تحقيقات وتقارير

ألمانيا: ميرتس يبدأ حكمه بدعم الموقف الإسرائيلي مع تحفظات إنسانية

ألمانيا: ميرتس يبدأ حكمه بدعم الموقف الإسرائيلي مع تحفظات إنسانية

برلين/علاء جمعة

سبق لميرتس أن أعلن نيته رفع القيود على تصدير الأسلحة إلى إسرائيل، ودعوته لنتنياهو رغم مذكرة الاعتقال تُظهر استعداده لتحدي الضغوط الدولية من أجل الحفاظ على العلاقة.

برلين ـ :في أولى خطواته كمستشار ألماني جديد، أكد فريدريش ميرتس التزام ألمانيا الراسخ بدعم إسرائيل، وهو الموقف الذي يُعرف بـ«الدافع الوطني والذي بدأته المستشارة السابقة أنغيلا ميركل. ومع ذلك، لم يخلُ موقف ميرتس من تحفظات وقلق بشأن الوضع الإنساني في قطاع غزة، ما يعكس توازنًا بين دعم إسرائيل والدعوة إلى احترام القانون الدولي. بعد انتخابه مستشارًا لألمانيا 6 أيار/مايو الجاري، في الجلسة الثانية للبرلمان الاتحادي، أجرى فريدريش ميرتس مكالمة هاتفية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الجمعة، خلال هذه المكالمة، أكد ميرتس على التزام ألمانيا التاريخي بدعم أمن ووجود إسرائيل، مشددًا على أن هذا الالتزام يُعتبر جزءًا من «الدافع الوطني» الألماني. هذا المبدأ يعكس شعور ألمانيا بالمسؤولية التاريخية تجاه إسرائيل بسبب المحرقة «الهولوكوست» التي ارتكبها النظام النازي خلال الحرب العالمية الثانية. ميرتس أشار إلى أن ألمانيا ستواصل التصدي بحزم لمعاداة السامية داخل حدودها، خاصة بعد تزايدها عقب هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023. كما أعرب عن دعمه لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد ما وصفه بـ«الهجوم الوحشي» من قبل حماس، لكنه أضاف أن على إسرائيل أن تلتزم بالقوانين الدولية والوفاء بالتزاماتها الإنسانية.
على الرغم من دعمه القوي لإسرائيل، أبدى ميرتس قلقًا عميقًا بشأن الوضع الإنساني في قطاع غزة، حيث يستمر الصراع منذ أكثر من عام ونصف. في تصريحاته لبرنامج «Brennpunkt» على قناة ARD يوم الثلاثاء، قال: «إسرائيل تثير قلقنا الشديد». كما أعرب عن قلقه بشأن مصير الرهائن الإسرائيليين المحتجزين لدى حماس، وأيضًا معاناة المدنيين الفلسطينيين في غزة. وأكد على ضرورة تقديم المساعدات الإنسانية لسكان القطاع، مشددًا على أن «المساعدات الإنسانية في غزة يجب أن تُقدم».
ميرتس دعا إلى إجراء مفاوضات سريعة للتوصل إلى وقف إطلاق نار، معربًا عن أمله في أن يؤدي ذلك إلى تخفيف معاناة المدنيين، حيث أدى الصراع إلى مقتل أكثر من 48.000 فلسطيني وتدمير واسع للبنية التحتية، وفقًا لتقارير وزارة الصحة في غزة.

دعوة نتنياهو لزيارة ألمانيا

أحد أبرز المواقف التي أثارت الجدل كان إعلان ميرتس في شباط/فبراير الماضي، بعد فوزه في الانتخابات الاتحادية، أنه سيجد «سبلًا ووسائل» لدعوة نتنياهو لزيارة ألمانيا، على الرغم من وجود مذكرة اعتقال صادرة عن المحكمة الجنائية الدولية في تشرين الثاني/نوفمبر 2024 ضد نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت بتهم ارتكاب جرائم حرب في غزة. هذه الدعوة أثارت انتقادات حادة داخل ألمانيا وخارجها، حيث اعتبرها البعض خرقًا لالتزامات ألمانيا بموجب القانون الدولي كعضو في المحكمة الجنائية الدولية.
المحكمة الجنائية الدولية أصدرت بيانًا أكدت فيه أن على الدول الأعضاء، بما في ذلك ألمانيا، تنفيذ قراراتها القانونية، وأن أي محاولة لتجاهل مذكرة الاعتقال ستكون غير قانونية. حزب اليسار الألماني وصف دعوة ميرتس بأنها «كارثة»، واتهمه بـ«المعايير المزدوجة»، مشيرًا إلى أن ألمانيا كانت قد أكدت التزامها بتنفيذ مذكرات الاعتقال الدولية في حالات أخرى، مثل مذكرة ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وفي خطوة تعكس اهتمام الحكومة الألمانية الجديدة بمتابعة الوضع عن كثب، أعلن ميرتس أن وزير الخارجية الجديد يوهان فاديفول، من حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي «CDU» سيزور إسرائيل نهاية هذا الأسبوع. هذه الزيارة تأتي في سياق القلق الألماني من خطط إسرائيل لتولي توزيع المساعدات الإنسانية في غزة، وهو ما يراه ميرتس خرقًا للالتزامات الدولية. ومن المتوقع أن يناقش فاديفول هذه القضايا مع المسؤولين الإسرائيليين، مع التأكيد على ضرورة السماح بوصول المساعدات إلى المدنيين الفلسطينيين.
وحسب مجلة «شبيغل» الألمانية يعكس موقف ميرتس استمرارية السياسة الألمانية التقليدية في دعم إسرائيل، لكنه أيضًا يواجه تحديات جديدة بسبب الوضع الدولي المتوتر. من جهة، دعمه القوي لإسرائيل يتماشى مع موقف حزبه (الاتحاد الديمقراطي المسيحي) الذي يرى أمن إسرائيل جزءًا من المصالح الوطنية الألمانية. فقد سبق لميرتس أن أعلن نيته رفع القيود على تصدير الأسلحة إلى إسرائيل، وهو ما يعكس رغبته في تعزيز العلاقات الثنائية. كما أن دعوته لنتنياهو رغم مذكرة الاعتقال تُظهر استعداده لتحدي الضغوط الدولية من أجل الحفاظ على هذه العلاقة.
من جهة أخرى، الضغط الدولي والانتقادات المتصاعدة لسياسات إسرائيل في غزة دفعت ميرتس إلى تبني خطاب أكثر توازنًا. تصريحاته حول ضرورة احترام القانون الدولي وضمان وصول المساعدات الإنسانية تعكس محاولته للتوفيق بين دعم إسرائيل وبين تجنب الانتقادات الدولية. بعض المحللين يرون أن هذا التوازن قد يكون صعبًا على المدى الطويل، خاصة إذا استمرت إسرائيل في سياساتها العسكرية المثيرة للجدل، مثل التوسع في الضفة الغربية أو فرض سيطرة أكبر على غزة.
وفي افتتاحية بعنوان «الدافع الوطني لا يحل محل السياسة النقدية»، نشرتها «دير شبيغل» مؤخرا انتقد الصحافي ثور شرودر سياسة ميرتس وحزب الاتحاد تجاه إسرائيل، محذرًا من أن الدعم الأعمى لإسرائيل في ظل تصاعد العنف في غزة يهدد مصداقية ألمانيا دوليًا ويغذي التوترات الداخلية. الافتتاحية أُعدت من تل أبيب، ما يعكس قرب الكاتب من أحداث الصراع.
أشارت «دير شبيغل» إلى أن حكومة نتنياهو، منذ تولي دونالد ترامب الرئاسة الأمريكية، كثفت هجماتها في غزة بطريقة «أكثر وحشية». منذ انهيار الهدنة في اذار/مارس الماضي، حاصرت إسرائيل غزة، ما أدى إلى تجويع السكان، وهجمات يومية على المدنيين والعاملين في المجال الإنساني. ووفقًا للأمم المتحدة، فإن الوضع الإنساني في غزة هو الأسوأ منذ بدء الحرب، مع مقتل عشرات المدنيين يوميًا، وتحويل 70 في المئة من القطاع إلى مناطق محظورة، وتدمير مدن بأكملها.
كما انتقدت المجلة حكومة نتنياهو التي تضم وزراء متطرفين مثل إيتمار بن غفير، وزير الأمن الذي زار الولايات المتحدة واقترح قصف مستودعات المساعدات في غزة للضغط على حماس لإعادة الرهائن. كما انتقدت تصريحات الوزير بتسلئيل سموتريتش الذي قال إن إعادة الرهائن ليست أولوية، وخطة نتنياهو لتهجير أكثر من مليوني فلسطيني من غزة لإقامة «ريفييرا الشرق الأوسط»، وهي خطة تدعمها إدارة ترامب.
وأشارت «دير شبيغل» إلى أن حكومة نتنياهو تسعى لتقويض الديمقراطية الإسرائيلية عبر محاولات عزل رئيس المخابرات الداخلية والمدعية العامة، وإضعاف المحكمة العليا. خطاب مفتوح وقّعه أكثر من 1000 من أفراد القوات الجوية الإسرائيلية السابقين والحاليين، انضم إليه عشرات الآلاف، اتهم نتنياهو باستغلال الحرب لتأمين نفسه في قضايا الفساد المرفوعة ضده ومنع تشكيل لجنة تحقيق في هجوم حماس.
وانتقدت المجلة دعم ميرتس غير المشروط لإسرائيل، مشيرة إلى أن الاتحاد دفع خلال مفاوضات الائتلاف لاستئناف الزيارات الوزارية المتبادلة مع إسرائيل ورفع القيود على تصدير الأسلحة. وفي تشرين الأول/أكتوبر 2024، هاجم ميرتس الحكومة السابقة (ائتلاف إشارات المرور) لرفضها تصدير ذخائر وقطع غيار دبابات إلى إسرائيل.
وحذرت «دير شبيغل» من أن الاعتماد على «الدافع الوطني» دون تبني موقف نقدي يضر بمصداقية ألمانيا دوليًا، حيث تُنظر إليها في أجزاء من العالم كـ»منافقة» بسبب دعمها غير المشروط لإسرائيل. داخليًا، يغذي هذا الدعم الإحباط السياسي بين الملايين من المسلمين في ألمانيا، الذين يشعرون بالتهميش بسبب دعمهم للفلسطينيين في غزة، كما يظهر في مظاهرات برلين المؤيدة لفلسطين.
ودعت «دير شبيغل» الحكومة الألمانية الجديدة إلى الضغط الدبلوماسي على إسرائيل لوقف العنف، وإعادة النظر في تصدير الأسلحة، والابتعاد عن حكومة نتنياهو مع دعم القوى الديمقراطية في إسرائيل. وأشارت إلى أن الذكرى الستين للعلاقات الدبلوماسية بين ألمانيا وإسرائيل في 12 أيار/مايو 2025 تُعد فرصة لإعادة تقييم العلاقة بناءً على القيم المشتركة وليس فقط على التاريخ.

السياق التاريخي والسياسي

العلاقة بين ألمانيا وإسرائيل لها جذور تاريخية عميقة تعود إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية. فألمانيا تشعر بمسؤولية خاصة تجاه إسرائيل بسبب المحرقة، وهو ما جعل دعم إسرائيل جزءًا من سياستها الخارجية. هذا الدعم أُرسي بشكل رمزي في عام 1960 عندما التقى المستشار الألماني الأول كونراد أديناور برئيس الوزراء الإسرائيلي ديفيد بن غوريون في نيويورك، ما مهد الطريق لإقامة علاقات دبلوماسية رسمية في عام 1965. وفي عام 2025، تحتفل ألمانيا وإسرائيل بمرور 60 عامًا على هذه العلاقات.
ومع ذلك، فإن حرب غزة التي بدأت في أكتوبر 2023 أثرت على هذه العلاقة. فقد أثارت السياسات الإسرائيلية انتقادات دولية واسعة، بما في ذلك اتهامات بارتكاب جرائم حرب، ما وضع ألمانيا في موقف صعب بين دعم إسرائيل والالتزام بالقانون الدولي.
زيارة وزير الخارجية الألماني الجديد إلى إسرائيل ستكون مؤشرًا مهمًا على كيفية تعامل الحكومة الجديدة مع هذه القضية المعقدة. ومع استمرار الصراع في غزة، يبقى السؤال: هل سيتمكن ميرتس من الحفاظ على هذا التوازن، أم أن الضغوط الدولية والداخلية ستدفعه إلى إعادة تقييم موقفه؟

«القدس العربي»

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب