العدو يجدّد طموحاته القديمة: لمعادلة سورية «على ذوقنا»

العدو يجدّد طموحاته القديمة: لمعادلة سورية «على ذوقنا»
مع تكثيف العدو الإسرائيلي رسائله النارية على الساحة السورية بذريعة حماية الدروز، يكون قد انتقل إلى مرحلة جديدة من محاولة إنتاج المعادلة الداخلية في «سوريا الجديدة» بما يلائم مصالحه، ساعياً إلى إفهام من يعنيهم الأمر أنه ممنوع تجاوزه في أيّ ترتيب سياسي لهذه الساحة، تحت طائلة الاستمرار في مسار عدواني متصاعد ذي عناوين متعدّدة.
وإذ لا يشكّل تقسيم سوريا مطلباً إسرائيلياً جديداً؛ إذ سبق وأن كشفت وثائق الكيان ومذكرات عدد من قادته أن فكرة السيطرة على جنوب سوريا وإقامة كانتون درزي هناك بهدف تشكيل منطقة عازلة، طُرحت في العقود الأولى من عمر إسرائيل من دون أن تنتقل إلى مرحلة التنفيذ لأكثر من عامل، فإن إسرائيل تستغلّ المتغيرات السورية والإقليمية الحالية من أجل تحقيق أطماعها الإستراتيجية تلك، والمرتبطة بجذور تاريخية قديمة.
والواقع أنه منذ نهاية حرب حزيران 1967، اقترح أحد قادة حزب «العمل» البارزين آنذاك، ونائب رئيس الحكومة إيغال ألون، بحسب ما أورده في كتابه «جدار الرمل»، الاستفادة من سيطرة إسرائيل على الجولان لإقامة دولة درزية في جنوب سوريا، معتبراً أنه كان يجدر احتلال الجنوب بأكمله، بما فيه جبل الدروز، من دون الاقتراب أكثر من اللزوم من دمشق.
وقبل ألون، اقترحت الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، في شباط 1954، استغلال الأحداث في سوريا في تلك الحقبة من أجل اقتطاع جنوبها؛ لكن نتيجة اختلافات في التقدير داخل منظومة القرار في الكيان وعوامل سورية وأولويات إسرائيلية حاكمة، لم تتحول هذه الأفكار والطروحات إلى خطة عمل (كتاب: المتاهة اللبنانية لرؤوفين أرليخ/ صادر عن دار معرخوت ووزارة الأمن الإسرائيلية).
ورغم عدم سلوك تلك الخيارات طريقها إلى التنفيذ في حينه، بقي التطلّع إليها حاضراً في الفكر السياسي الإسرائيلي، والذي تسكنه دائماً فكرة استثمار الصراعات الداخلية لإثارة القلاقل في الدول العربية وتحقيق أطماع توسعية وتنفيذ مخططات سياسية. ولذلك، توالت اقتراحات ومحاولات في هذا الاتجاه في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات، قبل أن تعود اليوم إلى الواجهة؛ مع فارق متمثل بالعمل الجدي الآن على تحقيقها. إذ تجد إسرائيل في سقوط النظام السابق ونتائج الحرب الأخيرة فرصة للانتقال إلى سياسة عدوانية جديدة في سوريا، مدفوعةٍ بالتحولات في عقيدة الكيان الأمنية بعد «طوفان الأقصى»، والتي تشكّل نقطة الارتكاز في الكثير من السياسات العملياتية التي يتّبعها العدو في لبنان وسوريا.
تسكن الكيان دائماً فكرة استثمار الصراعات الداخلية لإثارة القلاقل في الدول العربية
وفي ضوء ما تقدّم، يسعى العدو، عبر تدخّله المباشر في سوريا تحت شعار «حماية الدروز»، إلى تحقيق جملة أهداف لعلّ أبرزها تعميق الهوة بين الدروز ومحيطهم العربي والإسلامي، وتعزيز علاقتهم بدروز فلسطين المحتلة، والتأسيس لمعادلة إقليمية تتصدّرها إسرائيل بصفتها «حامية للأقليات»، في ما يمثّل طموحاً دائماً ما كان حاضراً في الوعي الصهيوني منذ بدايات تأسيس الكيان، من دون أن يجد طريقه إلى الواقع سوى في محطات كانت نتائجها النهائية الفشل. كذلك، تستهدف إسرائيل، من وراء الشعار المشار إليه، التأسيس لتقسيم سوريا، وتحقيق أطماع توسعية تتّصل بجنوبها، وتكريس الكيان كطرف أساسي في المعادلة السورية الداخلية، بعدما تولّى بنفسه تدمير غالبية قدرات الدولة السورية بهدف منع إعادة نهوضها بغضّ النظر عن هوية الحكم فيها.
ولعلّ ما يحدث في سوريا وغيرها يؤكد حقيقة مهمة، مفادها أن وجود الطموحات والأطماع الإسرائيلية وحده لا يكفي لتحقّقها، بل هي تحتاج إلى توافر الظروف المناسبة التي تُنتج فرصاً للانتقال إلى مرحلة التنفيذ. وهذا ما بدا لإسرائيل واضحاً بعد سقوط النظام السابق، وتغير المعادلات الإقليمية نتيجة للضربات التي تعرض لها محور المقاومة، ما دفعها إلى سلسلة تحركات ميدانية وسياسية في الساحات السورية واللبنانية والفلسطينية، انتقلت بفعلها إلى طور جديد عنوانه البناء على نتائج الحرب لتحقيق مكاسب سياسية وإستراتيجية، وفرض وقائع تمنع إعادة بناء معادلات تهدد الأمن القومي في الكيان. وفي خضم ذلك، تعدّ التغيّرات التي شهدتها الساحة السورية، النقطة المحورية في تلك الديناميات التي لا تزال في ذروة اندفاعها، ومفتوحة على سيناريوات شتّى يصعب من الآن الجزم بمآلاتها.