الصحافه

من يستثمر أمواله في دولة “تقتل الأطفال هواية”؟

من يستثمر أمواله في دولة “تقتل الأطفال هواية”؟

إيتان أفريئيل

مثلما هو النقاش الذي جرى أول أمس حول إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، فإن النقاش العام والسياسي حول أقوال رئيس حزب الديمقراطيين يئير غولان بشأن “دولة تقتل الأطفال كهواية”، كان ناقصاً.

في البداية، كان تنقصه الأخلاق. الجميع تقريباً تطرقوا إلى الجانب النفعي لإسرائيل والأضرار السياسية التي ستلحق بها بسبب مشاهدة دول أخرى لصور قاسية من غزة على شاشات التلفاز. عدد قليل اختاروا التركيز على الموضوع نفسه – هل يجدر أن تقوم دولة حديثة بتجويع شيوخ ونساء وأطفال؟ هل يجدر بدولة حديثة أن تضغط بسهولة على الزناد وتقتل عشرات الأشخاص كل يوم، من بينهم أطفال، حتى لو كانت حربها عادلة.

النقاش في هذه المسالة الأساسية بدون صلة بالسياسة والعلاقات الدولية، لم يتم. ادعاء أساسي في الرد على سؤال “لماذا يفضل عدم تجويع سكان غزة وقتل الأطفال؟”، كان من أجل أن “يسمح لنا العالم بإنهاء العمل”، ولم يتطرق إلى السؤال الأخلاقي نفسه، الذي اختار كثيرون تجنبه.

موضوع الضرر الاقتصادي لأعمال الحكومة والجيش في غزة غاب أيضاً من النقاش العام. من الأسهل استكمال الناقص. لنبدأ بالنرويج: بفضل مكاسب من استخراج النفط في بحر الشمال، تمتلك النرويج صندوق الثراء الأكبر في العالم، حوالي 1.8 تريليون دولار. وقررت في الأشهر الأخيرة بيع حصتها في بعض الشركات الإسرائيلية بسبب عمليات إسرائيل في غزة والضفة الغربية.

في هذا الشهر، أعلن الصندوق تصفية كل ممتلكاته في “باز” (55.290 سهم، نسبتها 1.79 في المئة)، لأنها تنشط في المستوطنات. في كانون الأول 2024 باعت كل أسهمها في شركة “بيزك”. وقبل ذلك، في آب 2024، واستمراراً لحكم المحكمة في لاهاي بشأن ارتكاب جرائم حرب من قبل إسرائيل، اتخذ الصندوق قرار فحص بيع ممتلكاته في “عدد من الشركات”.

حسب موقع الصندوق، كان الصندوق يملك في نهاية 2024 عقارات في إسرائيل بمبلغ 1.7 مليار دولار في عشرات الشركات. البارز منها بنك هبوعليم، وتيفع، وآي.سي.ال (إسرائيل للكيماويات). وهكذا فعلت صناديق أخرى، وطنية وخاصة. صندوق الثروة لأيرلندا، الذي هو أصغر بكثير، أعلن قبل سنة بأنه سيبيع كل ممتلكاته في البنوك الخمسة الكبيرة في إسرائيل وفي شبكة السوبرماركت “رامي ليفي”.

أما في اليابان فقد طالب سياسيون الصناديق ببيع سندات دين صادرة من حكومة إسرائيل. وثمة صناديق أخرى خاصة، لا تنشر عن سياسة استثماراتها، قلصت استثمارها في العقارات في إسرائيل، كل واحدة حسب تعليمات مجلس الإدارة فيها وحسب موقفها السياسي. جميع هذه النشاطات نفذت حتى قبل أن يعرف العالم عن الجوع في غزة. المعنى بسيط؛ ففي اللحظة التي تقرر فيها أجزاء كبيرة في العالم التخلي عن أفعال إسرائيل، فإن الأمر الرئيسي الذي يقومون به هو عدم الاستثمار في الأسهم والسندات الإسرائيلية. والنتيجة أن قيمة الشركات في البورصة وعوائد السندات الإسرائيلية ستحمل على ظهرها تخفيضاً كبيراً – أي أنه سيتم بيعها أقل بكثير من قيمتها لو كانت تنتمي لدولة أخرى “سليمة”.

منحدر زلق

هذا التوجه الذي يبدأ في معظم الحالات صغيراً، مثل صندوق النرويج، يراكم القوة بسرعة. في هذا الأسبوع، أعلنت عدة دول أوروبية، بما في ذلك فرنسا وبريطانيا، بفرض عقوبات على إسرائيل قريباً.

أمس، أعلنت بريطانيا بواسطة وزير الخارجية ديفيد لامي، بأنها قررت تجميد المفاوضات حول تجديد اتفاق التجارة مع إسرائيل، وأيضاً استدعاء سفيرة إسرائيل لمحادثة توبيخ بسبب سياسة الحصار وعدم إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة. وأعلن الاتحاد الأوروبي أمس أيضاً بأنه سيفحص إمكانية إلغاء اتفاق التجارة مع إسرائيل على خلفية الشك بالتزام إسرائيل بحقوق الإنسان في نشاطاتها في غزة.

هذه الأقوال تتدحرج بسرعة وتصل إلى البورصة وإلى قيمة العقارات. منذ اللحظة التي تتخذ فيها محكمة أو حكومة أي موقف – فليس للمستثمرين خيار عدا السير في أعقابه. وآجلاً أو عاجلاً، فإن من لا يبيع ممتلكاته في إسرائيل يخاطر بتصنيفه كمتعاون مها.

صحيح أن الأسواق عديمة القلب، وبثمن ما ستجد من يشتري كل عقار مالي، حتى لو كان إسرائيلياً. ولكن بالقدر نفسه، من الواضح أن مواطني إسرائيل كلهم سيدفعون ثمن أفعال الحكومة في غزة بالكثير من الأموال، سواء عن طريق هبوط الأسهم والسندات أو بسبب الفجوة الكبيرة عن السندات والأسهم المشابهة لدول أخرى.

إلى أي درجة قد يزيد الخصم في إسرائيل؟ تصعب الإجابة، لأن الحكومة قد تتراجع عن قرار سيطرتها على غزة وتجويع السكان، لأن الأغلبية الساحقة في الجمهور تعارض ذلك. وإذا لم يحدث ذلك، فيمكن النظر إلى ما حدث في السابق لدول أصبحت منبوذة في نظر العالم الغربي الذي يملك معظم الأموال.

جنوب إفريقيا التي كان فيها نظام أبرتهايد منذ منتصف القرن السابق وحتى بداية التسعينيات، مثال ممتاز، لأنه يمكن فحص ما حدث هناك بعد ذلك. “في الثمانينيات، في ذروة الأبرتهايد، وحول موجة أعمال الفوضى في البلدات التي يعيش فيها السود، تم بيع الأسهم في بورصة جوهانسبرغ بخصم بلغ 30 – 50 في المئة مقابل دول أخرى في نفس مستوى التطور.

سجلت ظاهرة مشابهة في سوق السندات. سندات حكومة جنوب إفريقيا وأسهم شركات في جنوب إفريقيا بيعت بثمن عكس المكاسب العالية، 2 – 6 في المئة، مقارنة بسندات دول مشابهة في خصائصها. والعملة عكست مقت العالم من النظام في جنوب إفريقيا. في الأعوام 1961 – 1980 مرت العملة في جنوب إفريقيا بتخفيض 80 في المئة مقارنة مع سلة عملات أخرى.  

عندما يبدأ ذلك، فإن كل المعايير ومستويات سوق رأس المال في الدولة المنبوذة تتدهور بسرعة هي أيضاً. دورات التجارية تهبط، وحجم التداول ينخفض وأرباح الشركات في البورصة، وترتفع أقساط المخاطر، والسوق كلها “تجف”.

يجب ألا يشكك أحد في ذلك. إذا استمرت إسرائيل في سياستها وأعمالها في غزة، فلا سبب هناك؛ لأن ما حدث للسوق المالية في جنوب إفريقيا (في حينه كانت دولة ثرية مع موارد طبيعية كثيرة وعلاقات دافئة مع المركز المالي في لندن) لن يحدث أيضاً لإسرائيل. صناديق كثيرة ستبيع سنداتها وأسهمها الإسرائيلية، والدول ستفرض على إسرائيل عقوبات اقتصادية، والنتيجة انخفاض دراماتيكي للقيمة، بعشرات النسب المئوية، تشمل كل عقار له صلة بكلمة إسرائيل: أسهم، سندات، شركات خاصة، مشاريع ناشئة وحتى عقارات.

ألا تصدقون؟ اسألوا أنفسكم: هل كنتم ستشترون سندات في دولة -لنفرض في أمريكا الجنوبية أو في آسيا- ترتكب أفعالاً هناك يطلقون عليها جرائم حرب، والتي تفرض عليها دول مهمة عقوبات، وصناديق الاستثمارات الكبرى تبيع ممتلكاتها فيها؟ حقاً “لا”.

هآرتس/ ذي ماركر 21/5/2025

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب