ثقافة وفنون

«علامات سردية» إصدار جديد للناقد العراقي مروان ياسين الدليمي

«علامات سردية» إصدار جديد للناقد العراقي مروان ياسين الدليمي

بغداد ـ صدر عن اتحاد الأدباء والكتاب في العراق، كتاب للناقد مروان ياسين الدليمي بعنوان «علامات سردية»، بواقع (338) صفحة، تضمن قراءات نقدية لنماذج من روايات عراقية صدرت خلال الفترة من 2003 إلى 2024. وجاء في مقدمة الكتاب بقلم المؤلف: «ابتداءً من تسعينيات القرن الماضي، شهد المشغل السردي في العراق تحولاً واضحاً باتجاه الكتابة الروائية، وتصاعد هذا الاهتمام بعد عام 2003. ولعل أبرز أسباب ذلك يعود إلى غياب سلطة الرقيب الأمني، الذي كان حاضراً بنفوذه داخل المؤسسات الثقافية الرسمية وشبه الرسمية. لذا، كان الشعر الميدان الأكثر حرية في استقطاب الأقلام الإبداعية، على حساب الكتابة السردية، وفي مقدمتها الرواية. ويعود ذلك إلى أن تقنيات كتابة الشعر قائمة على التكثيف والترميز والاستعارة والتورية، ما يتيح مساحة واسعة لخداع الرقيب وقطع الطريق عليه، إلى الحد الذي يبدو فيه عاجزاً عن الإمساك بما يمكن أن يتضمنه النص الشعري من أفكار تتصادم مع خطاب السلطة السياسية المهيمنة».
ويضيف الدليمي، معلقاً حول أسباب ندرة الإنتاج الروائي قبل عام 2003 في العراق: «وجدنا تخمة في عدد الشعراء العراقيين، وشحاً في كتاب الرواية. وإذا ما أردنا أن نستذكر أسماء الروائيين، قد ينتهي بنا الأمر إلى مجموعة يمكن عدهم على أصابع اليد الواحدة. ومنذ أن كان محمود أحمد السيد (14 مارس/آذار 1903 – 10 ديسمبر 1937) أول من اقتحم عالم الكتابة الروائية بروايته «جلال خالد»، التي تُعد في نظر معظم النقاد أول رواية عراقية».
ويكمل في هذا السياق للحديث عن جيل ستينيات القرن الماضي: «جاء فؤاد التكرلي وغائب طعمة فرمان بعد مجموعة الرواد، في ستينيات القرن الماضي، وبدا واضحاً أن الكتابة الروائية من الناحية الفنية قد نضجت، عندما انحسرت عنها النبرة الأخلاقية والعفوية والتذبذب في مستوى السرد والسرد الذاتي الذي يتسم بحضور المؤلف وتدخلاته الواضحة في النص».
يتوقف الدليمي في مقدمته عند النقاط المضيئة في مسار الرواية العراقية عند بعض روائيي الستينيات: «حدث التحول المهم عبر كتابات التكرلي وفرمان، وهنا بدأت مرحلة ذات طابع تأسيسي في الكتابة الروائية من الناحية الفنية، تميزت بالنضج التقني. وكان من المنطقي أن تلعب دوراً في رسم ملامح جديدة لما سيكون عليه المشغل الروائي العراقي في العقود اللاحقة، وما سيتضمنه من تجارب مختلفة ومتنوعة من حيث الأساليب والتقنيات، التي سيعتمدها الروائيون. كان واضحاً اشتغال الروائيين الستينيين باتجاه تموضع المؤلف في مكان بعيد عن شخصياته، والاهتمام ببنائها باعتبارها شخصيات نصية متخيلة، إلى جانب اهتمامهم بتعدد الأصوات الساردة». يصل المؤلف في قراءته النقدية للنتاج الروائي العراقي بعد عام 2003 إلى الملاحظات الآتية: «وجد الروائي العراقي أن معظم الأبواب التي كانت مغلقة أمامه باتت مفتوحة، فأخذ يتحرك على مستوى الأفكار والموضوعات في مناطق مسكوت عنها، ولم يكن مسموحاً تداولها في الواقع، أو الاقتراب منها حتى في إطار الفن. من هنا، ظهر العديد من الروايات العراقية التي شكّل التاريخ – البعيد والحديث – إطاراً عاماً أو خلفية لمتنها الحكائي، في محاولة من الروائي العراقي لإعادة الصلة بماضٍ ظل مغيباً عن المقاربة الفنية. ولم تكن العودة إلى الماضي والتاريخ بدافع الاحتفاء، بقدر ما هي إعادة اعتبار للعلاقة الوثيقة التي تجمع الرواية بالتاريخ».

ويؤكد الدليمي، بناءً على ما توصل إليه من قراءة نقدية للنماذج الروائية العراقية الجديدة، أن «الرواية باتت معنية بمساءلة التاريخ، ولم تعد تقف أمامها أي حدود تمنعها من التوغل بعيداً في إعادة النظر والتدقيق والتشكيك في كل ما يُعتبر مسلمات غير قابلة للمراجعة، بل إن التخييل الروائي منح المؤلف بطاقة التحليق عالياً في تخيلاته وهو يعيد قراءة سجلات ومدونات الماضي، بحثاً عن الحقائق المغيبة في المدونات الرسمية». وفي إطار رصده للمشغل التقني في النتاج الروائي الجديد خلال العقدين الماضيين، يقول الدليمي: «لعل أكثر ما يبرز من تقنيات في النتاج الروائي العراقي الحديث، الذي تناولنا نماذج منه في هذا الكتاب، هي تقنيات الميتاسرد واليوميات والمذكرات. ويأتي ذلك تمثلاً للتحولات الكبيرة التي سبق أن شهدتها رواية ما بعد الحداثة في أمريكا والدول الأوروبية وأمريكا اللاتينية واليابان. كما يُلاحظ عليها ارتفاع نبرة التشكيك بالحقائق التاريخية والمرويات المتداولة، واهتمام كبير بإعادة صياغتها بالاعتماد على الاختلاق والتخييل عند استدعاء الواقع والتاريخ إلى حاضنة البنيات». ثم يضيف ملاحظة يجدها مهمة تتعلق بدوافع العمل على هذا الكتاب، قائلاً: «ما كان يعنينا في هذا الإصدار هو أن نرصد التحولات التقنية والصيغ الإجرائية التي لجأ إليها الروائيون في صياغة أعمالهم، حتى إن كانت غالبيتها لا تخرج عن كونها محاولة منهم لاقتفاء أثر تجارب عالمية. فالمهم بالنسبة لنا هو رصد الظاهرة الروائية التي توسعت خلال العقدين الأخيرين من الألفية الثالثة».
يختتم الدليمي مقدمته، فيقول: «الحديث عن رواية عراقية خالصة، ذات مستوى فني/تقني يجعلها متفردة تقنياً وأسلوبياً وفكرياً، على الأقل عربياً، سابق لأوانه. فالتوسع في الإنتاج، الذي بات ظاهرة لافتة في العراق، لا قيمة له من الناحية الفنية إن لم يكن مصحوباً بوعي نظري فلسفي عام، يعيد قراءة المفاهيم والأساليب والمناهج والتقنيات، بناءً على ما تفرضه التجربة المحلية من خصوصية روافدها».
جدير بالإشارة إلى أن الكتاب يتناول بالنقد (36) رواية لمؤلفين عراقيين ينتمون إلى أجيال مختلفة. سبق للمؤلف أن أصدر روايتين: الأولى «اكتشاف الحب» عام 2020 عن دار نينوى في دمشق، والثانية «ما تخيله الحفيد» عام 2022 عن دار حكاية في الكويت، إضافة إلى ثلاث مجموعات شعرية وكتب نقدية في السينما والمسرح.

«القدس العربي» :

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب