية ضدّها. ومنذ أسابيع، عملت الولايات المتحدة على تعزيز وجودها العسكري في الشرق الأوسط والمحيط الهندي، بما في ذلك قاذفات “بي-52” الإستراتيجية البعيدة المدى. وقد أرسلت أيضا بطارية “ثاد” ثانية إلى إسرائيل، وكذلك منظومتَي باتريوت أخريَين، لتعزيز الدفاعات الجوية الإسرائيلية في حال شنِّ هجوم عسكري على إيران وردِّ الأخيرة عليه في إسرائيل.

قدّمت إدارة ترامب إلى إيران مساراً دبلوماسيّاً بديلاً؛ إذ بعث ترامب سابقا رسالة إلى المرشد الإيراني علي خامئني، عبر الإمارات، يحضُّه فيها على إجراء مفاوضات متعلقة بالبرنامج النووي، محذّرًا إيّاه من مواجهة إيران مزيدًا من العقوبات أو حتى عملًا عسكريًّا. لكن خامئني رفض التفاوض تحت التهديد. وتذهب إيران إلى إنها لن تقبل بأن تناقش تفكيك برنامجها النووي الذي تُصرُّ على أنه سلمي، ولا مناقشة نفوذها في الشرق الأوسط وبرنامج الصواريخ الباليستية، وهي مطالب إدارة ترامب. أما نتنياهو، فهو يُصرُّ على أن الاتفاق الوحيد المقبول بالنسبة إليه هو تفكيك البرنامج النووي الإيراني على غرار ما جرى في ليبيا عام 2003. وبحسب رؤيته، فإنه يجب تفكيك البرنامج النووي وتدميره كليًّا “بإشرافٍ وتنفيذٍ أميركيَّين”، وإذا لم يتمّ ذلك فيجب اللجوء إلى “الخيار العسكري”.

2. الحرب في قطاع غزّة

أعاد ترامب، في أثناء لقائه نتنياهو، فكرة سيطرة الولايات المتحدة على قطاع غزة، ووصف القطاع بـ”الموقع الرائع الذي لا يرغب أحد في العيش فيه”. وكرر فكرة إخلائه من الفلسطينيين، مشيرًا إلى أن “دولا عديدة” مستعدة لاستقبال اللاجئين. وتحدّث، في الوقت نفسه، عن رغبته في أن يرى وقفاً لـ”إطلاق نار آخر […] وإطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين”، وأن “الحرب ستتوقف في وقت ما”، وأن هذا الأمر “لن يكون ذلك في المستقبل البعيد”. وحضر ويتكوف، الذي أدّى دوراً مهمّاً في اتفاق وقف إطلاق النار في كانون الثاني/ يناير الماضي، اللقاءَ بين ترمب ونتنياهو. واعتبر مراقبون أن ويتكوف بدأ صبره ينفد من مراوغات نتنياهو. ويجادل آخرون في أن ترامب ربما يريد وقفا لإطلاق النار قبل زيارته السعودية في أيار/ مايو، التي يطمح أن يقنعها بالانخراط في “الاتفاقات الإبراهيمية” مع إسرائيل.

3. التوتر الإسرائيلي – التركي

يبدو أن نتنياهو أخفق في نَيل تأييدٍ واضحٍ من ترامب لموقفه ضد تركيا، بل يبدو أنه حصل على “توبيخ” عندما اشتكى من مساعي تركيا إلى إنشاء قواعد عسكرية على الأراضي السورية بزعم إنها تشكّل “خطرا على إسرائيل”؛ إذ ردَّ ترامب بالإشادة بعلاقته بالرئيس التركي رجب طيب إردوغان. في هذا السياق، كانت إسرائيل قد شنت هجمات جوية على منشآت وقواعد ومطارات عسكرية سورية، بما في ذلك مواقع يتوقع إقامة قواعد عسكرية تركية فيها. وعندما طلب نتنياهو من ترامب التوسّط لدى إردوغان حتى لا يتمدد نفوذ تركيا في سورية، ردَّ ترامب بقوله: “أعتقد أنني أستطيع حلّ أيّ مشكلة لديك مع تركيا”، غير أنه أضاف قوله الذي فُسِّر بأنه توبيخ لنتنياهو: “لكن يجب أن تكون عقلانيًاً”.

خاتمة

يبدو أن ترامب أراد أن يحقق هدفين أساسيَّين من اجتماعه مع نتنياهو، ولذلك جرى استدعاؤه على عجلٍ. الأول تعزيز موقفه في الداخل الأميركي في ما يتعلق بمسألة التعرفات الجمركية التي تثير اضطرابات واسعة في أسواق المال وفي الشارع الأميركي، على الرغم من أن إسرائيل تُعدّ شريكاً تجاريّاً صغيراً، إذ لا يتجاوز حجم التجارة الأميركية – الإسرائيلية 37 مليار دولار سنويًاً، في حين بلغ العجز التجاري بينهما 7.4 مليار دولار لمصلحة إسرائيل، وهو ما تعهّد نتنياهو بإصلاحه. الثاني، التنسيق بشأن التعامل مع ملف إيران النووي وتحذير نتنياهو بعدم العمل على إفساد المفاوضات في هذا الشأن. وقد يكون ترامب سعى أيضًا لدفع نتنياهو في اتجاه وقفٍ جديد لإطلاق النار في غزة، على الرغم من أن تصريحاته جاءت متناقضة في هذا السياق. فمن جهة، كرر تصريحاته المتعلقة بتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة وسيطرة الولايات المتحدة عليه. ومن جهة أخرى، أبدى رغبةً في التوصل إلى اتفاق قريب لوقف إطلاق النار. وفي كل الأحوال، كان الأمر الواضح غياب الصلف الذي كان يتصف به نتنياهو خلال تعامله مع بايدن. لكنّ ذلك لا يعني أنه يمكن المراهنة كثيراً على حصول شرخ في العلاقة بين ترامب ونتنياهو.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب