اقتصاد

ترامب يعقد أولى صفقاته التجارية: خيارات محدودة أمام لندن

ترامب يعقد أولى صفقاته التجارية: خيارات محدودة أمام لندن

سعيد محمد

لندن | أعلن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عقْد بلاده أول صفقة تجارية لها، منذ “يوم التحرير”، مع المملكة المتحدة، حصّلت الأخيرة بموجبها رسوماً جمركية مخفّضة على السيارات والصلب، وإنْ أبقت الإدارة على ضريبة ثابتة بنسبة 10%، على معظم السلع البريطانية الأخرى. وكشف ترامب النقاب عن الصفقة من المكتب البيضاوي، حيث كان محاطاً بنائبة جيه دي فانس، ووزير التجارة هوارد لوتنيك، وسفير المملكة المتحدة لدى الولايات المتحدة اللورد بيتر ماندلسون، الذي انضمّ إليه عبر الهاتف، رئيس الوزراء السير كير ستارمر.

وأشاد الزعيمان بـ”قوّة العلاقة” بين البلدين، ورمزية الاتفاق في يوم الذكرى الـ80 لانتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية. وقال ستارمر: “هذه الصفقة التاريخية تخدم الشركات البريطانية والعمّال البريطانيين، وتحمي آلاف الوظائف البريطانية في القطاعات الرئيسية، بما في ذلك تصنيع السيارات والصلب”.

والاتفاق التجاري الذي وصفه ترامب بأنه “كامل وشامل”، واحتفى به ستارمر كانتصار شخصي له، لقي ترحيباً حذراً من صحف لندن التي، وإن اعتبرت أن التوصّل إلى تفاهم مع الأميركيين “إيجابي”، لكنها رأت أن نطاق الصفقة محدود، في ظلّ عدم تسوية العديد من التفاصيل، ما سيترك بريطانيا في إطار علاقة تجارية أكثر صرامة مع الولايات المتحدة ممّا كانت عليه الحال قبل أن يبدأ ترامب حرب التعرفات.

وقد بدا للمتابعين أن الزعيمين استعجلا الإعلان عن اتفاق في يوم الذكرى، لحاجتهما الماسّة إلى تحقيق إنجاز سياسي (كلّ لأسبابه): فترامب بدا يائساً لإظهار أن تعرفاته التي تسبّبت بهزات لأسواق المال والتجارة، بدأت تؤتي أُكلها، فيما تلقّى ستارمر توبيخاً حادّاً من الجمهور البريطاني من خلال نتائج حزبه الهزيلة في الانتخابات المحلية، فصار بحاجة إلى تصحيح الصورة عبر إغلاق ملفّات تفاوض مستمرّ منذ بعض الوقت حول اتفاقات تجارية مع عدد من دول العالم.

وسيحتاج “اتفاق” ترامب إلى موافقة الكونغرس الأميركي الذي قد يستغرق أكثر من 90 يوماً للمصادقة عليه، ما قد يضطرّ الرئيس إلى تمديد التعليق المؤقت للرسوم لـ90 يوماً إضافية، والذي كان أعلنه بعد أسبوع على فرض التعرفات الجديدة في نيسان الماضي.

وبغضّ النظر عن تباهي ستارمر بالصفقة، لكنّ المفاوض البريطاني ظلّ عاجزاً عن زحزحة الأميركيين عن رسم الـ10% التي فُرض، الشهر الماضي، على معظم الصادرات البريطانية، بما في ذلك أول 100 ألف سيارة تصدّرها المملكة إلى السوق الأميركية سنويّاً، على أن ترتفع النسبة إلى 27.5% لكلّ سيارة بعد ذلك. وصدّرت بريطانيا، العام الماضي، حوالى 100 ألف سيارة من طرازات فاخرة، إلى الولايات المتحدة.

التعرفة الجمركية البالغة 10% ستظلّ تؤثّر على مصدّري المواد الغذائية في المملكة المتحدة

أيضاً، سيتعيّن على لندن أن تفتح أسواقها للمزارعين ومصدّري لحوم البقر الأميركيين – ولكن من دون تغيير معايير الغذاء -، وكذلك للمنتجات الاستهلاكية، وإزالة تعرفتها الجمركية على الإيثانول الأميركي المستخدم في إنتاج البيرة، فيما اتفق الجانبان على استمرار المحادثات في شأن ضريبة الخدمات الرقمية في المملكة المتحدة، والتي تستهدف كبرى شركات التكنولوجيا الأميركية، وكذلك الأدوية والمنتجات الطبية، وخدمات الرعاية الصحية، والأفلام السينمائية التي بقي موضوعها معلّقاً.

وحتى الإنجاز الأبرز للصفقة بتصفير التعرفة الجمركية على صادرات الصلب والألمينيوم، وعلى محركات الطائرات النفّاثة، جاء ليرضي مصنّعي المعادن والطائرات في الولايات المتحدة – الذين يعتمدون بشكل جزئي على منتجات بريطانية كمدخلات أولية في صناعتهم -، أكثر منه مكسباً بريطانياً.

من جهته، وصف أندرو غريفيث، وزير الظلّ المعنيّ بالتجارة في “حزب المحافظين” المعارض، الصفقة بـ”المخيّبة للآمال”، ساخراً منها، بالقول: “هذه صفقة دايت كوكاكولا، وليست الشيء الحقيقي”، فيما اعتبرت زعيمة الحزب، كيمي بادنوج، أنه “تمّ خداعنا”، بعدما تحدّث خبراء عن إغراق محتمل للسوق البريطانية بالبضائع الأميركية التي لن تفرض عليها تعرفات عقابية. بدوره، حذّر اتحاد مصنّعي الأغذية والمشروبات البريطاني من أن التعرفة الجمركية البالغة 10% ستظلّ تؤثّر على مصدّري المواد الغذائية في المملكة، الذين باعوا العام الماضي ما يعادل 2.7 مليار جنيه إسترليني للسوق الأميركية.

في المقابل، قال ترامب إن بلاده والمملكة المتحدة تعملان، منذ سنوات، لمحاولة إبرام صفقة، “ولم نصل إلى هناك أبداً. لقد نجحت بذلك الآن مع رئيس الوزراء هذا”، محذّراً، في الوقت ذاته، الدول الأخرى من توقّع معاملة “سخية” كالتي حصلت عليها بريطانيا، مؤكداً أن الولايات المتحدة ستصرّ على أن تبقى الرسوم الإجمالية على الدول ذات الفوائض التجارية الكبيرة أعلى، “بل وسيكون البعض أعلى من ذلك بكثير. وربّما يكون نموذج الـ10% هو الحدّ الأدنى”.

وكانت بروكسل (مقر الاتحاد الأوروبي) هدّدت بفرض رسوم جمركية على صادرات أميركية بقيمة 95 مليار يورو، بما في ذلك السيارات وقطع غيار السيارات، في حال فشلت المحادثات مع أميركا في إنهاء الصراع التجاري بينهما. ومن المرجّح، الآن، أن تدخل تعرفات جمركية انتقامية أقرّها الاتحاد، حيّز التنفيذ في تموز المقبل، كما تم إدراج طائرات “بوينغ” والنبيذ وبعض المواد الغذائية، مثل الأسماك، ولحم البقر، وزيت الزيتون، في قائمة جديدة وضعتها بروكسل للبنود التي قد تخضع لتعرفات انتقامية تالياً.

وقالت مصادر في المفوّضية الأوروبية إن الأخيرة ستبادر إلى رفع النزاع إلى “منظمة التجارة العالمية”، إذا لم تخفّض الولايات المتحدة تعرفاتها الجمركية على وارادتها من التكتُّل، والبالغة 380 مليار يورو.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب