مقالات

السودان حلقة في سلسلة الصراع العالمي: فهل هي بداية للتفاوض أم استمرار للحرب؟ د. رياض العيسمي

د. رياض العيسمي

السودان حلقة في سلسلة الصراع العالمي: فهل هي بداية للتفاوض أم استمرار للحرب؟
د. رياض العيسمي
فجأة ينفجر الصراع المسلح بين طرفي القوة العسكرية المسيطرة على الحكم في السودان منذ سقوط المشير عمر حسن البشير عام 2019 ، والمتمثلة بقائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع الفريق محمد حمدان دقلو، الملقب ب حميدتي. ودون سابق إنذار ينقلب المرؤوس على الرئيس. ويتحول أصدقاء وحلفاء الأمس إلى أخصام وأعداء اليوم. ودخلوا في معركة لكسر العظم وفرض الهزيمة على الطرف الآخر. هذا وبالرغم من أن تاريخ السودان حافل بالصراعات الداخلية والقبلية، الانقلابات العسكرية، والصدامات المسلحة والحروب البينية وتدخلات دول الجوار الأفريقية والقوى العالمية، إلا أن الصراع هذه المرة يبدو مختلفا. فالسودان بموقعه الجيو ستراتجي المهم المطل على البحر الاحمر. والذي يقع في مدخل وسط القارة الافريقية . وثرواته الطبيعية الكبيرة والمتنوعة وموارده البشرية الحية والمتنامية يجعله حلقة مهمة في سلسلة الصراع العالمي المحتدم اليوم بين الولايات المتحدة والصين وروسيا للاستحواذ على مناطق النفوذ في القارة الافريقية بعد أن تضع الحرب العالمية الثالثة أوزارها في شرق المتوسط في سورية وشرق أوروبا في أوكرانيا وشرق آسيا في تايوان، فهذه هي أهم ثلاثة مناطق جيو استراتيجية في عالم اليوم. فهي تمثل مناطق الأوراسيا وممرات العبور الحيوية للتجارة العالمية. إلا أن السيطرة على العالم من الناحية الاقتصادية باتت تتمثل اليوم بالوصول أيضا إلى القارة السمراء. ففي الوقت الذي دخلت فيها أوروبا، متمثلة بفرنسا، بعد الحرب العالمية الأولى، ركزت عليها الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية. وحاول الاتحاد السوفييتي أن يتغلغل فيها عبر بوابة الغزو العقائدي. واستطاع أن يشكل صداعا نصفيا للولايات المتحدة طوال فترة الحرب الباردة. ولكنه بعد انتهاء الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفييتي في مطلع التسعينيات من القرن الماضي، وفي نشوة الانتصار العالمي للولايات المتحدة وانشغالها في عملية فرض العولمة، أهملت المناطق المهمشة في العالم، ومنها القارة الافريقية. فاستغلت الصين الفرصة لتبدأ بالصعود على نفس القاعدة التي سقط عليها الاتحاد السوفييتي، الاقتصاد، فشرعت بالتسلل اقتصاديا إلى القارة المهملة. ودخلتها من خاصرتها الرخوة وفي الجزء الجنوبي منها والتي جعلت مدخله جيبوتي. حيث تملك الصين فيها قاعدة بحرية متقدمة وأكبر مركز لتوزيع البضائع الصينية في العالم. وهي اليوم تسيطر اقتصاديا وانمائيا على كامل الجزء الجنوبي من القارة الافريقية، ووصولا إلى دولة جنوب أفريقيا التي ترتبط مع الصين وروسيا والهند والبرازيل بحلف ما يعرف بالبريكس وتقوده الصين. ولقد تنبهت الولايات المتحدة واسرائيل لأهمية السودان ودوره في مستقبل الصراع على القارة الافريقية. فكانت محاولة السيطرة عليه عبر انقلاب البرهان، الذي طبع العلاقة مع اسرائيل فور استلام السلطة. والذي في عهده، حسب اعتقاد الولايات المتحدة؟ يمكن أن يكون السودان صمام الأمان بين الجزء الجنوبي من القارة الافريقية حيث تتواجد الصين والجزء الشمالي حيث تسيطر الولايات المتحدة في مصر وليبيا ودول المغرب هذا في الوقت الذي تحاول فيه فرنسا اعادت نفوذها في شمال ووسط أفريقية، في الجزائر وتشاد ومالي والنيجر. إلا أن روسيا كانت هي السباقة إلى اختراق وسط أفريقيا وأيضا من بوابة السودان. وذلك عندما بدأت العمل في عام ٢٠١٥، بعد دخولها عسكريا إلى سورية، على بناء قاعدة عسكرية في ميناء بورتسودان. وعملت على عقد تحالفات عبر مرتزقة فاغنر المدعومة روسيا مع قائد قوات الدعم السريع حميدتي. وذلك لتدريب وتصدير المرتزقة إلى ليبيا ودول الجوار في تشاد ومالي والنيجر. وأيضا لتدريب قوات خاصة للذهاب إلى أوكرانيا والقتال مع روسيا. والتي كان لها الدور الفاعل في حسم معركة باخموت. كما وإن العلاقة بين روسيا وحميدتي لم تقتصر على تدريب المرتزقة وتصديرهم وحسب، بل وامتدت الى نهب وتهريب الذهب السوداني. الذي يستخدم في التغطية النقدية في تجارة السلاح وزعزعة الدولار عندما يتعلق الامر بتوريد الطاقة عبر الطرق الملتوية للتهرب من العقوبات. ويعتبر السودان من أغنى دول العالم في انتاج الذهب. بحيث وصل انتاجه لهذا المعدن الثمين إلى أرقام قياسية تتراوح بين ٩٥ و ١٠٠ طن سنويا. كما وينتج السودان 1.4 مليون طن من اليورانيوم، والذي يعتبر من أنقى أنواع اليورانيوم في العالم. والذي يمكن أن يتحول إلى مشاريع قنابل نووية مؤجلة تعم المنطقة والعالم في حال عدم السيطرة عليه.
القارة الافريقية هي الأكبر من حيث المساحة وعدد السكان بعد آسيا. ويمثل سكانها حوالي ربع سكان العالم. وهي أغنى القارات من حيث الثروات النفيسة والأيدي العاملة الرخيصة. وهذان يمثلان أهم عوامل الصناعة. وهي أيضا تجاور حوض المتوسط الذي بات يختزن ويمر عبره أكثر من ثمانين بالمائة من غاز العالم الذي تحتاجه عجلة الصناعة العالمية للدوران في المستقبل القريب بعد التخلي عن النفط الملوث للبيئة وقبل شيوع الطاقة البديلة. كما وان موقعها الجغرافي في وسط المحيطين الهندي والأطلسي يسهل ويسرع من عملية شحن ونقل البضائع. هذا إضافة لكونها سوق استهلاكي كبير للمواد المصنعة والتكنولوجيا. وبهذا هي اليوم تقع في بؤرة الصراع العالمي. والسودان هو المدخل المفتوح إليها. ولهذا أصبح السودان الساحة الرابعة للحرب العالمية الثالثة بعد سورية وأوكرانيا وتايوان. لكنها وكما هي ساحة حرب يمكن أن تتحول إلى منصة للتفاوض على اقتسام مناطق النفوذ في القارة الافريقية وآسيا وأوروبا. والذي لن ينتزع فتيل الحرب الشاملة من غيره. فمعظم حروب التاريخ انتهت إلى التفاوض. ولا يمكن أن يحصل التفاوض إلا إذا وصل أطراف الحرب إلى القناعة بأن خسارتها المادية من استمرار الحرب ستكون أكثر تكلفة من الربح العسكري لها. والحرب عادة يبدأها الحمقى وينهيها العقلاء. والعالم يقف اليوم على رصيف الانتظار لهؤلاء في بورتسودان. لا شك بأن السودان هو حلقة في سلسلة الصراع العالمي، لكن السؤال الأهم الذي هو برسم الإجابة: هل سيكون السودان استمرارا للحرب أم بداية للتفاوض على إنهائها؟

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب