تصاعد تجريم التضامن مع فلسطين وإدارة ترامب لم تحاول فعليا التوسط لوقف إطلاق النار في غزة

تصاعد تجريم التضامن مع فلسطين وإدارة ترامب لم تحاول فعليا التوسط لوقف إطلاق النار في غزة
رائد صالحة
واشنطن ـ :خلص العديد من المحللين الأمريكيين إلى أن الرئيس دونالد ترامب قد أهدر في غضون شهرين فقط، أفضل فرصة لإنهاء الحرب على قطاع غزة منذ اندلاعها في أكتوبر2023. ففي ظل اتفاق وقف إطلاق النار الذي أُبرم في 15 كانون الثاني/يناير خلال عهد إدارة الرئيس السابق جو بايدن، تم إطلاق سراح 33 محتجزًا إسرائيليًا، مقابل الإفراج عن نحو 2000 أسير فلسطيني، إلى جانب إدخال بعض المساعدات الإنسانية إلى القطاع. كما سُمح لنحو نصف مليون لاجئ فلسطيني بالعودة إلى شمال غزة عقب انسحاب الجيش الإسرائيلي من المعابر الحيوية.
لكن بعد انهيار الاتفاق في 18 آذار/مارس، استأنف الجيش الإسرائيلي هجماته، ما أدى إلى استشهاد أكثر من 200 فلسطيني وفرض حصار خانق على دخول المساعدات. في ذات الوقت، تصاعدت التوترات مع استهداف الحوثيين في اليمن لمواقع إسرائيلية وأمريكية.
ووفقًا للمحللين، فإن الحرب المستأنفة لم تُفضِ إلى إطلاق سراح أي محتجزين إضافيين، بل زادت من مخاطر تعرضهم للأذى. كما أعاد الجيش الإسرائيلي احتلال مواقعه السابقة داخل غزة، ووسع «المنطقة العازلة» إلى عمق يتراوح بين 2 و5 كيلومترات، لتصبح القوات الإسرائيلية مسيطرة فعليًا على أكثر من نصف مساحة القطاع حسب التقديرات الأخيرة.
يرى مراقبون أن إدارة ترامب تتحمّل مسؤولية فشل تمديد اتفاق 15 كانون الثاني/يناير، إذ لم تحرز أي تقدم يُذكر في تنفيذ المرحلة الثانية، والتي كانت تهدف لتحويل التهدئة المؤقتة إلى وقف دائم لإطلاق النار.
ومن غير الواضح ما إذا كانت إدارة ترامب قد بادرت فعلًا إلى التوسط في اتفاق جديد. فوفقًا لبنود الاتفاق الأصلي، كان يُفترض انطلاق مفاوضات المرحلة الثانية في اليوم السادس عشر، والانتهاء منها خلال خمسة أسابيع. لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو امتنع عن تكليف فريق تفاوضي لمعالجة القضايا الجوهرية، مثل الانسحاب من غزة، والتعامل مع حماس، وترتيبات الحكم ما بعد الحرب. ورغم ذلك، لم تمارس واشنطن أي ضغوط على إسرائيل. بل ركّز المبعوث الأمريكي ستيفن ويتكوف على تمديد المرحلة الأولى إلى 50 يومًا، عبر تبادل المزيد من الرهائن والأسرى، من دون التطرق الجدي للمرحلة الثانية. أما المقترح الوحيد الصادر عن الرئيس ترامب فكان تحويل غزة إلى «وجهة سياحية» وترحيل الفلسطينيين في خطة وُصفت بأنها غير واقعية، بل وقد ترقى إلى مستوى جريمة حرب.
في خضم هذا التلكؤ، تخلّت إدارة ترامب عن دورها كضامن للاتفاق، والتزمت الصمت حيال تعنّت إسرائيل، بل أيّدت انسحابها غير المبرر من الاتفاق، وأبدت غضبها فقط حين سلّمت حماس جثة رهينة خاطئة.
ما يثير الاستغراب أن ترامب، في وقت سابق، كان يدرك أهمية الضغط على الجانبين لإنجاح الاتفاق. إذ هدد حماس علنًا، وضغط سرًا على نتنياهو لقبول مقترح بايدن. لكن عند تنفيذ الاتفاق، تراجعت الإدارة عن هذا النهج. وحتى خلال لقائه بنتنياهو في 7 نيسان/ابريل، بدا تصريح ترامب بأن «نتنياهو يعمل بجد في ملف الرهائن» منفصلًا عن الواقع، خاصة مع تراجع ثقة 70 في المئة من الإسرائيليين بحكومتهم.
فرصة ضائعة للسلام
إذا لم تُغيّر إدارة ترامب مسارها، فإن الأوضاع تتجه نحو مزيد من التصعيد وسقوط الضحايا، مع تراجع واضح لدور الولايات المتحدة كوسيط فاعل. ورغم أن ضمان وقف إطلاق النار لم يكن مؤكدًا، فإن ترامب امتلك أدوات ضغط كان يمكنها إنقاذ الاتفاق، لكنه لم يستخدمها، ما أدى إلى تفويت فرصة ثمينة لإحلال السلام، وفقاً للعديد من المحليين الأمريكيين.
قمع الأصوات في الجامعات الأمريكية
وفي سياق متصل، أثار اعتقال الناشط الفلسطيني محسن مهداوي، طالب الدراسات العليا في جامعة كولومبيا، موجة غضب عارمة في الأوساط الأكاديمية والحقوقية، وسط اتهامات للإدارة الأمريكية بتبنّي خطاب مزدوج يبرر قمع الأصوات المناصرة لفلسطين.
ووفقًا لتقرير نشرته «نيويورك تايمز»، استندت وزارة الخارجية الأمريكية إلى مذكرة صادرة عن الوزير ماركو روبيو، تزعم أن نشاط مهداوي وزملائه ضد الحرب على غزة «يقوّض الجهود السلمية الأمريكية»، ويعزز «المشاعر المعادية للسامية في الشرق الأوسط».
لكن مراقبين وصفوا هذه المبررات بأنها متناقضة ومضللة، وتُستخدم لتبرير تقييد حرية التعبير وملاحقة النشطاء المؤيدين للقضية الفلسطينية. وحسب مصادر حقوقية، استند مسؤولو الهجرة إلى المذكرة لاعتقال مهداوي يوم الإثنين، في خطوة وُصفت بأنها «تصعيد خطير في إطار سياسة استثناء فلسطين»، حيث تُوظف أدوات قانونية وإدارية لإسكات كل من يندد بالانتهاكات الإسرائيلية.
وتشير الوثائق الرسمية إلى أن ترحيل مهداوي يستند إلى أمر تنفيذي وقّعه ترامب تحت شعار «مكافحة معاداة السامية»، لكن نقّاد هذه السياسة يرون أنها تُستخدم بشكل انتقائي لمعاقبة الأصوات المنتقدة لإسرائيل، بدلًا من مواجهة التهديد الحقيقي للكراهية.
وأشار حقوقيون إلى أن ترحيل مهداوي، الذي يحمل بطاقة الإقامة الدائمة، إلى الضفة الغربية المحتلة، يشكل «حكمًا بالإعدام»، نظرًا لتصاعد التهجير والانتهاكات الإسرائيلية هناك.
ازدواجية في الخطاب
ومزاعم معكوسة
اتهمت منظمات حقوقية إدارة ترامب بالنفاق السياسي في ملف معاداة السامية، مشيرة إلى أن الرئيس ذاته، وحلفاءه مثل إيلون ماسك، «دأبوا على استخدام خطاب يرتبط بالنازية الجديدة»، ونشروا تصريحات معادية لليهود.
وفي السياق ذاته، أكّد نشطاء يهود في أمريكا وخارجها أن السياسات الحالية لا تحمي الجاليات اليهودية، بل تعرضهم للخطر، خاصة أولئك الذين يناصرون الفلسطينيين، كما جاء في مقال للكاتبة شارون تشانغ.
ورأت تقارير متعددة أن الإدارة الأمريكية لا تبدو معنية بحل سلمي للصراع، مستشهدة بدعم ترامب المتكرر للتصعيد الإقليمي، وتورّط واشنطن في ملفات كإيران واليمن. ووصفت خطة ترامب لغزة بأنها «مشروع تطهير عرقي ممنهج»، يعكس دعمًا غير مشروط لتسليح إسرائيل، ما أدى إلى تصاعد غير مسبوق في المجازر والانتهاكات بحق المدنيين الفلسطينيين.
نفي مزاعم معاداة السامية ضد مهداوي
نفى طلاب وأساتذة في جامعة كولومبيا اتهامات معاداة السامية الموجهة ضد مهداوي، مؤكدين أنه عبّر بوضوح عن رفضه لهذه الظاهرة خلال مشاركاته في الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين. ونقل موقع «دروب سايت» عن طلاب يهود قولهم إن مهداوي «سعى دائمًا للحوار مع مؤيدي إسرائيل»، رغم ما عاناه شخصيًا من عنف الاحتلال في الضفة الغربية.
وأضاف التقرير أنه حتى بافتراض أن نشاطه يثير حساسيات، فإن ترحيله إلى منطقة نزاع لا ينسجم مع أي محاولة لـ«الحد من معاداة السامية»، بل يتناقض معها تمامًا.
التضامن مع فلسطين بات جريمة
أصبح التضامن مع الشعب الفلسطيني في الجامعات الأمريكية مهددًا بالتجريم والملاحقة. فخلال الأشهر الثمانية عشر الماضية، لجأت إدارات جامعية إلى قمع الاحتجاجات ضد الإبادة الجماعية التي تنفذها إسرائيل في غزة بدعم أمريكي، عبر منع التظاهرات، وفصل الطلاب، وحظر الجمعيات الفلسطينية واليهودية الناشطة.
وبات من النادر أن تلتزم الجامعات بقيم حرية التعبير التي تزعم الدفاع عنها، إذ أسفر التواطؤ بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، واللوبيات الإسرائيلية واليمين الإنجيلي، عن سنّ قوانين تُعرّف مناهضة الصهيونية على أنها معاداة للسامية.
وتستخدم إدارة ترامب الصلاحيات الممنوحة بموجب «قانون باتريوت» لاختطاف النشطاء الطلابيين الأجانب، واحتجازهم في سجون خاصة، وتهديدهم بالترحيل.
«القدس العربي»