فيلم «A Complete Unknown» اقتناص التحول في حياة بوب ديلان الموسيقية

فيلم «A Complete Unknown» اقتناص التحول في حياة بوب ديلان الموسيقية
مروان ياسين الدليمي
بوب ديلان، المولود باسم روبرت ألين زيمرمان في عام 1941، أحد أبرز الموسيقيين والشعراء في القرن العشرين. اشتهر بأغانيه الاحتجاجية مثل»Blowin’ in the Wind» و «The Times They Are A-Changin» التي أصبحت رموزًا لحركات الحقوق المدنية والسلام في الستينيات. وأسلوبه الموسيقي يتميز بمزج الشعر العميق مع الفولك والبلوز والروك، مما جعله رائدًا في تطوير الأغنية الحديثة. حصل على جائزة نوبل في الأدب عام 2016 تقديرًا لمساهماته الأدبية الاستثنائية في كلمات أغانيه. يُعتبر ديلان أيقونة ثقافية أثرت في أجيال من الفنانين وغيّرت مسار الموسيقى الشعبية إلى الأبد. فيلم «A Complete Unknown»من إخراج جيمس مانغولد، إنتاح 2024 يتناول هذا الجانب من شخصية ديلان ودخل سباق الأوسكار لعام 2025 بثمانية ترشيحات، من بينها أفضل فيلم وأفضل مخرج وأفضل ممثل لتيموثي شالاميه، بعد أن حصد إشادات واسعة منذ عرضه في كانون الأول/ديسمبر 2024. الفيلم مستوحى من كتاب «Dylan Goes Electric» لإليجاه والد، يركز على فترة حاسمة في حياة بوب ديلان، أيقونة الموسيقى الأمريكية، منذ وصوله إلى نيويورك في عام 1961 كموسيقي شاب طموح حتى أدائه المثير للجدل في مهرجان نيوبورت الشعبي عام 1965، حيث تحول من الموسيقى الشعبية إلى الغيتار الكهربائي، ما أثار انقسامًا في عالم الموسيقى الشعبية. والفيلم يطمح ليكون تحفة سينمائية تجمع بين السيرة الذاتية والموسيقى. لكن، هل نجح حقًا في التقاط جوهر بوب ديلان، أم أنه بقي مجرد عرض سطحي لأغانيه وأسطورته؟
الرؤية الإخراجية: طموح يصطدم بالتقليدية
المخرج جيمس مانغولد، المعروف بأفلام مثل Walk the Line وFord v Ferrari، يقدم في هذا الفيلم نهجًا مختلفا ومتميزًا قليلاً عن أفلام السير الذاتية التقليدية. فبدلاً من محاولة تغطية حياة ديلان بأكملها، ركز على أربع سنوات محورية، هي الفترة التي تشكلت فيها هويته الفنية. وبهذا الاختيار تجنب الفخ المعتاد للانتقال السريع بين مراحل الحياة، وسمح باستعراض الأداء الموسيقي الحي الذي يُعد أبرز نقاط قوته. والمشاهد التي يغني فيها شالاميه أغاني ديلان الكلاسيكية مثل «Blowin’ in the Wind» و«Like a Rolling Stone» نفذت بجرأة مع تسجيل صوتي حي يضفي طابعًا خامًا ومباشرًا. لكن هذا التركيز على الأداء الموسيقي يأتي على حساب السرد العاطفي. والمخرج مانغولد يبدو أكثر اهتمامًا بعرض موهبة ديلان بدلاً من استكشاف دوافعه الداخلية أو تعقيدات شخصيته المراوغة. من هنا يسجل على الفيلم أنه يفتقر إلى لحظات تأملية تكشف عن الإنسان خلف الفنان الأسطورة، ما يجعله أقرب إلى جلسة موسيقية مطولة منه إلى دراسة شخصية عميقة. والإيقاع غير المتساوٍ – بطيء في البداية ثم متسارع بشكل فوضوي مع اقتراب تحول ديلان بالغيتار الكهربائي – يعكس ترددًا بين تقديم عمل فني تأملي وفيلم تجاري يرضي الجماهير.
شالاميه يتألق
يقدم تيموثي شالاميه أداءً جميلا يجسد ليس فقط صوت ديلان وطريقة عزفه، بل أيضًا غموضه وسخريته المميزة. تحوله من شاب خجول إلى نجم متمرد يرتدي النظارات الشمسية ويقود دراجة نارية يبدو سلسًا ومقنعًا، مدعومًا بجهد واضح في تقليد نبرة ديلان وإيماءاته. أداؤه الحي في الأغاني، الذي أصر عليه بنفسه كما ذكر في تصريحات سابقة، يضفي أصالة نادرة في أفلام السير الذاتية، ما يجعله مرشحًا لجائزة أفضل ممثل مع الفريق المساند من الممثلين. حيث تقدم الممثلة مونيكا باربارو شخصية جوان بايز بأداءً قوي، خاصة في المشاهد التي تُظهر علاقتها المضطربة بديلان. لكن دورها يظل محدودًا، ولا يُمنح مساحة كافية لاستكشاف تأثيرها الحقيقي على حياته. أما إدوارد نورتون، فيقدم حضورًا هادئًا ومتمكنًا والممثلة إيل فانينغ، التي تلعب دور سيلفي روسو، أضفت لمسة عاطفية رقيقة بحضورها.
قوة بصرية وسمعية
التصوير السينمائي لفيدون بابامايكل أعاد إحياء أجواء نيويورك في الستينيات بتفاصيل دقيقة من قاعات القهوة الدخانية إلى خشبة مسرح نيوبورت. واللقطات الطويلة للعروض الموسيقية أبرزت جمالية الفيلم، بينما أضفت الألوان الدافئة إحساسًا بالحنين، وبطبيعة الحال الموسيقى هي قلب الفيلم، مع أداء حي لأغاني ديلان الكلاسيكية التي تُنقل المشاهد إلى تلك الفترة الثورية. واختيار السماح للأغاني بالعزف بشكل كامل بدلاً من تقطيعها يعكس احترامًا لإرث ديلان، لكنه يأتي أحيانًا على حساب الإيقاع السردي. والفيلم يحاول استكشاف موضوعات مثل: التحول الفني، الشهرة، والعلاقات الشخصية، لكنه لا يتعمق بما فيه الكفاية في موضوعة تحول ديلان إلى الغيتار الكهربائي باعتبارها لحظة محورية، لتظل الأسباب النفسية والفكرية وراء هذا القرار غامضة. والعلاقات مع بايز وسيغر وروسو تُلمح إلى التضحيات التي يفرضها الفن، لكنها لا تُستكشف بما يكفي لتترك أثرًا عاطفيًا دائمًا.
تجربة موسيقية أكثر منها سينمائية
الفيلم ممتع بصريًا وسمعيًا، مدعوم بأداء استثنائي من تيموثي شالاميه وبعض اللحظات الموسيقية الرائعة، لكنه يفشل في اختراق الغموض الذي يحيط ببوب ديلان، مكتفيًا بتقديم عرض سطحي لمسيرته بدلاً من تحليل عميق لشخصيته. ترشيحاته للأوسكار مبررة من الناحية الفنية، خاصة لشالاميه وبابامايكل، لكنه لا يصل إلى مستوى الأعمال السينمائية الكبرى التي تترك بصمة عاطفية دائمة. وبالنسبة لمحبي ديلان، قد يكون جلسة استماع ممتعة؛ أما للباحثين عن سيرة ذاتية ثاقبة، فقد يتركهم يتساءلون: من هو بوب ديلان حقًا؟
الفيلم يضع الموسيقى في صميم تجربته السينمائية، حيث يروي قصة السنوات الأولى لبوب ديلان من وصوله إلى نيويورك في 1961 حتى أدائه المثير للجدل في مهرجان نيوبورت الشعبي عام 1965. مع ترشيحه لثماني جوائز أوسكار 2025، بما في ذلك أفضل فيلم وأفضل أغنية أصلية محتملة، تُعد الموسيقى ليس فقط عنصرًا داعمًا، بل العمود الفقري الذي يحمل السرد ويعكس التحول الفني لديلان من موسيقى الفولك الصوتية إلى الروك الكهربائي. الأداء الحي لتيموثي شالاميه، الذي أصر على تسجيل الأغاني مباشرة دون دبلجة، يضفي طابعًا أصيلاً على الفيلم، لكن السؤال يبقى: هل تنجح الموسيقى في التقاط جوهر ديلان ودعم السرد، أم أنها تظل مجرد استعراض لأغانيه الشهيرة؟
الأداء الحي: أصالة أم استعراض؟
أحد أبرز اختيارات المخرج مانغولد، الاعتماد على الأداء الموسيقي الحي بدلاً من التسجيلات المسبقة أو الدبلجة، وهو قرار يعكس التزامًا بإعادة إحياء روح الستينيات وأسلوب ديلان الخام. تيموثي شالاميه، الذي خضع لتدريب مكثف على الغناء والعزف على الغيتار، حسب ما أوضح في اللقاءات التي أجريت معه يؤدي أغاني مثل «Blowin’ in the Wind» و«Mr Tambourine Man»و»Like a Rolling Stone بصوت حي تم تسجيله أثناء التصوير، وهذا النهج يضفي أصالة ملحوظة، حيث يمكن للمشاهد أن يشعر بالطاقة اللحظية التي كانت تحملها عروض ديلان الحية. على سبيل المثال، في مشهد أداء « «The Times They Are A-Changinفي مقهى غرينتش فيليج، صوت شالاميه الخام وإيقاع الغيتار غير المصقول يعكسان بساطة الفولك وروح الاحتجاج في تلك الحقبة. لكن هذه الأصالة تأتي مع تحديات. بينما ينجح شالاميه في تقليد نبرة ديلان المميزة، تلك النغمة الأنفية الممزوجة بالسخرية، فإن أداءه يفتقر أحيانًا إلى العمق العاطفي الذي جعله أيقونة.
ففي أغنية «Masters of War»على سبيل المثال، يظهر صوته قويًا وملتزمًا، لكنه لا يحمل نفس الغضب المكبوت أو التعقيد الذي ميز تسجيلات ديلان الأصلية. هذا قد يكون نتيجة تركيز الفيلم على الاستعراض أكثر من الغوص في الدوافع النفسية وراء هذه الأغاني، ما يجعل الموسيقى تبدو كعرض مسرحي أكثر من كونها تعبيرًا عضويًا عن الشخصية.
الموضوع المركزي للفيلم تحول ديلان إلى الغيتار الكهربائي، وهو الانتقال الذي يُجسد في الموسيقى من خلال ذروة الفيلم في مهرجان نيوبورت. المشهد الذي يؤدي فيه شالاميه « Like a Rolling Stone « مع فرقة كهربائية هو لحظة مفصلية، حيث يتم التقاط رد فعل الجمهور المتباين من الهتاف إلى الاستهجان، بطريقة تعكس الثورة الفنية التي قادها ديلان. الصوت الكهربائي الخام مع الغيتارات المشبعة بالتشويش وإيقاع الطبول المتسارع، يتناقض بشكل حاد مع الأداء الصوتي الهادئ في المشاهد السابقة مثل A Hard Rain’s A-Gonna Fall، مما يُبرز هذا التحول بقوة بصرية وسمعية. مع ذلك الفيلم لا ينجح تمامًا في استكشاف الرمزية أو الدوافع وراء هذا التحول. فالموسيقى تُقدم كنقطة تحول درامية، لكنها تفتقر إلى السياق النفسي أو الفكري الذي يفسر لماذا اختار ديلان هذا المسار. هل كان تمردًا ضد توقعات الجمهور؟ أم تعبيرًا عن تطور شخصي؟ والأغاني تُعزف بمهارة، لكن الفيلم يتوقف عند السطح، مكتفيًا بإثارة الجدل بدون تحليله، ما يجعل الموسيقى تبدو كحدث بصري أكثر من كونه انعكاسًا للصراع الداخلي.