مع الأخ أبومازن والاختلاف

مع الأخ أبومازن والاختلاف
بكر أبوبكر
كتبتُ عديد المقالات متفقًا مع مواقف أو آراء عدة من مواقف الأخ أبومازن، كما فعلت قبله مع الأخ أبوعمار، وغيرهما من قيادات الحركة الوطنية الفلسطينية.
وكتبت رافضًا عديد مواقفه السياسية أوالتنظيمية، أوتحدثت بها بوضوح أكثر في الجلسات الداخلية وبالاسم وبتفصيل أكثر، فلم أتلقى من الاثنين أي ردة فعل سلبية لا شتمًا ولا تنبيهًا ولاعداوة ولا حقدًا. والى ذلك ألّفت في إطار الحركة أكثر من 30 كتابًا، وآلاف المقالات والدراسات والاوراق، ولقيت النقد الكثير لبعضها من أخوة بالقيادة نعم، وهذا حقهم، ولكن دون عداوة أو بغضاء أو ردة فعل تحقيرية للرأي، أو (عقابية) مرذولة إن شئت تسميتها، رغم أنها حصلت مع آخرين وهو خطأ كبير.
وفي السياق دعوني أعرض عددًا من المواقف للنظر، وفي الجعبة الكثير
1-مع الأخ أبومازن وفي ندوة خاصة من 4 أو 3 سنوات تقريبًا تحدث بما يزيد عن 3 ساعات فعليًا وأطال وأجاد في مساحة الحديث الفكري والتاريخي والثقافي خاصة عن بدايات القضية الفلسطينية والصهيونية منذ القرن 16 فصاعدًا، ولاحظت أنني وعدد قليل للأسف هم مَن كانوا يسجّلون ويدوّنون الملاحظات! وعلى كلّ بعد أن أنهى حديثه التاريخي انتقل للكلام عن بداية المقاومة الفلسطينية عام 1965 وأخطأ في مساحة محددة مقلّلًا من دور أحد الأخوة المؤسيين فارتبكت وانفعلت لأنني شاركت مع الأخ أبوالطيب محمود الناطور بوضع كتاب معرفي وسِفر كبير بأكثر من ألف صفحة عن تاريخ الحركة بما أصّلنا وبما وثقناه، ويخالف رواية أبومازن.
أتم أبومازن كلامه وذهب للاستراحة ثم عاد بعد فترة فجلس على كرسيه، فما كان مني الا أن أوقفته قبل الاستكمال لحديثه وواجهته بالنقطة المخالِفة-الخطأ- مستندًا للمرجعية الواضحة، هو جالس وأنا واقفٌ بجانبه، فما كان منه الا أن استمع -رغم المعروف عنه أو الشائع أنه لا يستمع أو أنه قليل الصبر- ونظر لي بعين الرضا وقال: لقد فهمتُ، شكرا.
2-في أحدى جلسات المجلس الثوري لحركة فتح الذي كنت عضوًا فيه وعندما جاء دوري بالكلام أعطاني رئيس المجلس آنذاك الاخ أمين مقبول دفّة الحديث فقمت من مقعدي متجهًا الى جوار المنصة التي يجلس عليها الأخ الرئيس أبومازن وأمين مقبول أمين سر المجلس، والأخوين صبري صيدم وفهمي الزعارير من أمانة السر، لأتحدث وكان الامر في مواجهة قرار صدر عن الرئاسة عارضته وعدد من زملائي في المجلس بقوة ولما كان الأمر لا يُعجب الرئيس وللتعبير عن الرفض أوردت مثالًا ذو صلة بالموضوع وأتبعته بالآية الكريمة: “يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ-26 سورة ص” ولتوضيح الآية-ما لم أقله بالمداخلة وإنما أوضّحه هنا، وفهمها أبومازن- ونقلًا عن ابن عباس في تفسير القرآن” فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله قال: إن ارتفع لك الخصمان فكان لك في أحدهما هوى، فلا تشتَهِ في نفسك الحق له ليفلج على صاحبه، فإن فعلت محوت اسمك من نبوتي، ثم لا تكون خليفتي ولا أهل كرامتي. فدلّ هذا على بيان وجوب الحكم بالحق، وألا يميل إلى أحد الخصمين لقرابة أو رجاء نفع، أو سبب يقتضي الميل من صحبة أوصداقة، أو غيرهما”. أتممت الآية ونظرت في وجه أبومازن فإذ به يبادلني النظرة ويبتسم ابتسامة خفيفة فهمتها أن الأمر قد فُهِم. وهو أيضًا ما أشار لي به لاحٌقا أحد الأخوة في مكتبه.
3-كان الأخ المفكر والمؤرخ فاضل الربيعي (رحمه الله) قد أصدر العام2008 كتابه الشهير فلسطين المتخيلة أرض التوراة في اليمن القديم وكتب أخرى وقد طلب مني إعلام الأخ أبومازن بكتبه الهامة هذه لاسيما وأن دراسات وكُتُب أبومازن الأولى كانت عن اليهودية والصهيونية فطلبت اللقاء المنفرد معه وهذا ماكان وبحضور الاخوين صائب عريقات وماجد فرج. حَوْصلت كلامي المتسلسل في نقاط 5 أساسية عن فكرة الربيعي فسمِع باهتمام وعندما توقفت عند خمس دقائق تمامًا لعلمي أنه يُحب الاختصار. قال: أكمل وبلا حدود! فأكملت الساعة وهو يستمع بأناة واهتمام شديد مبديًا اعجابه بما سمع وبالحديث. ثم ما كان من أن تصورنا معًا مع الكتابين.
وللحقيقة فإن مثل هذه اللقاءات الثنائية لم تستمر! وكنت قد توجّست من ذلك حينما قال باللقاء ألا يوجد مَن يفهم مثلك؟ فأُغلق الباب طويلًا من الحاشية كما هو الواقع.
4-في خضم الخلاف بين الأخ ياسر عرفات وبين أبومازن بقضية رئاسة الوزارة التي تسلمها الاخ محمود عباس كتبت مقالًا أتعرض فيه لأسلوب القيادة والإدارة المختلف بين الرجلين، لا سيما بعد أن التقينا معه ككادر في محاولة للتوفيق، وفي الختام كما هو المتوقع انتصرت لأسلوب أبوعمار الذي اعتدناهُ ما بين شدّ ورخي وإمساك وجذب ولطف ومحبة واتساع مساحة الرأي، وحسبما علمت أن المقال قد وصله ولم يعجبه كما فهمت، إلا أنه لم يكن له التأثير السلبي فيما تلاهُ.
5-في المؤتمر السادس للحركة في بيت لحم لم يعجبني تقصير اللجنة المركزية حيث لم يتم تقديم اللجنة ولو قصاصة ورقة تعبّر عن تقريرها (أنظر عدد السنوات ما بين المؤتمر الخامس عام 1989م الى السادس عام 2009م)! فوقت صارخًا في منتصف المؤتمر ورافضًا أن يتم الانتقال للموضوع اللاحق فما كان من الأخ عزام الاحمد الا أن تقدم ليمنعني من الاستمرار بالجلبة بأوامر أبومازن وهذا ماكان، الا أنه بعد دقائق تم السماح لي ولأخ آخر كان قد صرخ بشان آخر طالبًا الحديث.
6- كتبتُ مقالاً انتقاديًا وبشكل قصصي تحت عنوان: لماذا لا أحبُ السلطان ولا مُنخل الرئيس؟ فاستنفرت بعض الدوائر التزلّفية التي تصوّر للقائد ما يحب أن يسمعه فقط، دون أن تقرع أذنه بالوقائع أو الحقيقة وهي التي تفيض حصريًا بكلمات المديح والتزلف، وعلمت أن المقال وصل الرئيس، وكنتُ متحفزًا للرّد حين السؤال حيث من المفترض برأيي أن النقد الهاديء والرزين للمواقف (وليس لذات الأشخاص)، وخاصة مع عدم ذكر الاسماء يقوّي ولا يُضعِف، واتصل حينها الاخ توفيق الطيراوي عضو اللجنة المركزية للحركة معلنًا تضامنه معي حال حصول أي أمر، ولكن لم يحصل ذلك فكتبت بحرّيتي التي فيها لم يستطِع أحد أن يغلق فمي لا داخل الحركة ولا خارجها وكما هو الحال قبل ذلك حينما كتبتُ ضد كل أوامر الفصل لعدد من قيادات وكوادر الحركة لأنها كلها كانت مخالفة للنظام الداخلي.
7- في خضم المؤتمر السابع لحركة فتح عام 2016 في مقر المقاطعة في رام الله تحدثت مع الاخ أبومازن وهو على المنصة بموضوع أن يكون الأخوة أبواللطف وأبوماهر وأبو الأديب وهم من المؤسسين أعضاء مؤسسين دائمين يتم اقرارهم من المؤتمر كأعضاء لجنة مركزية مؤسسين، بلا انتخابات.
فقال: لا. وتجادلتُ معه وهو على المنصة ثم قمت بالالتفاف خلفه. ولم يفد النقاش حيث أشار بيده أن سنناقش لاحقًا.
وبعد انتهاء الجلسة استدعاني مرافقيه الى غرفة جانبية كان يجلس فيها، فدخلت وسلّمت وجلست حيث كان من الحضور الأخ ماجد فرج وأخرون، فتحدثت مطولًا عن الأخوة الثلاثة.
وكان رأيه أنه لا يستطيع منعهم من الترشح المباشر، لكنه في ختام اللقاء طلب مني الاتصال بهم، أي أنه وافق على المقترح ولكن بعد أخذ موافقتهم. فقمت بالاتصال وأعلمته بموافقتهم على ذلك.
عاد الرئيس أبومازن بعد الاستراحة الى المنصة للجلسة اللاحقة، وأشار لي من البعيد بالموافقة على المقترح، وصعد المنصة وأعلن أن الأخوة الثلاثة أعضاء دائمين مدى الحياة في اللجنة المركزية وبلا انتخابات.
والنقطة هنا التي وددت الإشارة لها أيضًا أن أحد الأخوة انتقدني لماذا أناديه بصفة “أخ” في ذاك اللقاء وغيره، فتعجبت من نقده! متسائلًا: وما كانت الصيغة المطلوبة؟
فقال: عليك مناداته “سيادة الرئيس”.
فابتسمت بوجهه وذكرت له-وهو الطاريء على الحركة، رغم أنه وزير- أن صفة “الأخ” الحركية الثورية الفتحوية هي مفتاح الخطاب في حركة فتح وهو ما تعاملنا به مع الراحل الخالد ياسر عرفات وكل زملائه الكبار هذا أولًا، عوضًا عن أن الاخ أبومازن ذاته لم يعترض ولم ينكمش في اللقاء عندما خاطبته كأخ مطلقًا فما بالك أنت!؟
كتبتُ هذه المواقف في معرض الرّد على بعض الأصدقاء الذين حاولوا المقارنة بين عدد من الأنظمة العربية، والوضع أو “النظام السياسي” في فلسطين، (تحت الاحتلال) من زاوية حرية القول والنشر والرأي والرأي الآخر أو الديمقراطية (النسبية) حيث أنهم يتباسطون في عرض رأيهم الى حدّ الإسفاف أحيانًا والإسراف مع أوضد القائد فلان أو علان (ينقدونه شخصيًا في ذاته، ولا ينقدون رأيه أو موقفه، حيث أنك قد تختلف مع بعضه اليوم وتختلف مع القسم الآخر من رأيه اليوم أو غدًا) ويحجمون أو يجبُنون عن نقد مثيله أو الأدنى منه في البلد الذي يقيمون فيه، وهي ممارسة معروفة حيث يستعيضون عن اللاديمقراطية وعدم وجود الحرية في البلد الذي يقيمون به أو يحملون جنسيته، ويوجهون سهامهم فقط للأطر الفلسطينية والقيادات الفلسطينية بحق أو بلا حق.