مقالات
تداعيات الانهيار المالي على العلاقة التاريخية المأزومة بين المؤجر والمستأجر في لبنان . بقلم نبيل الزعبي -طليعة لبنان –
بقلم نبيل الزعبي -طليعة لبنان -
تداعيات الانهيار المالي على العلاقة التاريخية المأزومة بين المؤجر والمستأجر في لبنان .
بقلم نبيل الزعبي -طليعة لبنان –
مثيرُّ للتساؤل حقاً ما صدر مؤخراً عن اعضاء في المجلس النيابي ، انهم اقرُّوا قانون الايجارات للعقارات غير السكنية بدون قراءته ! هذا القانون الذي يخضع للطعن به لدى المجلس الدستوري باعتباره مجحفاً بحق المستأجرين ومن شأنه الدفع بهم إلى أقفال مؤسساتهم وتشريد موظفيهم وعمالهم وتلك احدى القضايا الشائكة المرمية في وجه الحكومة الجديدة وليس من السهل تركها بدون حلول عادلة للخروج بتسوية تُرضي طرفي المعادلة في وقتٍ تجد الحكومة نفسها بأمس الحاجة إلى توفير اكبر مساحة من الامن والاستقرار الاجتماعي لتمضي في تنفيذ برنامجها الاصلاحي دون عقبات .
بدورها العقارات السكنيةوما يتعلق بها من خلافات مزمنة يجعلها من اكثر الامور الشائكة على ايِّ متعاطٍ بالشأن العام وهو يُوَاجَه بقضيةٍ قوامها مدعِي ومدّعَى عليه ويجد ان كلاهما مظلومُ ، الواحد اكثر من الآخر وإن بنسبٍ متفاوتة بين هذا وذاك ، لكونها من اكثر قضايا الخلاف المُستَحكم بين المؤجر والمستأجر في لبنان والتي حالت الظروف السياسية والاقتصادية دون ان ترسوَ على حلولٍ نهائية جذرية تنصف الاثنين معاً بعد ان جمعتهما قوارب الفقر وقِلَّة الحيلة في مواجهة ازماتهما المتشابكة والمعقدة ولا تحتاج سوى لقرارٍ تاريخي كبير تُشَمّر فيه الدولة اللبنانية مجتمعةً ، نواباً وحكومةً وقضاء ، لاجتراح حلاً يُنصِفُ الاثنين معاً تتكفّل بتطبيقه وتغطيته مالياً وادارياً بالشكل الذي لا يفتئت على حقوق المؤجر ولا يرمي المستأجر في المصير المجهول .
يزيد في هذه الازمة ويفاقم من تعقيداتها ، ان ما طرأ عليها من تراكمات خلال السنوات الست الماضية يضاهي كل ما اكتنفها من تأزُّم منذ العام ١٩٧٥ واتخذت لها اتجاهين اثنين من المشاكل القانونية بين المؤجر والمستأجر يجمع بينهما :
– اولاً ، عدم تطبيق القانون المُتّخذ في العام ٢٠١٤ لتنظيم العلاقة بين الطرفين حول عقود الايجارات القديمة دون ان اية نتيجة حتى الآن ،
-ثانياً ؛التدني الهائل في القيمة التأجيرية للعقود الجديدة بعد الانهيار المالي والاقتصادي المتتابع الذي يعيشه اللبنانيون منذ اواخر العام ٢٠١٩ بعد ان كان الدفع على اساس سعر الصرف الرسمي السابق المحدد ب ١٥٠٧ ليرات لبنانية للدولار الواحد ، ليقفز الى ما يقارب التسعين الف ليرة ، هذا ، للوقوف على مدى الفجوة المالية الهائلة التي تتحكم في طريقة تسديد الايجارات ، حتى بعد رفع سعر الدولار من قبل مصرف لبنان الى الخمسة عشر الف ليرة للدولار الواحد .
من هنا ، فإن ما كان يُعَدُّ غِبناً وظِلماً بحق المستأجر الذي لطالما طالبنا بسن القوانين التي لا تُفقِدَه “السقف “الذي يستره وعياله بالشكل الذي لا يكون على حساب المؤجر وتدخل الدولة للمواءمة بين مصلحة الطرفين معاً ،
فإن اشدّ ما يدفعنا اليوم الى رفع الصوت عالياً كي تتدخل الدولة لتنصف المؤجر القديم الذي يجد نفسه في حالٍ لا تقلُّ سؤاً عن حال المستأجر القديم ايضاً وقد عصفت الازمات بالطرفين وبات عليهما ان لا يبقيا على طرف نقيض فيما بينهما ، حيث ان ما يجمعهما من ازمة مشتركة اكبر مما يفرّق او يُعمّق الهُوّة ويوسعها حيث انه من غير الإنصاف توزيع الاتهامات ب”احتلال”هذا البيت وذاك ،في ظل عدم وجود خطة إسكانيّة تقي شيخوخة من التزم بالقوانين على مدى العقود من السنين وبقي محافظاً على العقار المُستأجر سواء من الاحتلال او لناحية الصيانة له .
إلى ذلك ، وباستثناء الحالات الشاذة، لمستأجرين يعيشون بحبوحة واسعة من العيش وأوضاعاً اقتصادية متمكنة، ومع ذلك، يتشبثون في عدم إخلاء شققهم ذات الإيجارات الزهيدة، لأصحابها، من منطلق جشع وطمع مما يأملون في تحصيله من بدلات إخلاء، فإن هذه وقائع حية لا يمكن إنكار وجودها وكان على المشترع أن يلحظ معالجتها بشكل منفصل عن حالات المستأجرين الآخرين، وجلٌُّهم، فقراء أو محدودي الدخل، ولا يوجد لديهم أي ملاذ سكني آخر سوى بيوتهم المستأجرة، ومداخيلهم تكاد لا تكفي ما يحتاجونه من طعام وحسب ، يقابلهم مؤسسات تعمل وتربح ولا تتعامل مع المؤجر سوى بالدفع وفق السعر القديم للدولار بذريعة ان القانون يسمح لها بذلك ،
فإن من الخطأ الجسيم ان يجد فيه المؤجرون والمستأجرون القدامى انفسهم في جبهات متعارضة ، كلُّ يتهم الآخر ويحمّله ما لا قدرة البتة على تحمله من اسباب ترجع كلها إلى الدولة بحكوماتها ومجالسها النيابية المتعاقبة وكلهم يتفرّجون ، وان تحركوا واصدروا القوانين ، فإنهم يتركونها للإهمال وبدون اية آلية للتطبيق ليتوسع الشرخ وتتعمق الهوّة بين طرفي المُدَّعِي والمُدَّعَى عليه ، في حين ان كلاهما في خانة الضحية امام سلطة فاشلة فاسدة اسمها منظومة الفساد اللبناني .