منوعات

“المخيمات”: فيلم وثائقي يسلّط الضوء على الحركة التضامنية مع غزة في جامعة كولومبيا- (فيديوهات)

“المخيمات”: فيلم وثائقي يسلّط الضوء على الحركة التضامنية مع غزة في جامعة كولومبيا- (فيديوهات)

رائد صالحة

نيويورك- في أبريل/ نيسان 2024، وفي ساعات الصباح الأولى، أقام عدد من طلاب جامعة كولومبيا مخيمًا احتجاجيًا في حديقة بتلر، وهي مساحة عشبية تقع في قلب الحرم الجامعي. نصبوا الخيام، وجهّزوا المؤن، ورفعوا لافتات يدوية تعلن أن هذه الرقعة “منطقة محررة”.

وبحسب الشهادات التي وثّقها الفيلم الوثائقي الجديد “المخيمات”، للمخرجين كي بريتسكر ومايكل ت. ووركمان، فإن الطلاب نظموا هذا الاعتصام بعدما تجاهلت إدارة الجامعة مطالبهم بسحب الاستثمارات من إسرائيل، وجرّمت المشاركة في احتجاجاتهم السلمية. وشعر الطلاب أن الوقت قد حان لتجربة وسيلة جديدة يصعب على الإدارة تجاهلها.

 ويروي “المخيمات” قصة الحركة الطلابية التي اشتعلت في ربيع العام الماضي وأطلقت موجة تضامن واسعة، ألهمت طلاب جامعات أخرى داخل الولايات المتحدة وخارجها للوقوف إلى جانب الفلسطينيين في قطاع غزة، والمطالبة بقطع العلاقات مع الشركات المصنّعة للأسلحة. كما أثارت هذه المظاهرات جدلاً واسعًا في الأوساط السياسية والإعلامية، حيث سعى البعض إلى تشويه صورة الطلاب واتهامهم بمعاداة السامية، وفقاً لمراجعة لمجلة ” هوليوود ريبورتر”.

ويركز الفيلم على أربعة طلاب كانوا في قلب الأحداث: محمود خليل، الطالب الفلسطيني الذي اختير ليكون المفاوض الرئيسي بين المعتصمين وإدارة الجامعة؛ وسودة بولات، طالبة دراسات عليا في سنتها الأولى وناشطة منذ ما قبل بدء الاعتصام؛ وغرانت ماينر، طالب دراسات عليا يهودي ورئيس اتحاد العمال الطلابي في الجامعة؛ وناي إدريس، خريجة كولومبيا التي استمرت في نشاطها الداعم للقضية الفلسطينية.

وتشكل شهادات هؤلاء الطلاب مادة تاريخية غنية توثّق الحراك الجامعي، وتسلّط الضوء على حملة سحب الاستثمارات التي يقودها طلاب الجامعة منذ سنوات. كما يغوص الفيلم في تاريخ الحركات الاحتجاجية في جامعة كولومبيا، ويستعيد ذكريات من تظاهرات 1968 المناهضة لحرب فيتنام، بما في ذلك شهادات لخريجين شاركوا حينها، ولقطات أرشيفية نادرة.

عُرض الفيلم لأول مرة عالميًا ضمن مهرجان CPH:DOX، وسارعت شركة Watermelon Pictures إلى إطلاقه في الولايات المتحدة بعد أيام فقط من توقيف محمود خليل من قبل إدارة الهجرة والجمارك في 8 مارس/ آذار الماضي، وطرد ماينر من الجامعة في 13 من الشهر ذاته. ورغم أن وزارة الخارجية سعت إلى إلغاء تأشيرة خليل، إلا أنه يحمل إقامة دائمة قانونية، ويُحتجز حاليًا دون توجيه أي تهم جنائية. وقد أصدر قاضٍ قرارًا أوليًا بإمكانية ترحيله، ما أثار انتقادات واسعة لانتهاك هذا القرار الصريح للتعديل الأول في الدستور الأمريكي. أما ماينر، فكان من بين نحو عشرين طالبًا تعرضوا لعقوبات بسبب مشاركتهم في الاعتصام.

وزاد هذا التطور من أهمية فيلم “المخيمات”، الذي تحوّل من عمل توثيقي لحركة احتجاجية إلى شهادة حيّة على تصاعد القمع ضد الحريات الأكاديمية والسياسية. وبينما ترصد أفلام مثل “لا أرض أخرى” و “من نقطة الصفر” العنف المباشر في غزة والضفة الغربية، يركّز “المخيمات” على تداعيات هذا الصراع في الداخل الأمريكي، موثقًا كيف يخوض الطلاب معركتهم في قلب الجامعات.

ويفتتح الفيلم بمشاهد من نشرات الأخبار التي تهاجم المحتجين، إلى جانب لقطات من غزة، قبل أن يعرّفنا بالمشاركين الأربعة الرئيسيين، حيث يسرد كل منهم تجربته الشخصية في التنظيم والدعوة للقضية الفلسطينية، ويحللون الطرق التي تجاهلت بها الإدارة مطالب سحب الاستثمارات، رغم اتخاذها قرارات مماثلة في قضايا أخرى، مثل الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.

ويقدّم الفيلم معلومات أساسية لفهم مخاطر وتحديات حملة سحب الاستثمارات، ويُبرز كيف شكّل اعتصام حديقة بتلر خطوة محورية لجذب انتباه الإدارة. ويُظهر براعة المخرجين في وضع هذه الحركة ضمن سياق تاريخي ممتد، من خلال مقابلات مع شخصيات بارزة مثل جمال جوزيف، الذي ساهم في احتجاجات عام 1968، ودمج لقطات أرشيفية من فيلم بول كرونين الوثائقي “حان وقت التحريض”.

كما فعل أسلافهم في عام 1968، احتل طلاب المخيم مبنى هاملتون وأعادوا تسميته بـ”قاعة هند”، تخليدًا لذكرى الطفلة الفلسطينية هند رجب (6 سنوات) التي استشهدت على يد الجيش الإسرائيلي في غزة. وتُسمع في الفيلم تسجيلات صوتية لهند وهي تستنجد خلال لحظاتها الأخيرة، ما يضفي على الفيلم بعدًا إنسانيًا مؤلمًا.

ولإبراز تأثير الاحتجاجات، يُوسّع الفيلم نطاقه ليشمل حركات طلابية مماثلة في جامعات أخرى، منها جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، حيث تتحدث الطالبة الفلسطينية مايا عبد الله عن تجربتها، مقدّمة منظورًا إضافيًا حول ردود الفعل المختلفة.

ويتحوّل الفيلم إلى نبرة مأساوية حين يُوثّق القمع الأمني الذي تعرض له الطلاب. فمشاهد التضامن والتعاون بينهم، بما في ذلك طلاب يهود يرتدون الكيباه المزيّنة بالبطيخ – رمز التضامن مع فلسطين – تقابلها لقطات صادمة لاقتحام شرطة نيويورك الحرم الجامعي، وتدمير المخيمات واعتقال الطلاب. وفي جامعة كاليفورنيا، استخدمت الشرطة القنابل الدخانية والرصاص المطاطي لتفريق المتظاهرين.

وتشابه هذه المشاهد ما حدث في كولومبيا عام 1968، وتطرح تساؤلات جدية حول اتساع رقعة العنف الشرطي في مواجهة الحراك السلمي. إن “المخيمات” ليس مجرد توثيق لحركة احتجاجية، بل هو أيضًا مرآة تعكس التحديات التي تواجهها حرية التعبير والتنظيم في الجامعات الأمريكية اليوم.

“القدس العربي”:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب