الصحافه

غزة نحو “كارثة إنسانية” وإسرائيل إلى “عربات لاهاي”: ماذا يقول ترامب؟

غزة نحو “كارثة إنسانية” وإسرائيل إلى “عربات لاهاي”: ماذا يقول ترامب؟

عاموس هرئيل

الجمعة الماضي، بالضبط في الوقت الذي غادر فيه ترامب الشرق الأوسط عائداً إلى بلاده، بدأ الجيش الإسرائيلي بتوسيع العملية البرية في قطاع غزة. حسب القوات المشاركة في العملية، لا يدور الحديث حتى الآن عن إعادة احتلال القطاع، وليس واضحاً إذا كانت هذه العملية بتنسيق مع الإدارة الأمريكية، أو إذا كان ترامب تناقش مع نتنياهو حول موعد محدد لإنهائها.

زيادة الضغط العسكري ساعدت على إعادة حماس إلى طاولة المفاوضات، لكنها لا تضمن بالضرورة تقدماً سريعاً في المفاوضات. انطلقت العملية في الوقت الذي ازدادت فيه التحذيرات من مجاعة جماعية في القطاع، وبعد قتل مئات الفلسطينيين الذين معظمهم من المدنيين، في عمليات قصف سلاح الجو. في الوقت نفسه، ربما يزداد الخطر على حياة الجنود والمخطوفين.

ازدادت الهجمات الجوية في نهاية الأسبوع، واستهدفت المس بقدرة حماس العسكرية وبقادتها قبل البدء في العملية. الخطوة الحالية تفتتح بالفعل عملية “عربات جدعون”، التي بدأت في إطارها قوات منظمة تعمل –حتى الآن بشكل بطيء– بالتوازي في شمال ووسط وجنوب القطاع.

خطة العملية في القطاع مرت بعدة نسخ في الأشهر الأخيرة. عندما تسلم رئيس الأركان الجديد أيال زامير منصبه في بداية آذار الماضي، عرض على الحكومة احتمالية القيام بعملية برية واسعة تشمل ست فرق، ستدمر حكم حماس وتؤدي إلى احتلال القطاع بشكل كامل

خطة العملية في القطاع مرت بعدة نسخ في الأشهر الأخيرة. عندما تسلم رئيس الأركان الجديد أيال زامير منصبه في بداية آذار الماضي، عرض على الحكومة احتمالية القيام بعملية برية واسعة تشمل ست فرق، ستدمر حكم حماس وتؤدي إلى احتلال القطاع بشكل كامل. عملياً، الاستعدادات الجارية الآن تستهدف القيام بعملية مقلصة. الجيش الإسرائيلي في الحقيقة أصدر أوامر تجنيد لعشرات آلاف رجال الاحتياط، لكن عدداً قليلاً منهم أرسلوا إلى القطاع، معظم الوحدات أرسلت إلى الضفة الغربية وعلى الحدود مع سوريا ولبنان، ولإرسال القوات النظامية إلى الجنوب.

عائلات المخطوفين المحتجزين في القطاع عبروا مؤخراً عن قلقهم من القرار الذي يلوح في الأفق. وحذر آباء المخطوفين أن ذلك قد يعرض حياة أبنائهم للخطر. وقال نتنياهو مؤخراً أن 20 مخطوفاً هم على قيد الحياة من بين الـ 58 مخطوفاً الذين ما زالوا لدى حماس. الاتصالات غير المباشرة بين الطرفين بوساطة قطر تم استئنافها أمس في الدوحة، حيث في الخلفية عملية عسكرية إسرائيلية.

وقال المستوى السياسي الأسبوع الماضي، إن الضغط العسكري والتهديد باحتلال القطاع أعادا حماس إلى طاولة المفاوضات، وهما ما يجعلان حماس تلين مواقفها. عملياً، موقف حماس معروف منذ فترة طويلة. كبار قادة حماس يريدون صفقة نهائية، يتم في إطارها إنهاء الحرب وانسحاب الجيش الإسرائيلي من القطاع وإطلاق سراح جميع المخطوفين مقابل إطلاق سراح آلاف السجناء الفلسطينيين. بعض الدول العربية، على رأسها السعودية ومصر، تريد اشتراط هذه العملية بإقامة نظام جديد في القطاع يرتكز على تدخل عسكري واقتصادي دولي، ويشمل دوراً للسلطة الفلسطينية. نتنياهو يرفض إعطاء أي دور للسلطة الفلسطينية في هذا الاتفاق. يتحدث الاقتراح العربي عن تنازل حماس عن السلطة، لكن يبدو أن بقايا قيادتها في القطاع ترفض في هذه المرحلة نزع سلاح حماس ونفي قادتها إلى الخارج.

احتمالية وقف القتال تتعلق الآن بترامب في الأساس، وبأمل إظهار اهتمامه بما يحدث في غزة. الرئيس الأمريكي يتحدث مع وسائل الإعلام كل يوم، أحياناً عدة مرات في اليوم. ولكن المشكلة هي في العثور على المعلومة الصحيحة بين التصريحات الكثيرة، المتناقضة أحياناً، ومحاولة تقدير النوايا، هذا مع معرفة أنها قد تتغير بين عشية وضحاها. قال ترامب أمس، إنه غير خائب الأمل من خطوات نتنياهو، الذي وصفه بأنه “شخص غاضب وفي وضع صعب” منذ المذبحة في 7 أكتوبر. قال الرئيس الأمريكي قبل يوم: “نتابع غزة، ونحن ذاهبون لعلاج هذا الأمر. الكثير من الناس يموتون هناك بسبب الجوع”. في حين تحدث وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، الخميس، هاتفياً مع نتنياهو، وقال إن “الإدارة قلقة من المعاناة في غزة”. ربما تدل أقوال روبيو أيضاً على خطورة الوضع في القطاع: حتى الآن، إدارة ترامب لا تهتم بهذه القضية.

في المقابل، بات واضحاً المكان الذي يجروننا إليه عملاء الفوضى؛ فعضو الكنيست تسفي سوكوت (الصهيونية الدينية) قال أول أمس في مقابلة أجرتها معه أوفيرا ولفنسون في القناة 12 بأن “الجميع تعودوا على قتل 100 غزي في ليلة واحدة أثناء الحرب (كما حدث في اليومين السابقين)، وهذا لا يهم أحداً”. ذات مرة، كان يمكن تجاهل هذه الأقوال، ولكن يتضح الآن أنها تشير إلى توجهات متطورة ومخيفة في سياسة الحكومة.

الجمهور في إسرائيل وبحق غير مبال في غالبيته بتأثير الحرب على المدنيين في القطاع ومعاناتهم، المتوقع أن توسيع العملية البرية والقيود التي تفرضها إسرائيل على إدخال المساعدات الإنسانية ستفاقم الأمر سوءاً. لا مبرر حقيقياً لاستئناف القتال، خصوصاً منذ التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في منتصف كانون الثاني الماضي. الوحيدون في الطرف الإسرائيلي، الذين لهم ما يكسبونه من الحرب الخالدة، هم نتنياهو الذي يأمل في البقاء هكذا سياسياً، وشركاؤه الأيديولوجيون في اليمين المتطرف، الذين يريدون تحقيق طموحاتهم التوسعية.

ينشغل الكابنت وجهاز الأمن مؤخراً في بلورة خطة جديدة لتوزيع المساعدات الإنسانية على الفلسطينيين. ولكنها عملية قد تواجه صعوبات كثيرة، وفي الأصل هناك تفاقم كبير في نقص الغذاء داخل القطاع. مصادر أمنية حذرت الأسبوع الماضي من أن الوضع قد يتدهور خلال العشرة أيام المقبلة إلى كارثة إنسانية. وإذا لم يوقف ترامب نتنياهو فستتجه إسرائيل إلى تورط دولي آخر، بعيد المدى، يشمل فرض عقوبات عليها.

قرار ترامب حول التدخل والوقت الذي يختاره، سيتأثر بما سمعه في دول الخليج. فقد عاد راضياً من زيارته للسعودية والإمارات وقطر، بعد أن وقع معها على صفقات بمبلغ إجمالي يصل إلى تريليون دولار. مكاسب الولايات المتحدة وعائلة ترامب لا تقتصر على ذلك، ولكن غزة تزعج زعماء الخليج؛ لأن استمرار النزيف والمعاناة هناك قد يشوش خططهم الكبيرة في ترسيخ نفوذ المحور السني في المنطقة. في الخطة التي ترسمها السعودية وشركاؤها أخطار من ناحية إسرائيل. ولكن هذه الحرب يجب أن تنتهي قبل أن تصل إلى كارثة إنسانية أخرى، وتقضي نهائياً على احتمالية إعادة المزيد من المخطوفين الأحياء من القطاع.

هآرتس 18/5/2025

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب