اقتصاد

خروج كثير من الصينيين من السندات الأمريكية.. والقلب الصناعي للصين في مهبّ رسوم ترامب

خروج كثير من الصينيين من السندات الأمريكية.. والقلب الصناعي للصين في مهبّ رسوم ترامب

هونغ كونغ ـ زونغشان (الصين): قلص الكثير من المستثمرين الصينيين استثماراتهم في سندات الخزانة الأمريكية لصالح الاستثمار في أدوات الدين الأوروبية، بسبب الحرب التجارية التي أشعلها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع الصين بحسب مجموعة دويتشه بنك المصرفية الألمانية.

وقالت ليليان تاو رئيسة قطاع مبيعات اقتصاد الصين الكلي والأسواق الناشئة العالمية بدويتشه بنك “لاحظنا تراجع نصيب الدولار الأمريكي في محافظ استثمار المستثمرين الصينيين الذين زاد اهتمامهم بالأسواق الأخرى”.

 وأضافت تاو في مقابلة مع وكالة بلومبرغ للأنباء أن السندات الأوروبية عالية التصنيف الائتماني والسندات الحكومية اليابانية والذهب قد تكون خيارات محتملة بديلة لسندات الخزانة الأمريكية بالنسبة للعملاء دويتشه بنك الصينيين في الأسواق الخارجية، مشيرة إلى تضرر الأصول المقومة بالدولار بشدة في الأسابيع الأخيرة، مع تزايد الشكوك حول وضعها كملاذ آمن في أعقاب الهجوم الشامل الذي شنه ترامب على التجارة العالمية وقراره فرض رسوم شاملة على الواردات الأمريكية قبل أن يعلقها جزئيا لمدة 90 يوما.

في الوقت نفسه أصبحت الصين وهي ثاني أكبر مستحوذ خارجي على سندات الخزانة الأمريكية في بؤرة اهتمام المحللين والمتعاملين في أسواق السندات خلال الأسابيع الأخيرة، حيث يتناقش المحللون حول دور الصين في الفوضى التي ضربت سوق السندات الأمريكية مؤخرا.  ورفض وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت في وقت سابق من الأسبوع الحالي التهكن بأن هناك حكومات أجنبية باعت سندات خزانة أمريكية لديها.

ويعتقد العديد من عملاء دويتشه بنك الصينيين أن مستوى العائد في سوق سندات الخزانة الأمريكية حاليا جذاب جدا بعد ارتفاعه نتيجة موجة البيع الكثيف للسندات مؤخرا، بحسب تاو، مضيفة أن هؤلاء العملاء حذرون جدا بشأن السوق في ظل تزايد صعوبة التنبؤ بالسياسات الاقتصادية والتجارية لإدارة الرئيس ترامب.

وقالت تاو إنه في ظل تزايد التقلبات الشديدة “بدأ عدد متزايد من العملاء الصينيين النظر إلى السندات الألمانية، أو أسواق إسبانيا، أو إيطاليا، التي لم يعيروها اهتماما كبيرا من قبل”.

وتحسنت النظرة المستقبلية للأسواق الأوروبية بفضل موافقة ألمانيا على حزمة إنفاق تاريخية، وإمكانية إجراء البنك المركزي الأوروبي المزيد من تخفيضات أسعار الفائدة.

وأضافت تاو: “بالنظر إلى العوامل الاقتصادية الكلية، حان الوقت لإعادة النظر في استثمارات المستثمرين الصينيين في الدول الأكثر قابلية للاستثمار”.

 تأثير الرسوم الجمركية الأمريكية على القلب الصناعي للصين

على صعيد متصل يؤكّد العاملون في مصانع صينية أنهم يلمسون الآثار الأولى للرسوم الجمركية الطائلة التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على المنتجات المصنوعة في الصين، مع تسجيل الطلبيات تراجعا حادا قد يرغمهم على التخلي عن السوق الأميركية.

وتشتدّ وطأة هذه الزيادات الجمركية خصوصا في إقليم غوانغدونغ (جنوب الصين) القلب الصناعي للعملاق الآسيوي حيث تصنّع المنتجات على أنواعها، من الملابس إلى الأجهزة الإلكترونية، في آلاف المصانع التي تلبّي طلبيات الاستهلاك اللامتناهية في العالم من خلال الإنتاج بأسعار بخسة لا تنافس.

ومنذ عقود يؤدّي هذا الإقليم دور المحرّك في تنامي القوّة الاقتصادية للصين.

غير أن معركة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإنعاش القطاع الصناعي في الولايات المتحدة وحربه التجارية على بكين قد تقلبان المعادلة.

يخبر شياو جونيي الذي يملك مصنع نسيج في كانتون عاصمة غوانغدونغ وكالة فرانس برس أن السوق الأميركية تشكّل 20 إلى 30 % من الطلبيات التي يتلّقاها.

ويقرّ صاحب المصنع الشاب البالغ 24 عاما بأن “للزيادات الجمركية تداعيات علينا”، مشيرا إلى “الانخفاض الشديد في المبيعات والطلبيات”.

وهو يبيع جزءا من بضائع مصنعه إلى الأمريكيين عبر موقع “تيمو” الإلكتروني للسلع المنخفضة الكلفة التابع للعملاق الصيني “بي دي دي هولدينغز”.

وإثر التعريفات الجمركية الأميركية الجديدة التي تبلغ 145 % بالنسبة إلى معظم المنتجات وقد تصل إلى 245 % في بعض الأحيان، نشرت “تيمو” مذكّرة جاء فيها أنها ستخفّض استثماراتها الترويجية في الولايات المتحدة، على حدّ قول شياو جونيي.

منافسة لا نهاية لها

وبات الشاب يبحث عن بدائل غير الولايات المتحدة، باعتبار أنه “يمكننا المتاجرة مع العالم أجمع” لكنه يدرك جيّدا أنه من الصعب للغاية أن تحلّ بلدان أخرى محلّ الولايات المتحدة بالكامل.

ويقول “تبقى الولايات المتحدة بلدا متقدّما كبيرا مع طلبيات أكبر بكثير” من البلدان الأخرى.

وعلى مقربة من مصنع شياو جونيي، يقام معرض كانتون، وهو حدث تجاري كبير ينظّم مرّتين في السنة.

ويتيح هذا المعرض التجاري للشراة من العالم أجمع التعرّف شخصيا على المصنّعين الصينيين ومعاينة بضائعهم عن قرب وإقامة سلاسل إمداد جديدة.

لكن الزبائن الأمريكيين قلائل جدّا هذه السنة.

وهؤلاء الحاضرون رفضوا الردّ على أسئلة وكالة فرانس برس عندما سُئلوا عن المنتجات التي تهمّهم وعما إذا كانت الحرب التجارية تعقّد أعمالهم.

ومن بين الشركات الصينية المشاركة في المعرض “ووزن لايتينغ تكنولوجي” التي تطوّر حلول إنارة بتقنية الليد (الثنائي الباعاث للضوء) وتزوّد خصوصا عملاق التجارة الإلكترونية “أمازون” منتجاتها.

وتقول أندي لين المسؤولة عن التنمية التجارية في أحد مصانع الشركة في زونغشان قرب كانتون “هو فصل جديد من فصول الحرب التجارية”.

وتعرب عن أسفها لأن “رسوما جمركية تضاف إلى رسوم جمركية في منافسة لا نهاية لها”.

وترى لين أن “هذا الوضع لا يمكن أن يدوم لأن تداعياته ملموسة على كلّ البلدان. وهي ستؤثّر خصوصا على الحياة اليومية للأميركيين”.

 زبائن جدد 

وقد يؤثّر تباطؤ الصادرات إلى الولايات المتحدة أيضا على القطاع الصناعي في البلاد حيث تساهم “ووزن” في توظيف مئات الأشخاص.

وفي المصانع التي زارتها وكالة فرانس برس هذا الأسبوع في غوانغدونغ، كان النشاط في أوجه مع عمّال منكبّين على سلاسل الإنتاج وسط هدير الأحزمة المتحرّكة.

وأقرّ مصنّعون بأن اشتداد الحرب التجارية ارتدّ سلبا على نشاطاتهم، لكنهم يأملون بالتعاون مع زبائن جدد خارج الولايات المتحدة.

ومن شأن الزيادات الجمركية التي أقرّها دونالد ترامب أن تؤثّر على المستهلكين في الولايات المتحدة من خلال زيادة التضخّم، على ما حذّر هذا الأسبوع رئيس الاحتياطي الفدرالي الأمريكي جيروم باول.

أما الرسوم الجمركية على المنتجات الأمريكية في الصين، فلن يكون لها أثر ملموس على حياة الصينيين، بحسب أندي لين.

وهي تخبر أنها لا تستعمل منتجات أمريكية كثيرة وتشتري من منصات صينية للتجارة الإلكترونية تتعامل بدورها مع مصنعين محليين.

وتلفت أندي لين إلى أنه “من الممكن تصنيع كلّ هذه السلع في الصين في نهاية المطاف”، مشيرة إلى أن “التداعيات ستكون محدودة جدّا إلا في حال السعي إلى اقتناء منتجات محدّدة”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب