سيرجي لوزنيتسا يغوص في أعماق الستالينية

سيرجي لوزنيتسا يغوص في أعماق الستالينية
كان | يُقتاد رجل عجوز جائع إلى زنزانة خالية من كلّ شيء، باستثناء موقد صغير. يحمل الرجل العجوز كيساً كبيراً قذراً مليئاً بالرسائل على ظهره. بأمر من الجندي، ينثر محتويات الكيس في الزنزانة، فتتناثر الرسائل على الأرض.
يجلس الرجل بجانب النار، ويفتح رسالة ويقرأها، ثم رسالة أخرى وأخرى، ليلقي أخيراً حفنةً من الرسائل في النار من دون أن يفتحها. هذه الرسائل هي صرخات وتوسلات سجناء يحاولون رفع قضايا للمطالبة ببراءتهم والتعبير عن التزامهم الراسخ بالشيوعية.
نحن في عام 1937، في الاتحاد السوفياتي، في أوج عهد الستالينية، إذ أُحرقت آلاف الرسائل من سجناء اتهمهم النظام ظلماً بالسجن.
بسحر ساحر وصلت إحدى هذه الرسائل إلى مكتب كورنيف (ألكسندر كوزنتسوف)، المدعي العام المحلي الشاب المُعيّن حديثاً. يبذل كورنيف قصارى جهده لمقابلة السجين صاحب الرسالة، ضحية العملاء الفاسدين من «المفوضية الشعبية للشؤون الداخلية» (NKVB)، التي أصبحت لاحقاً لجنة أمن الدولة أو المخابرات السوفياتية (KGB). يشتبه المدعي العام البلشفي المخلص والمؤمن بالثورة بسلسلة من الانتهاكات والمخالفات القانونية في السجن.
سيقوده بحثه إلى المدعي العام في موسكو، محاولاً تغيير شيء وتنفيذ القانون.
أخيراً، عاد المخرج الأوكراني سيرجي لوزنيتسا، إلى المسابقة الرسمية لـ«مهرجان كان» المستمرّ حتى 24 أيار (مايو) بفيلم روائي بعد سلسلة من الأفلام الوثائقية. الفيلم الجديد كناية عن تأملات مريرة وساخرة عن الستالينية، وعن عمليات التطهير الكبرى، عن الإبادة المنهجية للمعارضين السياسيين، عن البيروقراطية العنيدة، وأيضاً عن وهم وبراءة وسذاجة المُثُل العليا.
«مدّعيان عامان» (Two Prosecutors)، فيلم يستند إلى قصة للفيزيائي والسجين السياسي جورجي ديميدوف، الذي اعتُقل عام 1937، وأمضى 14 عاماً في معسكرات العمل السوفياتية، وأنجز كتاباً عن تجاربه عام 1969، لكنه لم يُنشر إلا عام 2009.
«مدّعيان عامان»، فيلم ذو إلهام مسرحي، صارم بطريقة تقديمه، هندسي جداً، خانق وكئيب تسوده ظلال من السواد والرمادي.
يحاول لوزنيتسا مرّة أخرى الكشف عن الأعماق المظلمة للستالينية، لكن ينتهي به الأمر إلى عمق… فارغ. في الواقع، لا مفاجآت في الفيلم، ما بدأ كأنه تحقيق مثير، انتهى في مكانه، لأننا نعرف مصير المدعي العام من الأول، وإن كان مصيره غير مهم، والأهم هي الرحلة. إلا أن هذه الرحلة يسودها شعور بالحصار، وعدم القدرة على الحركة بحرية.
يخيّم شعور بالملل والضجر على سردية الفيلم. يحاول المخرج نقل عبثية الآلية البيروقراطية السوفياتية، غير المجهّزة لحلّ أيّ مشكلة، ولكن ما فعله هو أنّ فيلمه أصبح بيروقراطياً مملاً بلا نهاية.
نعرف لوزنيتسا كمخرج كبير يراقب التاريخ، ويحلّله، ثم يعيده إلى الشاشة الكبيرة في أجزاء صغيرة، ولكن ما فعله هنا هو رحلة كافكاوية مضجرة. وفوق كلّ هذا، بالنظر إلى ما لدينا من معرفة تاريخية، تبدو شخصية المحقق العام الشاب سخيفة لمجرد رغبته في الوقوف في وجه النظام السوفياتي بمفرده.