مقالات

في الرؤية الإسرائيلية للمجزرة “دفاعا عن النفس”!

في الرؤية الإسرائيلية للمجزرة “دفاعا عن النفس”!

 

معروفٌ أن جرائم الحرب تندرج ضمن مجموعة الجرائم الدولية، وهي مُخالفاتٌ تمس القيم المشتركة للمجتمع الدولي بأسره وتتسم بخطورة خاصة. وقد شرّعت دول كثيرة قوانين خاصة تهدف إلى تعريف هذا النوع من المخالفات وسبل معاقبة مقترفيها كما يستوجب القانون الدولي.

لا تنحصر نزعة رؤية المجزرة دفاعاً عن النفس وليست جريمة حرب في صفوف عناصر الجيش الإسرائيلي، مثلما ثبت في الحرب المستمرّة على غزّة، بل تتعدّاه إلى المجتمع الإسرائيلي في معظمه، والذي كما وصفه المحلل الصحافي روغيل ألفر أخيراً لا يبدي أدنى “تعاطُف مع الغزّيين. حتى مع الغزّي الذي يعمل فعلاً في منظمة إغاثة، وقُيّدت قدماه، وتلقى رصاصة في رأسه من المسافة صفر، بينما كان يصلّي راجياً الحياة”. ويحظى هذا الموقف بغطاء قانوني توفّره المحكمة الإسرائيلية العليا. ومن جديد النماذج على ذلك، وبالتأكيد ليس الأخير، رفض هذه المحكمة قبل فترة وجيزة طلب التماس قدّمته إليها قبل عام خمس منظمات من المجتمع المدني لمطالبة الدولة بضمان إيصال المساعدات والإمدادات الحيوية إلى قطاع غزّة، وقرّرت أن إسرائيل تفي بالتزاماتها بموجب القانونين الإسرائيلي والدولي.

وبحسب ما كتب أستاذ القانون في جامعة تل أبيب إيال غروس، قبلت المحكمة العليا موقف دولة الاحتلال، وتجاهلت حالة سكان قطاع غزّة. ومن جهة أخرى، أدارت ظهرها لمؤشر الأمن الغذائي العالمي (IPC)، الذي يُستخدم لتقييم الأمن الغذائي، وتشارك فيه وكالات تابعة للأمم المتحدة ومنظمات إنسانية دولية، وكان قد حذّر منذ اندلاع الحرب مراراً من أن جزءاً كبيراً من سكان القطاع على عتبة المجاعة، وهي أخطر درجة من انعدام الأمن الغذائي.

وأظهر تحليل لـ”يش دين” (يوجد قانون)، وهي منظمة متطوعين إسرائيليين لحقوق الإنسان، نُشر في يوليو/ تموز 2024 وفحص عمل جهاز فرض القانون الإسرائيلي، أنه يتم الردّ على الشبهات بتنفيذ جرائم الحرب في إسرائيل على النحو التالي: الامتناع عن التحقيق مع صُنّاع القرارات والسياسات من أصحاب المناصب والرتب العالية في الحكومة والجيش والنيابة العسكرية المسؤولين عن وضع سياسة استعمال القوة، بل حتى لا يتم توجيه النقد إليهم. كذلك هناك امتناع عن الفحص اللائق والناجع، ويماطل الجهاز في عمله، ويجري إغلاق غالبية الملفات التي يقوم بفحصها من دون القرار بفتح ملف تحقيق جنائي. وذلك إلى جانب منح الحصانة التامة تقريباً للضباط والجنود الذين يؤذون الفلسطينيين. وبموجب ما ورد في التحليل، هناك تقريباً صفر لوائح اتهام مقارنة بعدد الشكاوى المتعلقة بمخالفات الجنود والضباط، وفي الحالات النادرة التي تتم فيها الإدانة يكون الحكم طفيفاً وحتى سخيفاً مقارنة بماهية التهمة.

وسبق لـ”يش دين” أن أصدرت في تشرين الأول/ أكتوبر 2013 تقريرا يعدّ الأول من نوعه عن جرائم الحرب في القانون الإسرائيلي وفي قرارات المحاكم العسكرية (ترجمه إلى اللغة العربية وأعدّه للنشر سليم سلامة)، يتوصل إلى خلاصة مركزية مؤداها الدعوة إلى سنّ قانون خاص يتيح إمكان إجراء محاكمات في إسرائيل بتهمة ارتكاب جرائم حرب.

ومعروفٌ أن جرائم الحرب تندرج ضمن مجموعة الجرائم الدولية، وهي مُخالفاتٌ تمس القيم المشتركة للمجتمع الدولي بأسره وتتسم بخطورة خاصة. وقد شرّعت دول كثيرة قوانين خاصة تهدف إلى تعريف هذا النوع من المخالفات وسبل معاقبة مقترفيها كما يستوجب القانون الدولي. أما في إسرائيل فلا يزال سجل القوانين يعاني من ثغرة غياب قانون يعرّف جرائم الحرب، بينما تتولّى المحاكم العسكرية الإسرائيلية محاكمة الجنود الذين ينتهكون قوانين الحرب، ولكن الوضعية القضائية السارية المفعول تؤدّي إلى إدانة المتهمين بارتكاب جرائم حرب بمخالفات “عادية” بل وبسيطة لا أكثر. ولا تأخذ هذه الإدانات بالحسبان الخطورة الخاصة التي ينطوي عليها ارتكاب جنديٍّ هذه المخالفات في مقابل سكان مدنيين في إطار ما تسمّى “مواجهات مسلحة”. كما يبيّن التقرير أن الأغلبية الساحقة من هذه المحاكمات تنتهي بمعاقبة المُدانين بعقوبات مخففة على نحو بارز.

وقال مُعدّ التقرير ليئور يفنه إن إسرائيل سبق أن سنّت تشريعاً يحظر قتل شعب، غير أنها لم تسن لغاية الآن قوانين تدين جرائم الحرب، في إشارة ضمنية إلى أنها تجيز ارتكابها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب