المفاوضات الأمريكية الإيرانية ومستقبل العراق

المفاوضات الأمريكية الإيرانية ومستقبل العراق
أمير المفرجي
يرى العديد من المتتبعين والمهتمين بالمفاوضات الأمريكية الإيرانية، أن فقدان إيران السيطرة على جزء كبير من أماكن نفوذها في العالم العربي، سيضعف بشكل كبير العديد من مصادر القوة في أسلوب التفاوض والمراوغة، في الوقت الذي تسعى إدارة ترامب إلى فرض شروط صارمة لمنع إيران من الاستمرار في فرض أيديولوجيتها العسكرية التوسعية، على الرغم من تجاهل النظام الثيوقراطي للضغوط الإقليمية والدولية، إذا نظرنا بعين الاعتبار إلى طبيعة هيكلية النظام الإيراني، ودور المرشد علي خامنئي، والحرس الثوري، وبعض المؤسسات المرتبطة بهما، في المحافظة على البنية الأساسية والاستراتيجية القومية الفارسية، والعمل على استمرار برنامجها، وإن تم إعلان فشلها في لبنان وسوريا، إذ لم تغير هذا الحسابات الجديدة، سياسة نظام الولي الفقيه الخارجية، لا في دعمها لحلفائها في العراق واليمن، ولا في الرغبة في وقف أنشطتها المزعزعة للأمن في المنطقة.
ونتيجة لهذا الموقف المُتعنت، أدى تصاعد حدة التوتر الأمريكي ـ الإيراني، وازدياد ضغط إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على إيران، إلى احتمال أن يصبح العراق ساحة صراع سياسي وعسكري للخصمين، بالنظر إلى قرب العراق من إيران، ووجود العديد من الميليشيات المسلحة، التي قام بتنظيمها الحرس الثوري الإيراني من جهة، وتأثير الإعلام الرسمي، الذي تسيطر على توجيهه أحزاب إيران خدمة لأجندتها، من خلال الاستمرار في طمس الحقائق على الرأي العام، في ما يتعلق بطبيعة الدور الإيراني والنتائج المحتملة من هذه الحرب، والمخاطر التي قد يتعرض لها العراق، في حالة دخوله في دوامة الصراع العسكري المقبل.
وبقرب الوصول إلى صورة واضحة المعالم، سلبية كانت أم إيجابية للمفاوضات الأمريكية ـ الإيرانية في عُمان، يتصاعد اهتمام الشارع العراقي لتداعيات تطور سياسة لي الأذرع بين إدارة الرئيس الأمريكي ونظام الولي الفقيه، نتيجة إرسال الولايات المتحدة للمزيد من التعزيزات العسكرية إلى منطقة الشرق الأوسط، حيث ترجمت عملية تعزيز القوة العسكرية الأمريكية والأوروبية في مياه الخليج العربي، عن تطور واضح في الاستراتيجية الغربية، يضمن لحلفاء إسرائيل في الولايات المتحدة وأوروبا الدفاع عن مصالح الغرب العليا، ردا على ما وصفته الإدارة الأمريكية بالخطر النووي، ناهيك من تهديدات وكلاء إيران في العراق.
على الرغم من تشاطر وتقاسم الغالبية العظمى من الساسة العراقيين الولاء لطهران، أو واشنطن، بيد أن محاولة دفع إيران للخروج من العراق لن يكون بالأمر السهل
لا يختلف الكثير من العراقيين في نظرتهم للواقع السياسي المقبل لبلدهم، على الرغم من تعدد الاحتمالات والتكهنات واختلافها، بتباين الرؤى والثقافات، نتيجة لاختلاف الأهداف وتنوع المصالح وحجم الأضرار، أو المنافع التي ستتركها الأحداث والتداعيات الناتجة عن مفاوضات الملف النووي على سياسة إيران الإقليمية من جهة، وعلى مستقبل النظام السياسي العراقي وعلاقاته بأشقائه العرب من جهة أخرى.
ثمة من يرى أن إصرار زعماء إيران وحرصهم على بقاء العراق في الفلك المذهبي الولائي، على الرغم من التغيرات الأخيرة في المنطقة يمثل أمراً حيوياً في استراتيجية الولي الفقيه، بعد الفشل الواضح في سوريا ولبنان، نظرا لأهمية العامل الجغرافي الذي يربط ويسهل الالتماس المجتمعي والديني بين البلدين، والذي قد يهدد تطوره في المجتمع العراقي، ومن ثم انتقاله من المربع الطائفي إلى مربع الهوية الوطنية، والتأثير في النهاية على نسبة كبيرة من الشارع الإيراني الرافض لسياسة النظام الثيوقراطي. لا شك في أن لتطور طبيعة محادثات الملف النووي بين الولايات المتحدة والنظام الإيراني، ووصوله لهذا المستوى الواضح في معالمه ونتائجه، على مستقبل إيران التوسعي، الأثر الكبير في وضوح رؤية المشهد العراقي، في ما يتعلق بمصير هذا البلد العريق بشعبه وتاريخه وهويته، الذي لم يتأثر ولم يندثر، على الرغم من حجم التأثير المذهبي، الذي فُرض على المجتمع العراقي، مستغلا غياب الدولة، التي أسقطها الأمريكيون وسرقها الإيرانيون وعملاؤهم، من خلال أحزاب وميليشيات ولائية في العراق.
وعلى الرغم من تشاطر وتقاسم الغالبية العظمى من الساسة العراقيين الولاء لطهران، أو واشنطن، بيد ان محاولة دفع إيران للخروج من العراق لن يكون بالأمر السهل، اذا نظرنا بعين الاهتمام أهمية وسعة دائرة نفوذها مع الأحزاب الحاكمة، ودورها في توزيع المناصب والحقائب، من خلال برامج الفساد والجاه مقابل الولاء، التي أثبتت نجاحها في استمرار نفوذ إيران حتى الآن. من هنا أصبح من الواضح، ومن خلال قراءة موضوعية للمشهد السياسي العراقي، التنبؤ بالتداعيات المقبلة للمشهد العراقي، نتيجة التنافس الأمريكي ـ الإيراني، والإشكالية الناتجة من تأثير قوى الضغط الإيرانية داخل مؤسسات الدولة السياسية العراقية، ودور الأحزاب المسلحة كعامل ضغط للمصالح الإيرانية في صراعها مع الولايات المتحدة الأمريكية، وتأثير هذه الإشكالية على النظام العراقي، بعد انحسار مساحة المناورة وضيقها، وانتهاء اللعب على الحبلين في حالة إعلان الولايات المتحدة الحرب على إيران.
إن نجاح إدارة ترامب إخضاع النظام الإيراني للشروط، التي حملها المبعوث الرسمي الأمريكي في مسقط، سيرجح في النهاية كفة الولايات المتحدة الأمريكية في دعم وتنفيذ أهدافها المعلنة من عملية غزو العراق، المتمثلة في السيطرة على هذا البلد نظرا لأهميته الجغرافية واللوجستية في معادلة الصراع الأمريكي ـ الصيني المقبلة، وهذا ما سيضع النظام العراقي أمام خيارين، فإسناد إيران يعني تخلي واشنطن عن دعم النظام العراقي، ومن ثم إسقاطه، أما الوقوف ضدها فيعني إنهاء الدور الإيراني الطائفي وفقدان نفوذه في بلاد الرافدين. إن إنهاء قدرة نظام المرشد النووية والعسكرية، وما خفي في بنود محادثات مسقط، التي تتعلق بالملف النووي وأسلحة الحرس الثوري وتنظيماته في العراق وعالمنا العربي، هو نهاية لمشروع تصدير الثورة التي جاء بها الخميني، وهذا ما قد يمكن قراءته في مبادرة تقارب الشعبين العراقي والسوري الأخيرة، وما توفره من ضمان للخصوصية التاريخية لكل بلد، على الرغم من الاختلاف الواسع في طبيعة النظامين العراقي والسوري، بعيداً عن الأجندات القومية الطامعة والمتسترة بعباءة الدين.
كاتب عراقي