الإحباط والمخاوف في إسرائيل: هل أسقطها ترامب من حساباته؟

الإحباط والمخاوف في إسرائيل: هل أسقطها ترامب من حساباته؟
رغم الصورة التي حاولت إسرائيل ترسيخها لترامب كـ”الأكثر دعمًا”، القلق يتصاعد في تل أبيب من تراجع موقعها في أولويات البيت الأبيض، وسط صفقات إقليمية ومفاوضات مع إيران تُدار دون تنسيق، وتجاهل لملفات حساسة مثل “تهديد الحوثيين” والانسحاب من سورية.
تسود في أروقة القرار الإسرائيلي مخاوف متزايدة من سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب تجاه المنطقة، في ظل مؤشرات على تراجع مكانة إسرائيل ضمن أولويات إدارته، بحسب ما أشارت صحيفة “يديعوت أحرونوت”، اليوم الخميس.
واعتبرت الصحيفة أن إعلان ترامب وقف الضربات ضد الحوثيين من دون تنسيق مع إسرائيل التي علمت بذلك من التصريحات المتلفزة للرئيس الأميركي، “كان خطوة بعيدة المدى”، يشير إلى أن السياسة الأميركية بالمنطقة قد تتنافر مع المصالح الإسرائيلية.
واعتبرت الصحيفة أن “المفاوضات النووية مع إيران، وصفقات السلاح مع السعودية، والتقارب مع تركيا، وتراجع برنامج التهجير من غزة، كلها مؤشرات على أن ترامب، الذي يؤمن أكثر من أي شيء آخر بمبدأ ’زيادة المكاسب لأميركا‘، قد يترك إسرائيل خلفه”.
وترى الصحيفة أن ترامب ليس جمهوريًا تقليديًا، بل مؤمن بنهج “جعل أميركا عظيمة مجددًا”، حيث تُقاس السياسة الخارجية بمنطق الربح والخسارة الأميركي. وأضافت أن “الزيارة المرتقبة لترامب إلى الشرق الأوسط ستركز على الجوانب الاقتصادية وصفقات ضخمة مع الدول العربية، بينما لا تظهر إسرائيل على جدول أعماله، رغم المحاولات”.
وتقارن الصحيفة ذلك بما حدث في بداية ولاية الرئيس الأميركي الأسبق، باراك أوباما، عندما زار القاهرة وإسطنبول وتجاهل تل أبيب، معتبرة أن هذا كان مؤشرا على بدء العلاقات مع تل أبيب بـ”القدم اليسرى”.
وذكرت أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، كان يفضّل فوز جو بايدن في الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة، انطلاقًا من قناعته بأنه “صهيوني وداعم لإسرائيل”، وباعتباره شخصية يمكن لإسرائيل أن تناور أمامها سياسيًا بشكل يضمن مصالحها.

وقالت إن دخول كامالا هاريس إلى الصورة عقدت الصورة، فيما ظل في الخلفية إدراك إسرائيلي دائم بأن الحزب الجمهوري يبدي دعمًا غير مشروط لإسرائيل. إلا أن قرارات ترامب، بحسب الصحيفة، “تُبنى على حسابات ربح وخسارة تصب في المصلحة الأميركية أولا”.
وأشارت إلى أن الحزب الجمهوري منقسم بين من يسعى لدعم إسرائيل ومهاجمة إيران من التقليديين، وبين من يفضل الانكفاء الداخلي. فبينما يُعد مايك وولتز من الداعمين التقليديين لتل أبيب، فإن شخصيات بارزة مثل ترامب الابن، ونائب الرئيس دي جي فانس، يقودون خطًا انعزاليًا أكثر وضوحًا، “يرى أن مهاجمة إيران أو الحوثيين ليست من مسؤولية أميركا”.
وأضافت “صحيح أن العديد ممن يشغلون مناصب رفيعة في إدارة ترامب يعتبرون مؤيدين لإسرائيل، إلا أن اليد العليا حاليًا هي للتيار المنكفئ”، خصوصا بعد إبعاد وولتز من منصب مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي.
بين الإحباط والتفاؤل: تباين في إسرائيل حول قراءة خطوات ترامب
بحسب التقرير، تسير الولايات المتحدة بخطى متسارعة نحو اتفاق مع إيران يسمح لها بامتلاك طاقة نووية “لأغراض مدنية”. وقد أُبلغت إسرائيل بالمفاوضات في اللحظة الأخيرة، ما أثار صدمة لدى صانعي القرار في تل أبيب. واعتبرت الصحيفة أن إقرار ترامب بأنه “أقنع نتنياهو بعدم مهاجمة إيران”، شكل صفعة سياسية وأمنية لإسرائيل.
وأشارت “يديعوت أحرونوت” إلى أن الانسحاب الأميركي من سورية، والتقارب مع الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، وحتى عودة الحديث عن بيع طائرات F-35 لتركيا، كلها تُفهم في إسرائيل على أنها “خروج تدريجي من موقع الدعم الكامل”.
وأضافت أن “الصفقات الاقتصادية التي يدفع بها ترامب في السعودية تأتي على حساب ملف التطبيع، الذي لم يعد أولوية بالنسبة له. ربما لأنه يعلم أن نتنياهو لا يرغب بإنهاء الحرب على غزة، ولا يقبل بأي صيغة تلمّح لحل الدولتين – وهو الحد الأدنى المطلوب من جانب الرياض”.
وأشارت أيضًا إلى “توقف الترويج لخطة التهجير من غزة التي دفع بها ترامب سابقًا”، ووصفت الصحيفة المزاج في إسرائيل بالقول: السؤال المطروح في تل أبيب: “هل تخلّى ترامب عنا؟”، واعتبرت أن ذلك “يعتمد على من يُسأل” بهذا الشأن.
وقالت إن البعض يرى أن ترامب “لم يكن يومًا إلى جانب إسرائيل فعليًا”، وأنه لا يؤمن بثبات سياساته، بل يغيّرها باستمرار تبعًا لمصلحته، فيما تحاول إسرائيل التأثير فيها، لكن دون جدوى. وأضافت “لو فعل بايدن ما فعله ترامب في الأسابيع الأخيرة، لكان من المرجح أن يستقل نتنياهو الطائرة بالفعل ويطلب الخطاب أمام الكونغرس”.
بحسب الصحيفة، لا يزال بعض المسؤولين الإسرائيليين يحاولون التخفيف من حدة المخاوف، ويؤكدون أن “ترامب لم يتعهد أصلًا بالرد على كل هجوم حوثي على إسرائيل”، وأن هدف العملية في البحر الأحمر كان “إعادة حرية الملاحة”، كما اتُّفق مع وسطاء عمانيين.
وفي ما يخص ملف الهجرة من غزة، يرى هؤلاء أن “رؤية ترامب لا تزال قائمة، لكنها مرتبطة بمدى استعداد الدول لاستيعاب المهجرين”. أما الملف الإيراني، فيُنظر إليه كمجال قابل للانفجار، وإذا فشلت المفاوضات، فقد تعود الخيارات العسكرية لتطرح مجددا.
ووفقا للمتفائلين في إسرائيل، بحسب الصحيفة، فإنه “دون مفاوضات حقيقية، لن يكون لدى ترامب طريقة لتبرير التحرك العسكري ضد إيران”. وأضافت “في الواقع، فإنهم في إسرائيل يصلون متأملين فشل المفاوضات، وأن يعود الخيار العسكري إلى الطاولة”.
واعتبرت “يديعوت أحرونوت” أن “اليدين الإسرائيليتين مكبلتان، حتى في ظل الانزعاج المتزايد. إذ يعرف ترامب جيدًا أنه يُعتبر الرئيس الأكثر دعمًا لإسرائيل”، وهذا ما يمنحه هامشًا للمناورة في مواجهة التنافر المحتمل مع سياسات نتنياهو.