ترامب ـ نتنياهو خلاف أم اختلاف؟

ترامب ـ نتنياهو خلاف أم اختلاف؟
أحمد عويدات
المتابع لتصريحات وتحركات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وردود الفعل لرئيس وزراء الكيان نتنياهو حيال ذلك، يدرك أن ثمة أمورا تحتاج تسليط الضوء عليها؛ لمعرفة ما إذا كان هناك اختلافٌ حول كيفية تناول القضايا المطروحة؟ أم أن هناك خلافا جوهريا يمس صميم العلاقة الأمريكية الإسرائيلية.
لقد ظهر هذا التباين في المواقف العملية حيال القضايا الإقليمية، وأبرزها حرب غزة، والمفاوضات مع إيران، والموقف من الحوثيين. ففي الوقت الذي يرى ترامب أن هناك ضرورة لإنهاء الحرب بشكل أو بآخر في غزة، وإدخال المساعدات والعمل على استقرار المنطقة وازدهارها اقتصادياً، بما يعزز نجاح وضمان مصالح الولايات المتحدة، فإن نتنياهو في الوقت نفسه، بتعنته وإصراره على الاستمرار بالحرب، بل بتوسيع العملية العسكرية لتشمل أنحاء القطاع كافة، وزيادة الضغط العسكري والقصف الهمجي للمدنيين، وبتكثيف الغارات العنيفة على خيام النازحين ومراكز إيوائهم، واستخدام سياسة التجويع والتعطيش، سلاح إبادة للأطفال والنساء، بمنع إدخال المساعدات. كل هذه الإجراءات النتنياهوية أثارت حفيظة ترامب وغضبه، بعد أن أرسل رسالة إليه يحثه فيها على إنهاء الحرب وإدخال المساعدات فوراً.
نتنياهو يلعب الآن ورقته الأخيرة عندما استقل «عربات جدعون» التوراتية دون كوابح بعد الفشل الدبلوماسي والعسكري، وتحديه لإرادة المجتمع الدولي
هذه السياسة التي ينتهجها نتنياهو أشعرت الرئيس الأمريكي بأن ذلك تحدٍ لسياساته في المنطقة وإفشال لخططه. وكان لتقديم نتنياهو مقاربات غير مقبولة لأحد بشأن عقد صفقة التبادل، تنص على استمرار الحرب، وتسليم حماس سلاحها، ونفي قياداتها، واحتلال غزة بالكامل، التسبب بوضع نتنياهو في عزلةٍ أمريكية وأوروبية وحتى عربية ومجتمعية وحزبية إسرائيلية، وزاد على ذلك حدة الخلافات والانقسامات الداخلية، بين المستويات العسكرية والسياسية، بسبب الفشل الميداني المتكرر؛ الذي جاء نتيجة عمليات المقاومة النوعية. إن دليل وجود خلاف هو ما شهدته الفترة الأخيرة العلاقة بين ترامب ونتنياهو من عددٍ من الصفعات؛ كان أولها تلك المفاوضات بين مبعوث الرئيس ترامب وحماس، التي أسفرت عن إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي الأمريكي عيدان ألكسندر، بمعزلٍ عن أي دورٍ إسرائيلي. ثاني هذه الصفعات جاءت من خلال المفاوضات مع إيران التي ربما ستؤدي لإبرام اتفاقٍ معها دون السماح لها بامتلاك سلاحٍ نووي؛ مما أغضب نتنياهو الذي كان وما زال يسعى لضرب إيران وتدمير برنامجها النووي. وجاءت زيارة ترامب إلى المنطقة بثالث هذه الصفعات، لاسيما زيارته إلى المملكة السعودية، التي حملت رسائل عديدة أولها، تجاهل زيارة «إسرائيل»، التي كانت في خضم احتفالها بذكرى «تأسيس الكيان»، إضافةً إلى التوقيع على اتفاقٍ لتسليح الجيش السعودي وإعادة تأهيله بقيمة 142 مليار دولار، وتوقيع عقودٍ اقتصادية بنحو 300 مليار دولار، كذلك الاتفاق على استثماراتٍ سعودية في الولايات المتحدة تبلغ قيمتها 600 مليار دولار؛ وهذا كله يجعل السعودية رائدةً في حقل الذكاء الاصطناعي والمعلوماتي والتسليحي والإنمائي؛ ومما يمكن المملكة السعودية – كما تعهّد ترامب – «أن تكون المركز الاقتصادي الأول في العالم» ؛ وهذا ما يؤهلها لتكون الدولة الأكثر تفوقاً، عسكرياً وتكنولوجياً واقتصادياً في المنطقة على حساب «إسرائيل»، التي كانت دوما في المرتبة الأولى.
إن ما يعزز فرضية الخلاف الجوهري وتسديد الصفعات، هو إقدام ترامب على إعلان وقف إطلاق النار مع الحوثيين، من دون ان يكون ذلك ملزماً لهم بوقف هجماتهم الصاروخية على دولة الكيان؛ التي تسببت بحصارٍ جوي أدى إلى توقف الرحلات الجوية لشركات الطيران العالمية إلى مطار بن غوريون، حتى يومنا هذا، فضلاً عن استمرار الحصار البحري. هذه الخطوة غير المتوقعة بتاتاً أغضبت نتنياهو وقادة حربه كثيراً، ودفعتهم إلى تصعيد هجماتهم على اليمن؛ وكأن في ذلك رسالة تحدٍ أخرى إلى ترامب، ولعل ما أثار غضبهم أكثر قرار ترامب بسحب حاملة الطائرات «ترومان» من الشرق الأوسط، وكأنه يكرر ما قاله دوماً «أمريكا أولاً». وبالتالي تاركاً في هذا الموقف دلالات استراتيجية عديدة تتعلق بأمن وحماية دولة الكيان. وجاءت الصفعة الرابعة من خلال قرار الرئيس ترامب برفع العقوبات الأمريكية عن سوريا، ولقائه الرئيس السوري أحمد الشرع الذي تلقّى مديحاً ودعماً ملحوظين من قبل الرئيس ترامب؛ الأمر الذي يعني كف يد «إسرائيل» عن التدخل بالشأن السوري، وهذا ما اتّضح من خلال تصريحات وزير الخارجية الأمريكي روبيو الذي شدد على حرص بلاده على تمكين السلطات الجديدة في سوريا من بسط الاستقرار والأمن وتأمين حياة أفضل للسوريين؛ لأن في ذلك تعزيز الاستقرار في المنطقة وتجنيب سوريا حرباً أهلية محتملة قريباً. وظهرت حدة التباين بين ترامب ونتنياهو حيال الوضع في غزة من خلال ما صرح به ترامب في رحلة عودته من الخليج قائلاً: «لا أعلم فيما إذا كان نتنياهو قادراً على ضمان الإفراج عن الأسرى»، وهذا بدوره يشير الى استحالة نجاح الخيار العسكري الذي يتبناه ويسير فيه نتنياهو، ويعني أيضآ تخلي ترامب عن دعمه لهذا الخيار. وما إلغاء زيارة نائبه فانس إلا تأكيد على هذه الحقيقة، ورفضه توسيع العملية العسكرية في غزة، وأنه يرى في ذلك تحديا آخر جديدا لسياسته.
من زاويةٍ أخرى، فإن ما صدر من مواقف أوروبية جديدة استثنائية بعد مضي نحو 600 يوم من الحرب الفاشية، وتلويح دول الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات على «إسرائيل»، وفك شراكة التجارة الحرة من قبل بريطانيا، وحظر تصدير السلاح من قبل إسبانيا واستدعاء سفراء دولة الكيان، والتهديد باتخاذ إجراءات أشد في حال عدم استجابة «إسرائيل» لوقف حربها ضد المدنيين، ورفض إدخال المساعدات، وتصميم فرنسا على قرب الاعتراف بالدولة الفلسطينية؛ كل هذا لم يأتِ مصادفةً، بل إنه بالتأكيد جاء عبر التنسيق مع ترامب، لتدشن هذه المواقف تطوراً جديداً على الحرب في غزة خصوصاً، وعلى القضية الفلسطينية عموماً، ولتشكل هذه أقوى الصفعات التي تلقاها نتنياهو من حليفه القديم الجديد.
ختاماً، يبدو ان الخلاف مع ترامب سيشهد تداعياتٍ جدية وخطيرة على العلاقة الأمريكية الإسرائيلية، والأوروبية الإسرائيلية في الأيام المقبلة؛ لاسيما أن نتنياهو يلعب الآن ورقته الأخيرة عندما استقل «عربات جدعون» التوراتية دون كوابح بعد الفشل الدبلوماسي والعسكري، وتحديه لإرادة المجتمع الدولي؛ طامحاً أن يحقق حلمه «النصر المطلق»، لكن هيهات من تحقيق هذا الحلم!
كاتب فلسطيني
باحث فلسطيني ورئيس وحدة التطوير المهني في وكالة الأونروا