الأردن: مستقبل جبهة العمل الإسلامي بين سياق قانوني وخيار سياسي

الأردن: مستقبل جبهة العمل الإسلامي بين سياق قانوني وخيار سياسي
بسام البدارين
التطور اللافت مؤخرا على صعيد الأزمة مع الإسلاميين في الأردن يؤشر على وجود أقلية احترفت التحريض ضد التيار الإسلامي بدأت تعزف على أوتار انتهازية سياسيا.
عمان ـ :الانطباع القائل سياسيا بأن مطرقة الحظر الرسمي والقانوني ستضرب قريبا في الأردن حزب جبهة العمل الإسلامي أكبر أحزاب الساحة والبرلمان قد ينطوي على خطأ في التحليل البصري يقود إلى مغامرة غير محسوبة على أكثر من صعيد.
القول في المقابل إن الحزب لا يتحمل أي مسؤولية بعد تورط أعضاء فيه من دون علم قيادته في أعمال جنائية، مسألة في أحد أبرز زواياها لا بد لها أن تنتهي بتحمل قيادة الحزب ولو جزءا من المسؤولية المعنوية والاعتبارية تحت عنوان الإخفاق.
تحميل حزب سياسي مرخص وخضع لكل الفلترة القانونية مسؤولية تورط أعضاء فيه في قضية جنائية لم يتخذ القضاء بعد قراره فيها جزئية يتوجب الانتباه إليها لأن بعض الأفراد تورطوا في مخالفات جنائية في أحزاب أخرى بعضها قيد التحقيق وبعضها الآخر لا أحد يطالب بحل الحزب بسببها.
لأن الشغب والمناكفة والاعتراض لا يطال أحزابا أخرى وسطية ادين بعض قادتها رسميا بجرم الاحتيال.
التباين بين الصورتين من واجب الحكومة والسلطات السياسية الانتباه له ليس فقط من باب الحرص على الالتزام بشعار دولة القانون والمؤسسات، ولكن أيضا من باب الحرص العميق والشديد على عدم توفير ذخيرة وذرائعية للمظلومية التي يجيد ركوب موجتها بعض نشطاء التيار الإسلامي.
والأهم من باب الحرص في المقابل على منع أي تشويش أو تشويه لسمعة نظام العدالة القانوني وبالتالي التشكيك أو السماح بالتشكيك في السردية الرسمية الخاصة بتجاوزات ومخالفات وأحيانا حماقات بعض قواعد وكوادر الأحزاب.
في الاعتبارات القانونية المسيسة يقترح السياسي مروان فاعوري أنه لا بد من الانتباه لكمين يحاول بعض خصوم التيار الإسلامي زرعه في طريق ودرب الإجراءات القانونية.
والسماح بالتحريض على حزب سياسي مرخص حتى عندما تختلف معه الدولة قبل إدانته قضائيا بمخالفات محددة مجازفة غير محسوبة بالتوازي توقيتا مع السؤال المطروح: «هل يتوجب على البوصلة الرسمية دعم سيناريو حل حزب جبهة العمل الإسلامي؟».
سؤال صعب وحمال أوجه وطبعا ودوما الإجابة عليه ينبغي أن تبقى سياسية بامتياز مع مراعاة الإجراءات والمتطلبات القانونية.
ترخيص الأحزاب ينظم عبر قوانين. لكن الإرادة السياسية هي التي تقرر كما يعلم الجميع زاوية المصلحة العامة في إصدار قرار إداري بترخيص أي حزب أو تسجيله، والزاوية السياسية أساسا هي المنطلق في تحديد المسار الإداري على طريق منع ولادة حزب أو قصف عمره أو السماح له بالولادة والنضج والتعلم من الأخطاء مادام مسار التحديث السياسي هو الإستراتيجية التي تقول كل السلطات إنها لا تزال هي القرار حتى الآن. لذلك كيفية التعاطي مع ملف جبهة العمل مسألة في غاية الأهمية منعا للصدام والتأزيم الذي يمكن الاستغناء عنه وحرصا على مصداقية وصدقية أي إجراء ضد الإسلاميين اتخذ سابقا أو سيتخذ لاحقا.
الانتباه هنا واجب ليس من باب الحرص على احتواء الأزمة التي أصبحت واقعا موضوعيا مع الإسلاميين، ولكن من باب الحرص على منع أي تشكيك على المستوى الشعبي بمجمل الرواية الرسمية، حتى لا يعود أي تيار لقطف نتائج ذلك التشكيك من النافذة في حال طرده من الأبواب.
اعتبارات الرأي العام في الحفاظ على سيادة الدولة والقانون لا تقل حدة وأهمية عن تلك الاعتبارات التي تحتفظ فيها توازنات الدولة.
التطور اللافت مؤخرا على صعيد الأزمة مع الإسلاميين في الأردن يؤشر على وجود أقلية احترفت التحريض ضد التيار الإسلامي بدأت تعزف على أوتار انتهازية سياسيا، بمعنى السعي لإعاقة التعاطي السياسي مع ملف حزب الجبهة والسهر على المزيد من الإجراءات التي تستبق قرارات القضاء.
هدف هذا الجناح التأزيمي واضح ومرصود، وهو التنظير لإكمال مسيرة ومشوار إخراج الإسلام السياسي من المعادلة تماما بحل الحزب بعد حظر الجماعة وبدون مسوغات قانونية مقنعة للرأي العام في مجازفة لا بد من حسابها ليس لأسباب قانونية أو سياسية فقط ولكن لأسباب مرتبطة بقوانين الفيزياء.
الحديث هنا عن تيار سياسي عريق وله حضور قوي في المجتمع وإغلاق كل الأبواب والنوافذ والستائر في وجه أنصار وأبناء الحركة الإسلامية قد يعني المجازفة بالمعنى الأمني الاجتماعي أيضا ما يبرز أهمية صياغة معادلة سياسية عند اتخاذ القرار الأنسب.
الأنسب والأكثر حصافة برأي بعض السياسيين المخضرمين هو إبقاء الحزب والحفاظ عليه ومنع استهدافه وتقويضه حتى لا تتوسع ثقافة «فقه المحنة» وحتى يبقى الحزب مساحة بديلة ومنضبطة قانونيا في استقبال أبناء الجماعة بعد حظرها.
طبعا تلك وظيفة لا يستهان بأهميتها ولا أدلة حتى الآن على أن السلطات قررت أخذها بالاعتبار أو إسقاطها.
الحرص على السياق القانوني في الاستنتاج النهائي مهم وله ما يبرره، لكن بقاء الخيار السياسي الذي يمسح المشهد بكل تفاصيله مسألة لا تقل أهمية أيضا.
«القدس العربي»