هل صرخات الشجب المتزايدة في الغرب من إبادة غزة محاولة لحماية النفس من الحساب المحتوم؟

هل صرخات الشجب المتزايدة في الغرب من إبادة غزة محاولة لحماية النفس من الحساب المحتوم؟
نشرت صحيفة “الغارديان” مقالا للمعلق أوين جونز قال فيه إن تجدد هجوم إسرائيل على غزة أثار إدانة دولية، لكن العديد من هؤلاء المنتقدين سيواجهون حسابهم الخاص.
وقال إن كل شيء تغير فجأة على ما يبدو. ففي الأسبوع الماضي، ألقى النائب المحافظ كيت مالثاوس، وهو عضو في البرلمان من حزب المحافظين، مداخلة برلمانية مذهلة. ففي سؤال موجه إلى هاميش فالكونر، وزير شؤون الشرق الأوسط بالخارجية في حكومة حزب العمال، أشار إلى أن “هناك صعوبة متزايدة في مواكبة المجازر في غزة”، مضيفا أن “الجرائم تحدث يوميا”.
ونظرا لأن بريطانيا وقّعت على اتفاقيات مختلفة تفرض “التزاما إيجابيا بالعمل على منع الإبادة الجماعية” وغيرها من الجرائم، سأل مالثاوس عن الاستشارات القانونية التي حصلت عليها الحكومة بشأن مسؤولية رئيس الوزراء، ووزير الخارجية، وفالكونر نفسه، والوزراء السابقين “عندما يحين موعد الحساب”.
ومن الواضح أن فكرة “الحساب” تشغل بال السياسيين الغربيين وربما يبقيهم هذا الأمر ساهرين في الليل.
وفي هذا الأسبوع، انضمت بريطانيا إلى فرنسا وكندا في إدانة معاناة غزة، ووصفها بأنها “لا تطاق”، مهددة برد “ملموس” غير محدد إذا استمر الهجوم الإسرائيلي الحالي على قطاع غزة.
وفي حديثه بمجلس العموم يوم الثلاثاء، أعلن وزير الخارجية، ديفيد لامي، أن بريطانيا ستعلق المحادثات التجارية مع إسرائيل، وستستدعي سفيرتها لدى المملكة المتحدة، وستفرض عقوبات على بعض المستوطنين المتطرفين. وقال في إشارة إلى حكومة بنيامين نتنياهو: “العالم يحكم، التاريخ سيحكم عليهم”.
ويعلق أوين، أن لامي محق “لكن مشكلته تكمن في أن هذا “الحكم” سيتجاوز بكثير الجناة المباشرين وسيشمل أيضا من مكّن إسرائيل”.
وربما أعلن وزير الخارجية عن إجراءاته بتبجح وثقل كبيرين، لكنها لم تكن سوى “هراء رمزي”. حتى ديفيد كاميرون حاول الذهاب إلى أبعد من ذلك قبل عام عندما كان وزيرا للخارجية، قبل أن يتخلى عن خطط فرض عقوبات مباشرة على اثنين من كبار وزراء الحكومة الإسرائيلية، وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، ووزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير. ومع إصدار المحكمة الجنائية الدولية أوامر اعتقال ضد القيادة الإسرائيلية قبل ستة أشهر، فإن الذعر يندلع بوضوح في الحكومة.
و”مع ذلك، فهي لا تبذل كل ما في وسعها لوقف إسرائيل، وفي الأسبوع الماضي فقط، كانت بريطانيا في المحكمة تدافع عن استمرار تصدير أجزاء من طائرات أف- 35 التي ينتهي بها المطاف في إسرائيل”.
ويقول إن هذا الأمر يتجاوز مجرد الفشل في التصرف الآن، إنه يتعلق بما قادنا إلى هذه اللحظة، مثلا كير ستارمر، وافق ذات مرة على أنه من المناسب لإسرائيل فرض حصار على غزة وقطع الكهرباء والمياه، “أعتقد أن لإسرائيل هذا الحق. إنه وضع مستمر”. وأضاف: “من الواضح أنه يجب القيام بكل شيء في إطار القانون الدولي”.
وادعى لاحقا أنه لم يقل شيئا من هذا القبيل، على الرغم من قوله فعلا. وخلال رئاسته لحزب العمال، انسحب عدد من الأعضاء في المجالس المحلية، أغلبهم من المسلمين، بشكل جماعي مستائين [من موقف الحزب من الحرب]، وقال أحد مستشاريه بأن هذا كان “محاولة من حزب العمال للتخلص من البراغيث”.
كما أصدر ستارمر إجراءات تأديبية ضد النواب المؤيدين لفلسطين. وعلقت حكومته 8% فقط من صفقات الأسلحة مع إسرائيل تحت ضغط قانوني هائل، ووافقت على معدات عسكرية في الأشهر الثلاثة التي تلت ذلك، أكثر مما وافق عليه المحافظون في السنوات الثلاث بين عامي 2020 و2023. و”لا شيء تفعله الحكومة الآن يمكن أن يغير هذه الحقائق من المحاسبة القادمة”.
وفي تطور أخر، وقف نائب من حزب المحافظين، إدوارد لي، الأسبوع الماضي، معلنا نفسه بأنه كان عضوا في جمعية “أصدقاء إسرائيل بحزب المحافظين لأكثر من 40 عاما، أي أطول مدة من أي شخص هنا”، وطرح سؤالا مباشرا: “متى لا تعتبر الإبادة الجماعية إبادة جماعية؟”. وانضم إليه زميله المحافظ مارك بريتشارد، الذي أشار إلى أنه دعم إسرائيل لمدة 20 عاما “بأي ثمن تقريبا، بصراحة تامة”. وفي سحبه لهذا الدعم، ألمح هو أيضا إلى الحساب القادم: “أنا قلق حقا من أن هذه لحظة تاريخية ينظر فيها الناس إلى الوراء، ليجدوا أننا أخطأنا كدولة”.
ويعلق أوينز قائلا إنه يجب أن يتناسب حجم هذا الحساب مع حجم الجريمة. وبعد شهر من الهجوم الإسرائيلي، الذي قتل بعده ما لا يقل عن 5139 مدنيا، وفقا لأرقام أساسية محافظة صادرة عن منظمة “إيروورز”، نشرت مجلة “إيكونوميست” افتتاحية بعنوان “لماذا يجب على إسرائيل مواصلة القتال؟”.
وهناك عرض أحدث، صدر بعد فترة طويلة من محو المنطقة تقريبا من على وجه الأرض، بعنوان “يجب أن تنتهي الحرب في غزة”. وما عليك إلا النظر إلى صحيفة “التايمز” التابعة لروبرت ميردوخ. فرغم أنها عادة ما تكون مؤيدا موثوقا لإسرائيل، إلا أنها تنشر الآن مقالات رأي تتساءل لماذا “نغض الطرف عن الفظائع في غزة؟”.
كل هذا يؤشر إلى حقيقة واضحة: أن هذا سيذكر كإحدى أعظم جرائم التاريخ. تحذر الأمم المتحدة الآن من أن 14,000 طفل رضيع قد يموتون خلال الـ48 ساعة القادمة في حالة ما لم تصلهم المساعدة. أما زعيم المعارضة الإسرائيلي والجنرال السابق يائير غولان، الذي قال في وقت سابق من هذا العام: “نود جميعا أن نستيقظ في صباح ربيعي لنجد أن 7 ملايين فلسطيني يعيشون بين البحر والنهر قد اختفوا ببساطة”، فهو يعلن الآن أن بلاده “تقتل الأطفال كهواية”.
ومع ذلك، تتصرف إسرائيل بحصانة. فبعد فرض حصار شامل منذ بداية آذار/ مارس على غزة، أعلن نتنياهو أمس أنه سيسمح بدخول “مساعدات إنسانية محدودة”.
لماذا؟ ليس لتخفيف معاناة الفلسطينيين، بل لأن السياسيين المتحمسين المؤيدين لإسرائيل “حذروا من أنهم لا يستطيعون دعمنا إذا ظهرت صور المجاعة الجماعية”. بمعنى آخر، هي وخزة إبرة، لأغراض تجميلية.
في هذه الأثناء، يعلن سموتريتش: “نحن نفكك غزة، ونتركها أكواما من الأنقاض، مع تدمير شامل [ليس له] سابقة عالمية. والعالم لا يوقفنا”. ويتفاخر تسيفي سوكوت، عضو الكنيست عن حزب سموتريتش، قائلا: “لقد اعتاد الجميع على فكرة أنه يمكنك قتل 100 من سكان غزة في ليلة واحدة، ولا أحد في العالم يهتم”.
وأشار أوينز إلى مقاله الذي نشرته صحيفة “الغارديان” في 24 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، بعنوان “إسرائيل واضحة بشأن نواياها في غزة: لا يمكن لقادة العالم أن يتظاهروا بالجهل بما هو آت”.
لماذا؟ لأن قادة إسرائيل ومسؤوليها أوضحوا بشكل تام ما سيفعلونه منذ اليوم الأول. وجاء في المقال: “مع اتضاح كارثة هجوم إسرائيل على غزة، سيصاب من شجعوه بالذعر من الضرر الذي لحق بسمعتهم، وسيبررون جهلهم السابق.. لا تدعوهم يفلتون من العقاب هذه المرة”.
وبينما يستعد أهل غزة الآن للأسوأ، لم يكن الشعور بالصواب يوما بهذه المرارة. لكن الأمر لم يتطلب بصيرة خاصة أو قدرة على التنبؤ، فهذه كارثة متنبأ بها منذ البداية.
– “القدس العربي”: