الحرب التجارية مع الولايات المتحدة تتصدر توجهات الحملات الانتخابية الفيدرالية في كندا

الحرب التجارية مع الولايات المتحدة تتصدر توجهات الحملات الانتخابية الفيدرالية في كندا
خالد الحمادي
تصدّرت حرب التعرفة الجمركية مع واشنطن على المناظرة الانتخابية النهائية بين المرشحين وحاول كل مرشح إبراز ما لديه من عناصر قوة في هذه القضية التي أصبحت الهم الأكبر للكنديين.
أوتاوا ـ هيمنت الحرب التجارية حول التعرفة الجمركية مع الولايات المتحدة على الحملات الانتخابية الفيدرالية لمرشحي الأحزاب الرئيسية في كندا، في الانتخابات البرلمانية المبكرة، المقرر إجراؤها يوم غد الاثنين، والتي تعد الأهم في تاريخ كندا، نظرا لحجم التحديات التي تواجه البلد، في ظل التصعيدات التي يلوّح بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بمحاولاته تدمير الاقتصاد الكندي لتسهيل ضم كندا إلى الولايات المتحدة.
وتصدّرت حرب التعرفة الجمركية مع واشنطن على المناظرة الانتخابية النهائية بين المرشحين المنعقدة مساء الخميس الماضي، والتي حاول كل مرشح إبراز ما لديه من عناصر قوة يمكن تقديمها في هذه القضية التي تعد جديدة على الوضع العام للبلاد وأصبحت الهم الأكبر للكنديين، بينما برزت بقية القضايا – رغم أهميتها – كقضايا تقليدية، تطرح في كل انتخابات نيابية فيدرالية أو محلية.
وانحصرت المنافسة الحقيقية في هذه الانتخابات بين مرشحي الحزب الليبرالي الحاكم حاليا وحزب المحافظين المعارض، الذين يتداولون على تشكيل الحكومة بين فترة وأخرى، بينما الحزب الديمقراطي الجديد يأتي في المرتبة الثالثة ولكنه من الأحزاب الصغيرة التي لا يصل مستواها إلى مستوى الفوز بالأغلبية البرلمانية أو الاقتراب منها، ولكن أهميته تكمن في التحالف معه من قبل أحد الحزبين الكبيرين في حال عدم حصول أي منهما على الأغلبية البرلمانية لتشكيل الحكومة. ويأتي في المرتبة الرابعة حزب الكتلة الكيبيكية، ولكنه بدون تأثير سياسي كبير في البلد، لأنه يمثل فقط مقاطعة كيبيك الناطقة باللغة الفرنسية، بينما لا حضور له في بقية المقاطعات والأقاليم البالغ عددها 12 مقاطعة وإقليما. وشهدت المناظرات الانتخابية استعراضا قويا لمكامن القوة وللوعود الانتخابية النوعية للأحزاب الرئيسية، حيث ركّز مرشح الحزب الليبرالي (حزب الوسط) الخبير الاقتصادي الأبرز مارك كارني على قدراته المهنية وخبراته الاقتصادية الطويلة في مواجهة التحديات الراهنة مع الولايات المتحدة، وأنه الأكفأ والأقوى لمجابهة سياسة واشنطن الاقتصادية الراهنة، وابراز كندا كبلد قوي، والذي خاض حملته الانتخابية تحت شعار كندا قوية. وفي مقابل ذلك كان خطاب مرشح حزب المحافظين (حزب يميني) السياسي المخضرم بيير بواليف عاطفيا، يلامس هموم الناخبين اليومية، وفي مقدمتها تقديم الوعود لحل الأزمة الاقتصادية بخلق فرص عمل أكثر وحل أزمة الإسكان وإعادة ضبط عمليات الهجرة واللجوء للبلد. في حين كانت الوعود الانتخابية لمرشح الحزب الديمقراطي الجديد (حزب يساري) جاجميت سينغ عبارة عن خلطة مستوحاة من الوعود الانتخابية للحزبين الرئيسيين مع فارق ضئيل في آلية التنفيذ الهادفة إلى تعزيز حقوق ومكانة الأفراد كحزب يساري.
وكانت استراتيجية بواليف خلال الحملة الانتخابية، وحتى المناظرة الأخيرة الخميس الماضي، هي الربط بين كارني ورئيس الوزراء الليبرالي السابق جاستن ترودو، الذي قدم استقالته مطلع العام الجاري من رئاسة الحكومة ومن رئاسة الحزب، بعد عشر سنوات من زعامة الحزب والحكومة، إثر الانتقادات الحادة له من قبل المعارضة والاستياء الشعبي من سياساته الاقتصادية التي أسفرت عن ارتفاع التضخّم في البلد خلال السنوات الأخيرة منذ فترة جائحة كوفيد، وأشار بواليف إلى منافسه كارني بأنه سيكون نسخة من ترودو وبالتالي لن يقدّم جديدا للبلد، وبالذات أن كارني عمل مستشارا اقتصاديا لترودو خلال جائحة كوفيد-19 وفي نهاية العام الماضي، لكن زعيم ومرشح الحزب الليبرالي كارني دحض تلك الادعاءات بقوله إنه «شخص مختلف بسياسات مختلفة» وأن المرحلة تتطلب رجل اقتصاد وليس رجل سياسة في إشارة إلى بواليف. وقال كارني في المناظرة الأخيرة ساخرا من منافسه «قد يكون فوزك أمرا صعبا يا سيد بواليف، لقد قضيتَ سنوات في الترشح ضد جاستن ترودو وضريبة الكربون دون جدوى ولقد انتهى كلاهما».
مرشح الحزب الليبرالي
ومارك كارني هو خبير اقتصادي كندي بارز، عمل خلال حياته محافظا للبنك المركزي الكندي وأيضا محافظا لبنك إنكلترا خلال الفترة 2013-2020، وساهم في إنقاذ بريطانيا من الأزمة الاقتصادية وكان يعد المهندس لاتفاقية بريكست المتضمنة انسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي الموقعة في كانون الثاني/يناير 2020.
وكان الحزب الليبرالي الكندي أعلن في 10 آذار/مارس الماضي عن انتخاب أعضائه مارك كارني كزعيم جديد للحزب، خلفا لترودو المستقيل، وأصبح كارني بموجب ذلك قائما بأعمال رئيس الوزراء حتى إجراء الانتخابات البرلمانية المقرر انعقادها هذا الأسبوع، واتخذ منذ اليوم الأول لتوليه قيادة الحكومة قرارات اقتصادية غير مسبوقة لمجابهة التعرفة الجمركية الأمريكية بالإضافة إلى إلغاء القوانين الاقتصادية التي اتخذها سلفه ترودو والتي كانت مثار جدل واستخدمتها المعارضة وسيلة للانتقادات المستمرة للسياسات الحكومية للحزب الليبرالي، بالإضافة إلى اتخاذه قرار إجراء انتخابات مبكرة. وأسهمت قرارات كارني الجريئة في إنقاذ سمعة الحزب واستعادة بعض شعبيته ورفعت رصيده في مؤشرات الاستفتاءات الشعبية على رصيد منافسه الحزب المحافظ.
وقال رئيس الحزب الليبرالي الكندي ساشيت ميرها حينذاك إن «مارك كارني وفريقه الليبرالي مستعدون لتقديم خطة قوية من شأنها تنمية اقتصاد بلادنا، والتصدي لدونالد ترامب، وبناء مستقبل أفضل لجميع الكنديين». وأوضح انه «بعد سنوات من اتباع المحافظين نهج دونالد ترامب، الذي وصف كندا بأنها مُحطّمة، فإن بيير بواليف هو الخيار الخاطئ في الوقت الخطأ في حين أن مارك كارني هو وحده من سيدافع عن بلدنا ويحميه».
مرشح حزب المحافظين
يحظى زعيم حزب المحافظين الكندي بيير بواليف، والمنافس الأقوى في هذه الانتخابات لمرشح الحزب الليبرالي، بشعبية كبيرة كسياسي مخضرم وكمتحدث مفوّه، ويبلغ من العمر 45 عاماً. وفي محاولة منه لكسب أصوات الناخبين تبنّى في هذه المنافسة الانتخابية رؤية جديدة لإدارة البلاد بحكومة مصغّرة منخفضة الضرائب في حال فوز حزبه بالأغلبية البرلمانية وتمكنه من الصعود إلى رئاسة الوزراء. وركّز بواليف كثيرا خلال حملته الانتخابية على الاهتمام بالظروف المعيشية التي يعانيها الناخبون وعلى توجهه الاقتصادي الرامي إلى رفع المعاناة عن المواطنين في ظل التضخم المستمر، ومحاولة حل أزمات الإسكان والاقتصاد والهجرة للبلاد، وقال إن «الدولار الذي يُترك في أيدي المستهلكين والمستثمرين أكثر إنتاجية من الدولار الذي ينفقه السياسيون».
وعلى الرغم من شعبية بيير بواليف الكبيرة في أوساط الكنديين القدامى وبالذات في المقاطعات الغربية للبلاد، لعبت سياسات حزبه التقليدية في الحد من الهجرة إلى كندا دورا مهما في إمكانية خسارته لأصوات الناخبين من المهاجرين الجدد، وبالذات أبناء الجالية العربية والمسلمة، بالإضافة إلى الجالية الهندية، نتيجة لسياساته المعلنة وتصريحاته المحاربة للهجرة، وللقضايا الإسلامية.
وكان بوالييف أعلن خلال حملته الانتخابية في 13 الشهر الجاري – في حال صعوده إلى رئاسة الوزراء- عزمه على ترحيل الأجانب الذين يثيرون الكراهية، مؤكدا أن المسيرات التي ينظمها المتظاهرون المسلمون المؤيدون للفلسطينيين في كندا تسهم في زيادة «معاداة السامية» في البلاد.
واتخذت أغلب الجاليات العربية والمسلمة في كندا قرارات بانتخاب مرشحي الحزب الليبرالي وفي مقدمتهم مارك كارني، نظرا لسياسات حزبه المنفتحة على الهجرة وعلى الحقوق والفرص المتساوية لكافة الكنديين بغض النظر عن فترة هجرتهم إلى كندا.
«القدس العربي»:




