قانون «التوعية بمعاداة السامية»: أداة لإسكات الأصوات المتضامنة مع فلسطين في أمريكا

قانون «التوعية بمعاداة السامية»: أداة لإسكات الأصوات المتضامنة مع فلسطين في أمريكا
رائد صالحة
واشنطن ـ :عندما طرح الجمهوريون في مجلس الشيوخ مشروع ما يُسمّى «قانون التوعية بمعاداة السامية» للتصويت في لجنة الصحة والتعليم والعمل والمعاشات «HELP»، كانوا يتوقعون تمريره بسهولة، نظرًا للدعم الذي يحظى به من قادة الحزب وجماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل وحتى من بعض الديمقراطيين. لكن المفاجأة وقعت خلال جلسة مناقشة المشروع، حين انشق إثنان من الجمهوريين وصوّتا مع الديمقراطيين لصالح تعديلات تعزز حرية التعبير، ما قوّض الهدف الحقيقي من المشروع: إرغام الجامعات على معاملة أي انتقاد للحكومة الإسرائيلية أو الصهيونية كأنه معاداة للسامية.
وأول التعديلات جاء من رئيس اللجنة السيناتور الجمهوري بيل كاسيدي، ونصّ على أن «لا يجوز تفسير أي بند في هذا القانون بما ينتقص من الحقوق الدستورية المكفولة بموجب التعديل الأول من الدستور الأمريكي»، وهي صياغة عامة وفضفاضة لكنها حظيت بدعم من الحزبين.
في المقابل، رفضت الغالبية الجمهورية تعديلات أكثر وضوحًا، منها ما يذكر غزة كنموذج لحرية التعبير، ويوضح نماذج لخطابات الطلاب المحمية دستوريًا، ويمنع الانتقام من المعارضين. ولو كان الهدف الحقيقي هو حماية الطلاب اليهود من التمييز، لما كانت هذه التعديلات لتُشكّل أي تهديد للقانون.
وفي بداية الجلسة، حذّر السيناتور بيرني ساندرز من أن مشروع القانون سيُصنّف الانتقادات الموجهة للحكومة الإسرائيلية وحرب بنيامين نتنياهو في غزة على أنها معاداة للسامية وانتهاك للقانون الفيدرالي، معتبرًا ذلك سابقة خطيرة. وقدّم ساندرز سلسلة تعديلات تهدف للحدّ من امكانية استخدام القانون كأداة رقابية، أبرزها نصّ يؤكد أنه «لا يجوز اعتبار أي شخص معاديًا للسامية لممارسته حقه في حرية التعبير أو التظاهر، بما في ذلك معارضة الحرب التي يقودها نتنياهو، والتي قتلت أكثر من 50.000 وجرحت أكثر من 113.000 ـ 60 في المئة منهم نساء وأطفال ـ أو معارضة تدمير الحكومة الإسرائيلية لغزة». وقد صوّت جميع الديمقراطيين لصالح التعديل، في خطوة نادرة، لكن المفاجأة الكبرى جاءت من السيناتور الجمهوري راند بول، الذي خالف حزبه وصوّت مع التعديل، ما أدّى إلى تمريره.
كما اقترح ساندرز تعديلًا ثانيًا يؤكد أن الحكومة الفيدرالية لا يمكنها إرغام أي مؤسسة تعليمية على اعتماد سياسات تنتهك حقوق الطلاب أو الموظفين بموجب التعديل الأول من الدستور، وهو مبدأ بديهي رغم تصويت غالبية الجمهوريين ضده، باستثناء بول وسوزان كولينز.
أما التعديل الثالث، فقد نصّ على أن أنشطة مثل توزيع المنشورات أو دعوة متحدثين أو النقاش داخل الصفوف الأكاديمية تظل محمية ما لم تتضمن تهديدات فعلية أو تحريضًا على العنف، وقد دعم هذا التعديل الجمهوريان بول وكولينز أيضًا.
وقدّم السيناتور إد ماركي بدوره تعديلًا يمنع الحكومة من احتجاز الطلاب أو ترحيلهم بسبب آرائهم السياسية المحمية، مشيرًا إلى حادثة اعتقال طالب من جامعة تافتس ونقله إلى سجن في لويزيانا بدون توجيه اتهامات. وقد مرّ التعديل بفارق صوت واحد، بدعم من بول.
ومن الواضح أنه لو كان الهدف من مشروع القانون هو حماية الطلاب اليهود، لما واجهت هذه التعديلات أي معارضة، لكن ما جرى كشف الطبيعة السياسية الحقيقية للمشروع.
تعريف يهدد حرية التعبير
رئيس اللجنة، السيناتور كاسيدي، اعتبر دعم التعديلات محاولة لقتل مشروع القانون، بينما صرّح السيناتور ماركواين مولين أن «راند بول قتل مشروع القانون تمامًا»، وأكد السيناتور روجر مارشال أن «هذه التعديلات خط أحمر»، ما يكشف أن الهدف لم يكن يومًا حماية أي فئة من التمييز، بل إسكات الأصوات المؤيدة لفلسطين. فالقانون المقترح يفرض على المؤسسات التعليمية والهيئات الفيدرالية اعتماد تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست «IHRA» لمعاداة السامية، وهو تعريف مثير للجدل وفضفاض يهدد حرية التعبير.
وقد حذّر كينيث ستيرن، واضع هذا التعريف، الكونغرس من خطورة تقنينه، مشيرًا إلى أنه لم يُصمم ليكون قانونًا ملزمًا، بل إن استخدامه بهذا الشكل يمثل انتهاكًا دستوريًا وتهديدًا للأكاديميين والطلاب والباحثين. فمثلًا، يعتبر التعريف أن وصف تأسيس إسرائيل بأنه «مشروع عنصري» يُعد معاداة للسامية، رغم أن تأسيس إسرائيل ارتبط بمجازر وتهجير قسري نفذته عصابات مثل الأرغون. كما أن استخدام «معايير مزدوجة» في نقد إسرائيل، من دون نقد دول أخرى مثل السودان، يُعد أيضًا معاداة للسامية، بحسب التعريف. بل ويصنّف التعريف مقارنة سياسات إسرائيل بالنازية ضمن هذا الإطار، رغم أن مثل هذه المقارنات تصدر أحيانًا حتى عن أنصار اليمين الإسرائيلي المتطرف.
وأشار السيناتور بول إلى أن منح إسرائيل هذه الحصانة من النقد يخلق ازدواجية خطيرة في المعايير، ويمثّل تهديدًا واضحًا لحرية التعبير. وإذا طُبّق مشروع القانون عبر الباب السادس من قانون الحقوق المدنية، فإن انتقاد السياسات الإسرائيلية قد يُعامل كجريمة، ما يحوّل المعارضة السياسية المشروعة إلى مخالفة قانونية قابلة للملاحقة.
وعلى الرغم من أن تعديلات ساندرز خففت من بعض فجاجة النصّ، إلا أن القانون يظلّ تهديدًا قائمًا ما دام تعريف IHRA جزءًا من مضمونه. ومع ذلك، فإن هذا لا يرضي الجمهوريين الداعمين للمشروع ولا جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل، التي لا تريد أي قيود على استخدام القانون كأداة لإسكات الأصوات المعارضة للجرائم الإسرائيلية في غزة أو المنتقدة للصهيونية.
ويرى محللون أن من الضروري أن يرفض الكونغرس هذا المشروع بالكامل، لأنه قانون بُني على أسس غير ديمقراطية ولا يمكن ترقيعه بالتعديلات. فحرية التعبير ركيزة أساسية في الديمقراطية الأمريكية، ولا يمكن التنازل عنها تحت ذريعة محاربة الكراهية. فإسكات الأصوات لا يوقف العنصرية، بل يكرس الظلم، ويجب ألّا نقف صامتين بينما تُستخدم سلطات الحكومة لتجريم المواقف الأخلاقية.
وفي سياق متصل، ندد طلاب وأكاديميون يهود مؤيدون لحقوق الفلسطينيين وحرية التعبير بجلسة استماع عقدها الجمهوريون في مجلس النواب، واعتبروا أن الخلط بين معاداة السامية ومعارضة الصهيونية أو انتقاد الجرائم الإسرائيلية يهدف إلى قمع المعارضة.
وعقدت اللجنة التعليمية في مجلس النواب جلسة بعنوان «ما وراء رابطة اللبلاب: وقف انتشار معاداة السامية في الحرم الجامعي الأمريكي»، وهو عنوان أعقب جلسة مشابهة العام الماضي بشأن جامعة كولومبيا. وقد تعرض رؤساء جامعات مثل هافرفارد ودي بول وجامعة ولاية كاليفورنيا التقنية لاستجواب حاد من مشرّعين جمهوريين، من بينهم رئيس اللجنة تيم والبيرغ، الذي أشار إلى أن إسرائيل يجب أن تتعامل مع غزة كما تعاملت الولايات المتحدة مع هيروشيما وناغازاكي.
كما صدرت تصريحات مثيرة للجدل من بعض أعضاء اللجنة، مثل النائب مارك هاريس، الذي قال سابقًا إن اليهود والمسلمين لن ينعموا بالسلام الروحي إلا إذا اعتنقوا المسيحية. رغم ذلك، واصل الجمهوريون الضغط على إدارات الجامعات لتشديد الرقابة على حرية التعبير، وخلطوا عمدًا بين دعم فلسطين ومعاداة السامية. في المقابل، أشار ديفيد كول، أستاذ القانون في جامعة جورج تاون، إلى أن الدستور الأمريكي يضمن حرية التعبير حتى عندما يتضمن انتقادات حادة لإسرائيل أو تصريحات مثيرة للجدل بشأن اليهود، محذرًا من استغلال الحقوق المدنية كأداة لقمع المعارضة، وهو ما حدث سابقًا في عهد إدارة ترامب السابقة.
وأصدرت مجموعة من طلاب جامعة هافرفارد اليهود رسالة مفتوحة لأعضاء اللجنة، أعربوا فيها عن قلقهم من استغلال آلامهم لتحقيق أجندات سياسية تتناقض مع المبادئ الحقيقية لمكافحة معاداة السامية. كما حضر الجلسة طلاب يهود آخرون انتقدوا استغلال معاناتهم لتبرير التضييق على حرية التعبير، مؤكدين أن الدفاع عن العدالة لا يمكن أن يكون مرادفًا للعنصرية أو الكراهية.
«القدس العربي»