هل تؤثر انتخابات المجالس المحلية في إنكلترا على العرب والمسلمين والفلسطينيين؟

هل تؤثر انتخابات المجالس المحلية في إنكلترا على العرب والمسلمين والفلسطينيين؟
البروفيسور كامل إسحق الحواش
أحدثت انتخابات المجالس المحلية في 1\5\2025 في إنكلترا زلزالا سياسيا قد يغير نهج الانتخابات في إنكلترا لسنوات عديدة. فالمعتاد هو حصول إما حزب العمال الحاكم أو حزب المحافظين على أغلبية المقاعد وحصول أحزاب الديمقراطيين الأحرار والخضر على عدد أقل بكثير منهما. وكثيرا ما يخسر الحزب الحاكم مقاعد في المجالس المحلية بسبب استياء الناخبين من أداء الحزب في الحكم أي أنه يلقى صفعة من الناخبين ليسدد سياساته وإلا فقد يترجم الناخب هذا السخط الى خسارة في الانتخابات البرلمانية عند حدوثها بعد سنوات من الانتخابات المحلية. ولكن أن يأتي حزب جديد نسبيا ويربح الانتخابات المحلية ورئاسة بلدية إقليمية بل والحصول على مقعد إضافي في البرلمان فهذا غير مسبوق في تاريخ إنكلترا الحديث.
ولكن هذا ما حصل. استطاع حزب الإصلاح (Reform Uk) أن يحتل المركز الأول بحصوله على 677 مقعدا في مجالس الحكم المحلي وأتى في المرتبة الثانية حزب الديمقراطيين الأحرار ب 370 مقعدا وتقدم الحزبان على المحافظين الحاصلين على 319 مقعدا والعمال الحاصلين على 98 مقعدا. خسر المحافظون 674 مقعدا والعمال 187 مقعدا كانوا حاصلين عليها في انتخابات المجالس المحلية السابقة التي أقيمت قبل أربع سنوات.
واستطاع حزب الإصلاح أن يربح مقعدا إضافيا في برلمان ويستمنستر كان شاغرا في منطقة رنكورن وهيلزبي بعد طرد نائب من حزب العمال لاعتدائه على مواطن لقطته الكاميرات. فازت النائبة الجديدة بفارق 6 أصوات عن مرشح حزب العمال مقارنة بالأغلبية التي كان قد حصل عليها النائب السابق ب 14,700 صوت.
وفاز حزب الإصلاح لعمادة منطقتي غريتر لنكنشير وهل وإيست يوركشير. وأصبحت عمدة غريتر لنكنشير عضوة البرلمان السابقة لحزب المحافظين ديم أندريا جينكنز التي تقدمت مرشحة حزب المحافظين للعمادة ب 16في المئة من الأصوات. لكن هل يعتبر هذا الفوز غير المسبوق لحزب الإصلاح تعبيرا عن استياء الناخبين من حزب المحافظين الذي حكم لمدة 14 سنة واعتبروا أن حكمه كان سيئا وحزب العمال الذي لم يكمل سنة بالحكم أو تغيرا جذريا في النظام السياسي الإنكليزي؟
فوز حزب الإصلاح كسر الواقع السياسي السابق في إنكلترا وهو نظام الحزبين. حيث أن العقود السابقة كانت محصلة الانتخابات لمجلس العموم إما نجاح المحافظين أو العمال. وما عدا فترة تحالف بين المحافظين والديمقراطيين الأحرار عام 2010 لم ينجح أي حزب آخر بالفوز بالانتخابات البرلمانية. ولكن النجاح الكبير التي حققه حزب الإصلاح في الانتخابات المحلية في 2025 ينذر بتغيير جذري قد يترجم بنجاح حزب الإصلاح في الانتخابات البرلمانية عام 2029 وأن يصبح نايجيل فاراج قائد الحزب رئيسا للوزراء مشكلا تغييرا غير مسبوق.
أسس حزب الإصلاح عام 2018 أي أنه استطاع الفوز بهذه الانتخابات ضد أحزاب موجودة على الساحة منذ عقود وهذا ليس مسبوقا في إنكلترا. وقد أسسه نايجيل فاراج الشخص الجدلي بعد أن ترك حزب يوكيب وعاد لقيادته عام 2024 تزامنا مع الانتخابت البرلمانية وفاز بمقعد في منطقة كلاكتون. كما فاز أربعة من أعضاء الحزب بمقاعد برلمانية لأول مرة. وأسسه كشركة محدودة يتحكم بها كما يشاء.
أقول إن فاراج جدلي لأن له مواقف يمينية وشعبوية وبالذات تجاه الهجرة وإمكانياته المميزة لمخاطبة اليمينيين من الناخبين واللعب على مخاوفهم وربما عنصريتهم التي مكنته من دفع المملكة المتحدة إلى مغادرة الاتحاد الأوروبي، مع أنه كان نائبا في الاتحاد الأوروبي. وقد دعم فاراج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في فترته الرئاسية الأولى والانتخابات لفترته الثانية ويعتبره صديقا. وهذا يلمح بشكل كبير لسياساته القريبة من ترامب.
هل تضع الجاليتان العربية والمسلمة مسافة بينها وبين حزب الإصلاح الذي تعتبره نسبة عالية حزبا عنصريا أم تفتح قنوات اتصال معه بغرض التأثير إيجابيا على سياساته؟
وبالإضافة لسياساته للحد من الهجرة التي يعتبرها الكثيرون بالمتطرفة فهو ضد سياسات الأحزاب التي تطمح للتعامل مع مشاكل التلوث البيئي أو ما يسمى «نت زيرو» التي تطمح لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري والتحول بشكل أكبر للطاقة المستدامة.
كما أنه يرفض المبادرات المتعلقة بالمساواة والتنوع والشمول. وهنا تتطابق نظرته مع ترامب. وقد تمثل هذا هنا بتصريحات أولية من الأعضاء الجدد لحزبه في المجالس المحلية التي فاز بأغلبيتها حزبه بتحذير الموظفين الحاليين في مجالي البيئة والمساواة والتنوع والشمول بأنه من الأفضل لهم البحث عن عمل في مجال آخر. أي أنهم يعزمون على طردهم مما سيخفف النفقات للمجلس.
وفي تصريح للعمدة الجديدة جينكنز عن موضوع الهجرة طرحت فكرة إيواء اللاجئين في المستقبل في مخيمات لتقليص تكلفة تسكينهم التي يعتبرها العديد من الناخبين حتى من خارج حزب الإصلاح باهظة. حيث يتم إسكانهم حاليا في فنادق تستأجرها الحكومة العمالية وكانت قبلها حكومة المحافظين تفعل الشيء نفسه. وتعتبرها شريحة كبيرة من الشعب أنها تأتي على حساب من يحتاجونها من الناخبين مثل الإسكان والخدمات الأخرى التي يحصل عليها طالبو اللجوء وتضم الصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية.
كما صرح رئيس الحزب رياء يوسف، وهو يعد مهاجرا بأن من أوائل اهتمامات الفائزين من حزبه في المجالس المحلية مراجعة إنفاق كل مجلس لتقليص الإنفاق على ما ليس ضروريا حسب نظرتهم، ولكن ما يعتبرونه غير ضروري يختلف بشكل كبير عن الأحزاب الأخرى.
الاختبار الحقيقي للحزب الذي كان في السابق ينتقد عن بعد هو إمكانيته للحكم الرشيد وترجمة مواقفه الى سياسات تحدث التغيير الذي يطمح له في المجالس التي لديه أغلبية فيها آخذين بعين الاعتبار أنه ليس لدى أعضائه المنتخبين خبرة سابقة بمنصب عضو مجلس. ولكن إن نجحوا فسيحفز ذلك آخرين من الناخبين للتصويت للحزب في انتخابات مستقبلية.
إذا ما يعني كل ذلك للجاليات العربية والإسلامية من ناحية تأثير هذا التغيير وإمكانية وصول حزب الإصلاح للحكم على مستوى البرلمان في المستقبل بل وقد يصبح نايجيل فاراج رئيسا للوزراء عليهم وعلى قضاياهم مثل القضية الفلسطينية؟
كان توجه الجاليات المسلمة والعربية سابقا للتصويت لحزب العمال على أساس أنه الأقرب لهم من حزب المحافظين. بالذات عندما يأتي الأمر لقضاياهم. ولكن العدوان الإسرائيلي على غزة في 2023 وما اعتبروه تواطؤ الحكومات البريطانية المتتابعة مع إسرائيل إن كانت من حزب العمال أو المحافظين دفعت العديد للانسحاب من الحزبين وتصويتهم للديمقراطيين الأحرار أو الخضر أو حتى لمرشحين مستقلين.
وبناء على مواقف حزب الإصلاح تجاه الهجرة وواقع تزايد عدد الراغبين بالقدوم الى بريطانيا من عرب ومسلمين بسبب الأوضاع السيئة في بلادهم الأم فإنهم وغيرهم من الراغبين بالهجرة لن يجدوا ترحيبا من حزب الإصلاح الحاكم مستقبلا. إضافة لوعده بالخروج من المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بزعم أنه سيسهل طرد من وصلوا إلى إنكلترا بما تسمى طرقا غير شرعية، مثلا عن طريق القوارب المطاطية من فرنسا. فيتوعد الحزب بإعادتهم لفرنسا. كما أن رئيس الحزب يوسف صرح بأنه ينظر بطرق قانونية أو بناء على أذون البناء لمنع إسكان اللاجئين في فنادق على نفقة الحكومة المركزية. وذلك كله مصمم لتقليل شعبية بريطانيا لدى من يفكر بالهجرة لأنه متى وصل الى أرضها يحصل على خدمات مجانية يحتج عليها الحزب وشريحة كبيرة من الناخبين وقالوا بأنه لا يحصل عليها ابن البلد مما يدفعه لعدم الترحيب بمن يصل ويستفيد من ذلك.
أما بالنسبة للسياسة الخارجية فلا تعطي زيارة لموقع حزب الإصلاح على الإنترنت شرحا لذلك ولا حتى خصص جزءا لها. قد يبرر الحزب ذلك بأن أولوياته كلها متعلقة بمصلحة المواطنين وما يؤثر على حياتهم بصفة مباشرة. ولكن عدم ذكر السياسة الخارجية ليس من مصلحة الحزب نظرا للصراعات الدولية العديدة وحتى النواحي التجارية القائمة حاليا والقادمة مستقبلا. ومع أن توجه قائد الحزب أدى الى البريكسيت إلا أن الشعب البريطاني يطالب الحكومة الحالية وأي حكومة مستقبلية بتقارب أكثر مع الاتحاد الأوروبي إن لم يكن إعادة الانضمام.
وعندما يأتي الأمر للقضايا المهمة للعرب والمسلمين فعدم وجود سياسة واضحة للتعامل مع قضيتي فلسطين وكشمير على سبيل المثال وهما أولويات للجاليات العربية والمسلمة، وكحزب يميني أكثر من حزب المحافظين يترك أسئلة كثيرة عن حكومة مستقبلية من حزب الإصلاح.
فهل تضع الجاليتان العربية والمسلمة مسافة بينها وبين حزب الإصلاح الذي تعتبره نسبة عالية حزبا عنصريا أم تفتح قنوات اتصال معه بغرض التأثير إيجابيا على سياساته؟
حتى لا نقع بالفخ نفسه الذي وقعت به دول مسلمة وعربية خلال حملة ترامب الأولى بعدم فتح قنوات اتصال معه مما صعب التأثير على سياساته بعد انتخابه، برأيي أنه على الجاليات العربية والمسلمة التفكير الجدي بفتح قنوات تواصل مع حزب الإصلاح وإن كان ذلك يبدو مخالفا لموقفهم البديهي، والعمل على التأثير قدر الإمكان على سياساته، وإلا فسوف يترك ذلك فراغا لمنافسيهم أو أعدائهم لملئه.
كاتب ومحلل سياسي