كتب
دلالات توقيع ترامب اتفاق الشراكة الاستراتيجية مع السعودية وقرار رفع العقوبات الاقتصادية عن سورية بقلم الدكتور رياض العيسمي
بقلم الدكتور رياض العيسمي

دلالات توقيع ترامب اتفاق الشراكة الاستراتيجية مع السعودية وقرار رفع العقوبات الاقتصادية عن سورية
بقلم الدكتور رياض العيسمي
إن مفهوم الشراكة الاستراتيجية استخدم لأول مرة من قبل الرئيس الأمريكي بيل كلينتون لتوصيف العلاقة مع الصين في عام ١٩٩٤ بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. وكنت قد ركزت على هذه الحيثية في كتابي “الولايات المتحدة ومآلات الصراع على الشرق الأوسط: التنافس الجيواستراتيجي وانتظام العالمي الجديد” الذي صدر في عام ٢٠٢٢. وجاء في الكتاب: “أما اليوم، وبعد ثلاثين عاما على سقوط الاتحاد السوفييتي وانتهاء الحرب الباردة وتحول الصين من شريك استراتيجي للولايات المتحدة إلى منافس استراتيجي لها، لا بد للولايات المتحدة أن تأسس لاستراتيجية جديدة للتعامل مع هذ التحول التاريخي في العالم. ولكي تكسب في صراعها مع الصين في التنافس على قيادة العالم، لا بد لها بداية أن تنهي الحرب العالمية الثالثة الدائرة على أرض سورية لصالحها. وأن تتعامل مع الشرق الأوسط كما تعاملت مع أوروبا بعد الانتصار في الحزب العالمية الثانية. وإطلاق ودعم مشروع كمشروع مارشل لاعادة إعمار وبناء الشرق الأوسط. وخلق علاقة شراكة استراتيجية معه ليكون المنطقة الجيواستراتيجية المتقدمة لها في مواجهة النفوذ الصيني كما كانت أوروبا في مواجهة الاتحاد السوفييتي بعد الحرب العالمية الثانية.”
لم يستطع الرئيس بايدن خلال فترة رئاسته من ٢٠٢١ -٢٠٢٥ ارساء قواعد استراتيجية جديدة مختلفة في التعامل مع الصين والشرق الأوسط بالشكل المطلوب. وانما اقتصرت سياسته على اطلاق مبادرة ما عرف بطريق الحرير الأمريكي الذي يبدء بالهند ويمر عبر الإمارات والسعودية والأردن ووصولا إلى إسرائيل وليعبر البحر الأبيض المتوسط إلى أوروبا. وبالرغم من أهمية الهند ودول الخليج في أية استراتيجية جديدة للولايات المتحدة في مواجهة تمدد وتوسع نفوذ الصين. إلا أنه يبقى مجرد طريق واحد انتقائي للولايات المتحدة مقابل شبكة كبيرة من الطرق التجارية للصين باتت تحزم المنطقة والعالم منذ البدء في بتنفيذ معاهدة الحزام والطريق عام ٢٠١٧. كما ولم تتعامل ادارة الرئيس بايدن مع الشرق الأوسط بكونه كتلة جيواستراتيجية واحدة ومهمة في غرب اسيا لمقابلة الصين في شرق أسيا، وأنما تمادت ادارته في ترسيخ الاستراتيجية الأمريكية التقليدية التي ترتكز على دعم إسرائيل على حساب الدول الأخرى في المنطقة. ولم تاخذ بعين الاعتبار دور السعودية المحوري في عملية التحول الجيواستراتيجي الحاصل في المنطقة والعالم.
لقد كانت الحالة الارتجالية والشخصية والطبيعة الانعزالية والتقسيمية للرئيس ترامب، التي سادت في فترة رئاسته الأولى، ٢٠١٧-٢٠٢١، هي أحد أهم الاسباب التي أدت إلى انتخاب الرئيس بايدن. وكان ضعف الرئيس بايدن وترهل عمل ادارته وغياب الاستراتيجية “الخلاقة” على صعيد الاقتصاد والشرق الأوسط والعالم، وتحديدا مع الصين، هو السبب الاساس في عودة ترامب إلى الرئاسة. هذا وبالرغم من التخبطات السياسية والاستراتيجية التي اتخذتها ادارة الرئيس ترامب الجديدة، وخاصة شن الحرب التجارية على الصين والعالم من خلال فرض الرسوم الجمركية، إلا أنه اقتنص الفرصة مؤخرا لتسجيل سبق تاريخي في انتهاج استراتيجية جديدة مختلفة للولايات المتحدة طال انتظارها منذ انتهاء الحرب الباردة. والتي تمثلت بالمبادرة لوقف الحرب الروسية الاوكرانية، واعادة تقييم دعم وعمل حلف الناتو. وكذلك المبادرة لوقف الحرب على غزة والمضي في مشروع السلام الإبراهيمي للتطبيع مع إسرائيل، الذي كان قد بدأه في دورته الرئاسية الأولى. وبالرغم من تعثر المبادرتين لأوروبا والشرق الأوسط، إلا أنهما مازالتا مستمرتين. وكان قد اتخذ مجموعة من الخطوات الجريئة لوقف الحرب في غزة. وكان أولها عدم الموافقة الكاملة على مشاريع نتنياهو في توجيه ضربة عسكرية قوية لايران. وسيطرت إسرائيل على كامل المنطقة بالقوة العسكرية. والتي من شأن هذه الحروب ان تقلل من فرصه للحصول على جائزة نوبل للسلام، التي لم يخف طموحه ورغبته في الحصول عليها. لما لها من دلالات على صعيد العالم. كما وفرض رسوم جمركية على واردات إسرائيل للولايات مثلها مثل الدول الأخرى.
وفتح حوار مباشر مع حركة حماس والسلطة الفلسطينية للتمهيد لبدء العمل في فرض حل على كل الأطراف. ولكن الخطوة الأهم التي اتخذها الرئيس ترامب هي زيارته إلى السعودية ودول الخليج، التي وصفها بالتاريخية. وتوقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية مع السعودية، وإعلان رفع العقوبات عن سورية من الرياض واستقبال الرئيس الانتقالي لسورية احمد الشرع فيها، والاتصال مع الرئيس التركي أردوغان منها لاطلاعه على حيثيات الزيارة، له العديد من الدلالات السياسية والاستراتيجية. والتي يمكن ان تستكمل مسار الاستراتيجية الأمريكية الجديدة بإطلاق مبادرة مشروع كمشروع مارشل لاعادة بناء إعمار الشرق الأوسط، وتحديدا سورية ولبنان وغزة، وبتمويل خليجي وتنفيذ أمريكي بشكل اساسي. واستبعاد منها مل من روسيا والصين المنافس الأكبر للولايات المتحدة.
لا شك بان ما حصل في الرياض خلاد اليومين الأخيرين هو خطوة كبيرة على الطريق الطويل للاستراتيجية الأمريكية “الخلاقة”. وما يجعل هذه الخطوة تكتسب الاهمية والجدية هو باصطحاب الرئيس ترامب معه إلى السعودية فريق تنفيذي متخصص من كبار العقول الاستراتيجية والاقتصادية والمالية والتجارية والأمنية.
ولعل هذا الحدث الكبير يرفع من منسوب الأمل عند شعوب المنطقة، والذي طال انتظاره.