
«الحرة» إلى حيث ألقت… و«جيفري» الذي يسند الجبل بظهره!

سليم عزوز
مبهج، ومبهج جداً، بل مبهج للغاية، المدير التنفيذي لقناة «الحرة» الأمريكية؛ جيفري غدمن، وفي قراءة أخرى غدمين، فمثله كمثل من أسند ظهره للجبل، ثم وجه تحذيراً لقومه بأنه قد يغادر فينهار الجبل عليهم، وكذلك فعل غدمن، وفي رواية أخرى غدمين!
فعندما قرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مشكوراً غير مأجور، وقف التمويل المخصص لقناة «الحرة وأخواتها»، فإن المدير التنفيذي للقناة، اندفع محذراً ومندداً من هذه الخطوة التي ستفتح الطريق أمام خصوم الأمريكيين، وأمام المتطرفين الإسلاميين، معلناً أن أمريكا ستخسر صوتها الوحيد في المنطقة. وشر البلية ما يضحك!
فمدهش جداً جيفري هذا، وهو يعتقد بأهمية قناته، أو بتأثيرها، حد أن غيابها يمثل خسارة فادحة للولايات المتحدة الأمريكية، وحد أن تغييبها سيفتح الباب لخصومها وللمتطرفين الإسلاميين، فهل هو في كامل لياقته الذهنية، أم أن تأثير الصدمة قوي عليه، أم تراه واقعا تحت غواية من حوله عن تأثير القناة، فيظن أنه قائم على عمل مفيد لبلاده، وبإغلاق «الحرة» ستكون القارعة وما أدراك ما القارعة؟!
«داري على شمعتك»
القناة الأمريكية موجهة للعالم العربي، والرجل الذي هو غدمن، أو غدمين، منفتح على ألمانيا، ودراسته للماجستير والدكتوراه عن الشأن الألماني، لكن تم الدفع به للتعامل مع منطقة خارج دائرة اختصاصه الدقيق، ومنذ بداية التأسيس والإدارة في «الحرة» من نصيب شخصيات، انصب اهتمامها على الوظيفة، مع ضياع الهدف، ويبدو أنهم تصرفوا وفق نظرية «داري على شمعتك»، وكلما فشلت القناة كانت بعيدة عن الأطماع، لكن شعوراً جارفاً يتملكني بأن المدير التنفيذي الحالي لا يكذب ولا يتجمل، وهو يظن فعلاً وصدقاً أنه يسند الجبل بظهره، وبإغلاق «الحرة» سيُفتح الطريق أمام خصوم الأمريكيين والمتطرفين الإسلاميين.. فماذا يعرف جيفري غدمن، أو غدمين، عن المنطقة؟!
مدهش جداً المذكور عندما لا يصله أن قناته فشلت، وللدقة ماتت وشبعت موتا، وأن قرار ترامب بإعلاقها هو في الحقيقة كاشف لموتها وليس منشئاً، فالحرة لفظت أنفاسها الأخيرة مبكراً، واستخراج شهادة الوفاة لا يعني أن الفقيدة ماتت بصدورها. لست من الذين يحملون ضغينة لقناة «الحرة» التي أطلقت في سنة 2004 لتبيض الوجه الأمريكي بعد حرب غزو العراق، وإن كتبت في هذه الزاوية وقتئذ «وماذا تفعل الماشطة في الوجه العكر»، فقد رفضت دعوى مقاطعتها، فقد كان الرأي العام متأثراً بجريمة غزو العراق، وكان زميلنا معوض جودة مراسلاً ميدانياً لها من مصر، ويعلم كيف كان الحصار، وكمية الاعتذارات له عن الظهور على شاشاتها، وذلك في الوقت الذي كان فيه طارق الشامي يشغل موقع مدير مكتبها في القاهرة!
وكانت مصر حبلى بالتغيير، وتأسست حركة كفاية، وشهدت القاهرة حراكاً في الشارع، وكان مما كتبته في «فضائيات وأرضيات» بتجاوز المقاطعة، لأن السلطات المصرية تحاصر «الجزيرة»، وتقيد حركتها، لكنها لا تستطيع الشيء نفسه مع محطة تلفزيونية مملوكة للولايات المتحدة الأمريكية، فالعين لا تعلو على الحاجب، وينبغي استغلال هذا النفوذ في نقل الصوت المعارض، الذي يرفض التمديد لمبارك والتوريث لنجله. ولتخفيف الضغط على قناة «الجزيرة»، فلسنا في سعة من أمرنا لممارسة مقاطعة منبر كهذا!
وقد شاهدت عبرها محاكمات الرئيس العراقي كاملة إلا من بعض الحلقات، لكن مستواها تراجع كثيراً، ولم تحقق أمالنا في أن تكون عوضاً عن قناة ««الجزيرة»»، أو منافساً لها، ولم تحقق الهدف الأمريكي بتبيض سمعة القوم، ولم يكن ينقصها التمويل الكبير، وقد ارتفع تمويلها الى 131 مليون دولار في العام في سنة 2022، بعد أن كان 112 مليون دولار في عام 2021، فلم تبخل عليها الإدارة الأمريكية بالمال اللازم، وحتى بعض البرامج المهمة فيها جاءت الإدارات المتعاقبة فألغتها، فكانوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا، وعلى مدى عشر سنوات لا يوجد لديها برنامج واحد يشار إليه بالبنان، وإن وجد ما يشار إليه بالنعال!
الحرة وسؤال الراوية الأمريكية:
وقد بدت الأمور فيها تدار على قواعد المكايدة، فبدلاً من أن تأتي بدعاة لهم مكانة في قلوب الناس، لتقديم إسلام السماحة، خصصت برنامجاً لأحد الأشخاص المصريين يهاجم الثوابت ويستفز الرأي العام، الذي لم يكن قد تعرف على القناة أصلاً ولم يشاهد البرنامج على شاشتها ولكن شاهد بعض المقاطع منه على منصات التواصل الاجتماعي، فاندفع مستنفراً ضد القناة ومذيعها! فما الهدف من ذلك؟ استفزاز الناس أم احتوائهم للهيمنة عليهم بعد ذلك؟!
لقد بدت أنها رسالة أشخاص لديهم مشكلة مع الإسلام، واستغلوا منبراً كهذا لإدارة أحقادهم، فماذا استفادوا وماذا استفادت الحرة وما هي الرسالة التي تحققت في إبعاد الناس عنها؟، ثم يأتي جيفري ليحذر أمريكا من خسارة صوتها الوحيد بالمنطقة على أساس أنها تسند الجبل بظهرها، وتمنع طوفان المتطرفين الإسلاميين من التقدم، ثم يضحك الثكالى عندما يقول إنها الوحيدة التي تروي القصة الأمريكية في منطقة تشهد مناخاً يعمه العداء المطلق للولايات المتحدة الأمريكية، فهل الصدمة أفقدته اتزانه، ومن وقع الغيبوبة قال هذا الكلام؟
ما هي الراوية التي قالتها «الحرة» في أي موضوع، والناس لا يشدون الرحال إليها في الحدث الأمريكي الداخلي، فتتفوق عليها «الجزيرة» في تغطية الانتخابات الأمريكية، ويذهبون إلى غير «الحرة» لفهم الموقف الأمريكي من أحداث غزة؟
ولممارسة الرياضة الذهنية مع المدير التنفيذي للحرة، فهل بإمكانه أن يشير لشيء مما قال كانت قناته فيه صاحبة رواية انفردت بها، إلا إذا كان الراوي للقصة الأمريكية هو ما يقوله إبراهيم عيسى في برنامجه المحتفى به؟
فهل حدث أن انتقل المشاهد العربي بأغلبيته وأقليته إلى «الحرة «لمتابعة العدوان على غزة، ولو بحسب الرواية الأمريكية للقصة؟ فما هي الرواية الأمريكية أصلاً؟! من الطبيعي أن يختلف الناس، وهناك من تابعوا الأحداث في قناة «الجزيرة» (وهم الأغلبية)، لكن هناك من شاهدوها عبر «العربية» و»الحدث» و»سكاي نيوز عربية»، وربما «القاهرة الإخبارية»، فهل يمكن أن يدلونا على عشرة أفراد تعلقت قلوبهم بـ «الحرة»، وأقبلوا على روايتها حتى أدمنوها؟
عندما نادى المنادي بإغلاق «بي بي سي»، وجدت من يرثيها، حتى من باب التعلق التاريخي، وإن كان حاضرها منبت الصلة بهذا التاريخ، لكن هذا الاحتفال الكبير عبر منصات التواصل الاجتماعي بإغلاق «الحرة»، ينبغي أن يكون نصب الأعين للإدارات الأمريكية القادمة إذا قررت تكرار التجربة حتى لا تكرر نفس الأخطاء، ونعلق على قرار الإغلاق بالقول: إلى حيث ألقت.
ويا عزيزي جيفري لا تقلق فلو رفعت ظهرك، فلن ينهار الجبل!
أرض – جو:
عاتب يوسف الحسيني، زميله أحمد المسلماني لأنه ألغى برنامجه على التلفزيون المصري، فاته أن المسلماني في هذا الصدد مسير لا مخير، فضلاً عن أنه ليس المذيع الاصلي للبرنامج، فقد جاء لسد خانة بعد مرض مقدمه وائل الإبراشي، رحمه الله، وهذا البرنامج هو ضمن «بكج» على بعضه، فالشركة المتحدة عندما وضعت يدها على التلفزيون المصري بحجة تطويره، أطلقت هذا البرنامج وغيره، وقد انتهت من مهمة التطوير فمن الطبيعي أن ترحل ببرامجها، وإن كنا لا نعرف إلى الآن ما هو التطوير الذي قامت به، وما الأموال التي تحصلت عليها نتيجة ذلك من لحم الحي؟!
القوم في بلدي في مرحلة الطفولة البشرية حيث التعرف على الأشياء، فصاروا – يا إلهي – يجهلون معنى الدراما لدرجة عدم التمييز بين ما يصلح فيلما وثائقيا وبين المسلسل التلفزيوني، فالمسؤول الأول عن التلفزيون قال إنه ستتم العودة للإنتاج الدارمي بمسلسل عن الدكتور مجدي يعقوب. وفيلم وثائقي يكفي. إنهم يخترعون الذرة!
مضى أكثر من شهر على الواقعة دون إعلان نتيجة التحقيقات حولها، وإن كنت أستبعد أن لجنة للتحقيق شُكلت. ففي صلاة الجمعة كانت الكاميرا تركز على أحد الأشخاص بشكل مبالغ فيه كما لو كان عبد الفتاح السيسي، ليتبين أنه طارق أسعدة نقيب الإعلاميين المعين، وعضو البرلمان المعين، لكنها كانت فرصة للوقوف على أنه يعمل مذيعاً في راديو الشباب والرياضة، وهذا ما يبرر كيف أنه من الطبيعي أن يكون النقيب المعين نكرة، وقد كنت أظن أن العتب على النظر!»
صحافي من مصر