نصيحة للموظفين العرب

نصيحة للموظفين العرب
أعتقد أنّ الذين يغضبون ويشتمون هم أولئك الذين ما زالوا يعيشون وهمًا بأنّ هذه الأنظمة قادرة على الفِعْل ولكنّها لا تفعل، يظنّون أنّها قادرة على التشاور وتقليب الأمر على مختلف وجوهه ثم يتّخذون قرارًا.
ما من كلمات مُقذعة إلا ووجِّهت في منصّات التّواصل الاجتماعي إلى المشاركين في ما سُمّي “قمة بغداد” وهذا ليس جديدا، فبعد كل قمة تدور الأسطوانة نفسها! لماذا الغضب والشتائم، وهل هي موجّهة إلى العنوان الصحيح؟
أعتقد أنّ الذين يغضبون ويشتمون هم أولئك الذين ما زالوا يعيشون وهمًا بأنّ هذه الأنظمة قادرة على الفِعْل ولكنّها لا تفعل، يظنّون أنّها قادرة على التشاور وتقليب الأمر على مختلف وجوهه ثم يتّخذون قرارًا، مثلا كسر الحصار عن قطاع غزّة، وإنقاذ الناس من الجوع والإبادة والتّهجير، ولكنّهم لا يفعلون! هنا يكمن الخطأ، ومن ثم تأتي ردّة الفعل خاطئة وفي غير مكانه.
ببساطة لأنّهم موظفون وليس أكثر، فهم ليسوا زعماء ولا قادة كما اعتاد الإعلام أن يطلق عليهم حتى صار الناس يتداولون صفة زعيم وقائد وإلخ.
الزّعيم والقائد هو من يصنع السّياسات، القائد هو من يقودُ الناس على أسس عقائدية يؤمن بها، سواء كنت تتّفق أو لا يتّفق معه، وسواءً كان مصيبًا أم مخطئًا في قراراته، ولكنه ينطلق من عقيدة وقناعة يسعى إلى تطبيقها.
مثل هذا يحتاج إلى قائدٍ وليس إلى موظّف، فالموظّف ينفّذ ما يُطلبُ ويُرسمُ له من غير أي تعديل، فالفاصلة والنقطة ونهاية السّطر وكل شيء، يجب أن يكون في مكانه.
هؤلاء الموظّفون ينفذّون فقط، وإذا كان لديهم ما يبدعون به، فهو فقط في كيفية إرضاء القائد الأكبر وهو الزّعيم الأميركي.
قد يغضب الزعيم من هذا الموظّف أو ذاك فيعاقبه بالاستغناء عن خِدمته وتعيين موظف آخر مكانه، أو بتخفيض راتبه، أو بتجاهله وتهميشه وإشعاره بعدم حاجة المعلّم الكبير له، وهذا الأمر يربك الموظّف المسكين ويدفعه إلى التصرّف بعصبية لإثبات جدارته بالوظيفة.
القائمون بدور وظيفة رئيس وزعيم بلاد وقائد دولة، تُشغّلهم أميركا، وهي تتكفّل بحقهم في الحماية، وما عليهم سوى تنفيذ ما يطلب منهم.
لهذا ليس من حقّ أحدٍ أن يتوجّه إلى موظّف وإهانته وشتمه، فهو مسكين يُنفّذ ما يُملى عليه.
قد يكون الموظّف طيّبًا ويقول “والله لو بيدي لساعدتُ، ولكنّ العين بصيرة واليد قصيرة”، وهذا جيّد.
هنالك موظّفون يرفضون الاعتراف بمحدوديّة نفوذهم، ويحاولون الإيهام بأنّهم مستقلون، ويعملون بقناعاتهم، ولكنهم سرعان ما يرجعون إلى حقيقتهم.
مثل أيّ مؤسسة، قد تجد أحد الموظفين نَزِقًا ويتعهّد بتطبيق العدل والإنصاف، ويهدّد بالاستقالة من عمله إذا لم ينفّذوا له مطالبه، ولكنّه في اللحظة الحاسمة يعتذر ويعترف بعجزه، وقد يجد ثغرة قانونية يتذرّع بها لعدم تنفيذ وعوده، ويتمسّك بوظيفته.
وقد يكون الموظف محترمًا جدًا ويعترف بأنّه عاجز عن اتخاذ قرارات مستقلة، وليس بيده شيء.
هذا هو واقع ما يسمى القيادات والزّعامات العربية التي تجتمع بين فترة وأخرى تحت مسميات غريبة مثل “مؤتمر القمّة العربية”.
مساكين، كلّهم موظفون لدى الأميركي، وكلٌّ يحاول إثبات جدارته وإخلاصه للمعلّم الكبير.
لهذا يخطئ الجمهور عندما يتساءل أين القادة العرب؟ لماذا لا يتحرّك الزعماء العرب لإنقاذ شعب قطاع غزة من الإبادة.
ما ينطبق على الموظّفين العرب لدى الأميركي، ينطبق على الإسرائيلي وهو كبير موظفي المنطقة.
بيبي نتنياهو مثلا، أو غيره هم موظّفون كذلك، ولكن لهم حظوة خاصّة، ومساحة أكبر للمناورة، فهم بمثابة مدير العمل في المنطقة، أو ما يسمى المقاول الفرعي، وينزعج جدًا إذا حاول أحدهم أن يستلم مكانه.
الإسرائيلي يتظاهر باستقلاليته عن المعلم الكبير، ولكنّه عند أوّل مشكلة جدّية تواجهه، يرتمي في حضن المعلم طالبًا إنقاذه، ويعترف بحجمه الحقيقي.
لا تطلبوا منهم شيئًا ولا تأملوا منهم شيئا، ولا تشتموا ولا تحقدوا أو تشمتوا على موظّفين مساكين.
سوف يستمر هذا الحال، يذهب موظّف ويحلُّ مكانه آخر، قد يُجعجع قليلا ضد سابقه، أو ضد زملائه الموظفين، قد يظهر غضبًا على مدير العمل الإسرائيلي، ولكنّه في النهاية يلتزم في ولائه للمعلّم الكبير، ويمارس دوره الوظيفي بذكاء ودهاء أكثر من سابقيه.
أفضل نصيحة ممكن توجيهها إلى ما يسمى القادة العرب، هي أن يحوّلوا جامعة الدول العربية إلى نقابة للموظفين يطلقون عليها مثلا “نقابة كبار موظفي الأقطار العربية”، وأن يوحّدوا كلمتهم في طلباتهم من المعلّم. النّقابة قد تفيدهم في تحصيل بعض الحُقوق، مثل إعفاءات من بعض الديون، ورفع الرّواتب، وتمديد فترات تسديد القروض، ووضع حدٍّ للإهانات التي يتعرّضون لها من مدير العمل الإسرائيلي، الذي يصرُّ على التّقليل من قيمتهم وإهانتهم وإحراجهم من غير ضرورة، ما دام أنهم ينفّذون كل ما يطلب منهم من غير تلكُّؤ.