
ميل الناس لتصديق الخرافات
بقلم الدكتور ضرغام الدباغ / برلين
خلال عملي الدبلوماسي في ألمانيا، شغلت منصب القائم بالاعمال لسفارتنا في برلين لمدة عام ونصف تقريباً، ومن نافلة الكلام القول أن أحداث غريبة عجيبة مرت علي، وأصناف من البشر لا يمكنك تخيل وجود أمثالهم، وما سأرويه الآن هو بقصد لا أخفيه، أن حتى السياسيين / الدبلوماسيين الذي يفترض أنهم يتعاملون مع حقائق مادية واقعية، وكل شيئ في الغيب هو مجرد خيالات .. ولكن مع ذلك، حتى السياسيين (لا أقصد الدبلوماسيين) يتعاطون الخرافات.. ويا للعجب بعضهم يؤمن بها.
ذات يوم، طلب مقابلتي مواطن عراقي، وألح في الطلب، فسمح له، فأدخلته السكرتيرة، فإذا به شاب في حوالي الأربعين من العمر، وبدأ بعرض مشكلة تصادفه طالباً مساعدتي، فإذا به يعض جواز سفره العراقي، مشيراً أن فيزة / تأشيرة دخوله ألمانيا على وشك أن تنتهي، وهو يرجوني ملحفاً برجاءه، أن أساعده بتمديد إقامته لبضعة أسابيع، وصديق محترم لي، أكد أنه يضمن سلوكه الحسن للأيام المقبلة. ومن قبيل مساعدة المواطنين العراقيين، مددنا له إقامته أعتقد لأسبوعين آخرين.
وتبين أن هذا الشاب منجم، وقارئ كف محترف، وقد أبدى استعداده لأن يقرأ طالعي (في كفي) ولما كنت غير مقتنع البتة بهذه القضايا وأعتبرها من أعمال النصب والاحتيال، فألح علي، وصديقي قال لي ” ما هي الخسارة، دعه يقرأ كفك ويذهب والسلام فالشاب يريد أن يظهر امتنانه منك” وأردت أن أنتهي من هذا العرض والالحاح، فقرأ كفي وهو يكتب الملاحظات، وأنتحى جانباً وكتب في صفحة ونصف ما يعتقد من طالعي ومستقبلي.
وبعد مدة وجيزة، جاء بقراءته لكفي وما أذكره هو : ” أن والدتي توفيت وأنا صبي، وأني سوف اتزوج مرة أخرى، وأني سوف أصادف قضية صعبة، أكون فيها على بعد أمتار قليلة من الموت، وأنني سأمر بمشاكل ولكني سأنجو منها، وأني سوف أوفق في عملي، وأنني سأعيش ميسور الحال حتى آخر عمري ” . لم يقبل أبداً أن يضيف شيئاً لما قاله، رغم أنه تعرف على الكثير من حياتي ومستقبلي، وذكر لي وقائع من حياتي الشخصية. وأريد القول أنها صحيحة تماماً وفعلا تحقق كل ما قاله لي. وأنصرف الشاب الذي هاجر إلى ألمانيا، وتزوج فيها، ثم رحل بعد سنوات من نجاح مدوي في ألمانيا، رحل لبريطانيا، مصطحباً معه مدير أعماله (سوري / ألماني)
وبعد رحيله لبريطانيا (لندن) وكان قد أصاب ثراء كبيراً، وتوفي بعد سنوات، وكانت ثروته بلغت درجة عالية جداً، وعاد مدير اعماله السوري لبرلين وحكى لي كل شيئ عنه. ومن غريب ما رواه لي أنه أصاب نجاحا باهراً في لندن، أضعاف ما حصل عليه في برلين، رغم أنه أدهشني بقوله أنه كان يستلم يوميا مئات الرسائل والنداءات الهاتفية طلبا لمواعد من رجال ونساء، شيئ لا يصدق من الألمان الذين يعتبرون أساتذة عقل ومنطق…!
أما في بريطانيا فكان نجاحه مدوياً بكل المقاييس، ولولا أني أريد أن أتحفظ على ما أعلم، فهناك شخصيات كانوا يتوسلونه أن يقرأ لهم الطالع، منهم شخصيات رسمية في الصف الأول. وآخرون كانوا يرسلون له طائراتهم الخاصة ويتمتعون برعاية فاخرة وفخمة في عواصمهم، ويغدقون عليه مما يصعب تصديقه، وشخصية رقم 1 في دولة كبيرة، ترسل له طائرة خاصة بصفة مستعجلة ليقرأ الطالع أو ليفسر حلماً…. وتغدق له الأموال… شيئ لا يصدق أن يقوم سياسيون أوروبيون من مرتبة الصف الأول بالاعتماد على تقرير من قارئ الكف عراقي، ولكنهم يثقون به ويطلبون منه كتمان ما يعلم وأصاب ثروة كبيرة، ولكنه كان يحافظ على أسرارهم الشخصية والسياسية حتى وفاته.
المدهش أن نسمع أن سياسيين أوروبيين يعتمدون على قراءة الكف وتفسير الاحلام، أما أن يتعاطى ذلك مسؤولون في الشرق، فهذا يحتمل تصوره، فالشرقي بتكوينه الأسري والاجتماعي يتقبل فكرة الغوامض والاسرار، والغيبيات والخرافات.
أما شرح هذا الموضوع علمياً … فهذا يحتاج لكتابة وبحث اعمق …