مقالات

تحليل لعناصر الموقف السياسي في سوريا بقلم الدكتور ضرغام الدباغ

بقلم الدكتور ضرغام الدباغ

تحليل لعناصر الموقف السياسي في سوريا
بقلم الدكتور ضرغام الدباغ / برلين
هذه الصفحة مفتوحة وبهذا العنوان منذ أكثر من عشرة أيام، وأنا أحاول أن أصل إلى مرحلة فاصلة في تطور الاحداث، ويبدو أن الاستقرار بعد الاعتراف الأمريكي بالنظام الجديد، أن المجريات ستحقق تراكما في الموقف بصفة متواصلة. واستقراراً افتقدته سوربا منذ أكثر من نصف قرن.
ابتداء لابد من ذكر حقيقة موضوعية، أن الاحداث التي تشهدها سورية، هي عبارة عن ظواهر لتراكم أحداث تدور في سورية منذ عام 1970، ونظام حكم يتراجع في فحواه ومحتواه العام، لينحدر إلى نظام يكرس الفردية في حكم الدولة، حتى أصبح كمعظم أنظمة الحكم الطغيانية بلا هوية فكرية/ اجتماعية مميزة، بمؤشر اضمحلال متلاحق في دور الحزب إلى أن أصبح لا يمثل أكثر من دائرة علاقات عامة، يخدم الحاكم، ويستثمر أسم الحزب، وأنتهى بالمقابل دور الجبهة الوطنية، إلا حينما يحتاج النظام أطراف الجبهة أن يضعوا تواقيعهم ويستخدمهم كدروع بشرية في مغامراته السياسية.
ومع اندلاع أحداث الانتفاضة الشعبية التي شارك فيها السواد الأعظم للشعب، في فبراير/ 2011 فصاعداً، صم الديكتاتور أذنيه عن سماع النصائح التي قدمت له من جهات حتى تلك التي تعتبر حليفة له (روسيا)، كانت تخشى تفاقم الاحداث لدرجة لا يمكن التحكم بنتائجها، وتصاعد تطور العنف الدموي للنظام بدرجة ليبلغ حجم الإبادة الجماعية، ومما وضع النهاية المؤكدة للنظام، ولم تعد مسألة نهاية النظام سوى مسألة وقت، بعدما خسر كافة مقومات وجوده.
ومن أبرز مظاهر ونتائج مرحلة الانحطاط والانحدار:
• هو فقدان النظام لفلسفة الحكم، فالنظام الذي كان يعتبر قومياً بدرجة أساسية، لم يعد كذلك بصفة كلية، حتى صار لا يؤتمن حضوره في مؤتمرات كبيرة.
• والنظام الذي كان جهات عديدة تعتبره يساريا، بات يسلك مسالك معاكسة، فالأسرة الحاكمة التي اعتمدت النظام الوراثي، سيطرت بنفسها على معظم مصادر الداخل القومي ومفاصل الحياة الاقتصادية.
• والنظام الذي كان حاملاً للواء المقاومة والتحرير، بات يقيم الاتفاقات السرية والشبه علنية، مع المحتلين، وتخلى عن مسؤولياته تجاه محافظة سورية كاملة (القنيطرة) وأشهر عجزه عن تحريرها واستعادتها سلماً أو بوسائل المقاومة. بل وأدخل تأثيرات العدو المحتل في التوازنات السياسية المحلية (داخل البلاد).
• نتيجة منطقية لذلك، صارت القرارات السياسية تصاغ في عدة عواصم (أجنبية) وتعاد صياغتها عدة مرات قبل إعلانها .
• وحين أدت ممارسات النظام إلى خلخلة الموقف السكاني، / الديمغرافي، وكان ذلك (بعد قتل نحو مليون و200 ألف مواطن، وتهجير نحو 16 مليون لخارج البلاد)، كان لابد أن يتخلخل الموقف السكاني) وبدت عواقبه وانعكاساته القريبة والبعيدة، تمثل عجزا واضحاً في بنية البلاد، ومن أجل تأمين مستقبل الحكم،
• تهاون النظام بدرجة غير مقبولة فأدخل قوات مسلحة إلى داخل البلاد مهمتها قمع الشعب، فجلب قوات إيرانية وروسية، وميليشيات (عصابات) لبنانية. وبدأت أعداد كبيرة منها تستوطن البلاد في محاولة (لم تكن ناجحة تماماً) أو تستولي على مصادر الثروة الاحفورية (نفط وفوسفات).
• لتغطية العجز في القوة العاملة. وحين واجهت النظام أزمات مالية بسبب تخلخل الموقف السكاني، فالعناصر الداخلة بدأت تشكل قوى وعناصر ضغط واحداثيات في الخريطة الداخلية على كافة الأصعدة بنتائج سلبية.
• حين ترك الخدمة العسكرية الجزء الأعظم من القوة البشرية في القوات المسلحة، وأصبح الموجود من المكونات المتعاونة بالكاد تغطي حاجات القوى الأمنية (الأمن والمخابرات، والشرطة) وكنتيجة لذلك، تراجع مستوى الأداء لمؤسسات في غاية الأهمية، حتى بلغ درجة متدنية للغاية، وقاد العجز في القوة، إلى استخدام مفرط للعنف الدموي في السجون التي غصت بمئات الألوف. وإلى أستخدم واسع للأسلحة المحرمة (الكيمياوي، والبراميل المتفجرة والصواريخ البالستية).
• كان للاستخدام المفرط للعنف المسلح، آثاره السلبية العميقة : أتساع التدخل الروسي، الإيراني، ميليشيات حزب الله، وهو ما أفقد النظام شرعيته الوطنية / القومية، ومع تعمق النفوذ الأجنبي في البلاد، وتمثل هذا النفوذ بالتمدد الاقتصادي في مرافق اقتصادية مهمة: النفط، الموانئ، الفوسفات، التجارة السوداء بالممنوعات). وهذا النفوذ قاد إلى تنافس ثم إلى اصطدام بين القوى، وهذا بديهي.
• أدى التراجع في الموارد إلى أن تقوم الدولة بشخص الرئيس وحرمه، وشقيقه (قائد فرقة مدرعة) إلى تولي صناعة المخدرات بأنفسهم، وتتولى الدولة بأجهزتها تهريب المخدرات ابتداء للأقطار العربية، وصولاً إلى أوربا والعالم.
• إزاء كل هذه الحقائق الموضوعية، عجز النظام عن إيجاد الحلول المنطقية، وفي السنوات الأربعة الأخيرة بات النظام يمنح الصلاحية لجميع المشاركين في الحفلة التنكرية: ” كل يدبر مصادر تمويله ” وأصبح الجيش كنظام الاقطاعات العسكري، زمن أفول الدولة العباسية، أو بارونات الحروب الصليبية في أوربا.
• تكرم السيد الرئيس وأفرغ خزائن البنك المركزي من العملات ومما خف وزنه وغلا ثمنه، وشحنها بطائرة، وشحن نفسه وعائلته، وباي باي سوريا …!
• وفق هذه الفقرات أعلاه، ليتكرم أحد ويخبرنا ماذا تبقى من مقومات الدولة.. ولماذا يتعين ما يسمى “بالجندي” أن يقاتل، ودفاعاً عن ماذا …؟
• والسؤال الأكبر الذي يواجه نظام الإدارة ” من أين نبدأ ….؟ “.
• الروس كما يقال بالمثل السوري ” فتيلتهم طويلة ” وبطنهم كبيرة يستوعبون بشار وعشرة من أمثاله، من خفيفي الظل والحركة،
• الميليشيات اللبنانية في حيص بيص، وهم سيخسرون قريباً تسيدهم سوق تجارة المخدرات. بعد خسارتهم سوق المقاومة والممانعةـ
• الخاسر الأعظم، هم ملالي طهران، فهم أضاعوا الخيط والعصفور … وربما حتى كراسيهم المعفنة..
• الشعب السوري كسب حريته، وبوسعه على الأقل أن يغني ويزغرد في الشوارع، وكله يهون إلى أن تستعدل الأمور وتعود الشام زهية بهية في وقت نتمنى أن لا يكون طويلاً.
• الأشقاء العرب صار بوسعهم أن يتحدثوا بحضور رئيس الجمهورية العربية السورية بحرية على أنه رئيس سوريا، وليس ممثل الملالي في الجامعة العربية. لقد ازيحت صخرة ثقيلة من على صدورهم.
• الروس ارتاحوا من تغير النظام، ولطالما كان دعمهم لنظام الأسد يمثل وخزة ضمير لهم، الآن يحل رئيس النظام وبحوزته، (ليست بحوزته تماماً في بنوك ومصالح روسية) ما لا يقل عن 23 مليار دولار، بين أموال سائلة، وبين عقارات فاخرة. وسبائك ذهبية، (نقل البنك المركزي السوري لموسكو) ووجوده إحراج سياسي وقضائي لروسيا، ولكني أستبعد أن يسلموه، وسيعادلونه بصفقات مع سوريا الجديدة وكل شيئ بحسابه،
• ملالي طهران كانت حساباتهم كلها خاطئة، وخسارتهم لنظام الأسد موجعة جداً، ولكنهم مع ذلك فقد خلصوا منه لأنه كان متعباً بعلاقاته الخفية والعلنية شخصا غير موثوق به، وأنه بشكل ما كان يبتز طهران لأنه يعرف غلاوته عندهم، ومع ذلك فالخسارة كبيرة جداً سياسياً، إذا خسروا نظاماً كان يعد من أهم أذرعهم في المنطقة، وطالما نفخ وتمنفخ قادة طهران حتى العسكريون منهم، بأننا نحن من يدير نظام دمشق، والخسائر الاقتصادية يصعب تقدير المليارات التي كلفتهم عملية دعم السيد الرئيس. ولكنها لا تقل عن 100 مليار دولار،
• إذا أضفنا الخسائر في لبنان، وهي الأخرى جسيمة، حيث أني أطلعت على تقرير أن طهران تحول مبلغ 54 مليون يورو لبيروت شهرياً، وهذا حسب تقديرات 2005، وإذا حسبنا كلف السلاح والعتاد، ورواتب مرتزقة حزب الله (يتقاضى المقاتل / المرتزق راتباً يعد عالياً في لبنان)، ومرتزقة الكلمة، وفي لبنان إذا قبل أحدهم السلام عليك، فهو لا يفعل هذا لوجه الله، والحياة المعيشية باهضة، والمجازفة بالحياة واردة في كل دقيقة، ولهذا فالاسرائيليون والأمريكان حين يفرضون رقابة مالية مشددة، فهذا سوف يؤدي لجفاف ضرع البقرة الحلوب في تيهران …
• إيران ستحاول أن تستعيد ولو 10% من نفوذها الذي ” ذهب مع الريح ” ولو حتى أقل، ومن ذلك لمراعاة خيبتهم أمام المسكين الأعظم “الشعب الإيراني”، وورقة تفاوضية أمام الاعصار الأمريكي ” تسونامي ترامب “، ليقنعوهم وبتوسل” راعوا خواطرنا، نحن مهمين في الشرق الأوسط “.
• الأمريكان سيضحكون في عبهم ويقولون في سرهم ” نحن أعرف منك بقواكم الحقيقية، لأن قادة الحشد يستلمون منا الرواتب، ونحن نعلم ماذا يوجد في العراق تحت كل صخرة وحجر ..وكذلك لبنان واليمن، أما سورية ولبنان فالأفضل لكم أن تنسوهما خالص ..!
• ملالي طهرن بقلة ذكاء ومفهومية، يعتقدون ويا للدهشة، أن ما زال بوسعهم أن يفعلوا شيئ في سورية، وسيضعون خسائر جديدة ..فوق ما خسروا … وإن لم تشبعوا من يقظة، فمن المنام …والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب