تلاشي الآمال بسلام وشيك… ترامب لبوتين: حذارِ احتلال أوكرانيا

تلاشي الآمال بسلام وشيك… ترامب لبوتين: حذارِ احتلال أوكرانيا
لندن | عاش الأوكرانيون عطلة نهاية أسبوع عصيبة، شهدت تصعيداً ملحوظاً في منسوب هجمات الجيش الروسي، مع تحسُّن الطقس، وتلاشي الآمال بسلام وشيك، بعد الانتقادات التي وجّهها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، وتضمّنت تحذيراً صريحاً بـ»سقوط روسيا»، إنْ هي تجرّأت واحتلّت كلّ أوكرانيا. وكانت كييف ومدن أوكرانية أخرى، تعرّضت لهجمات جوية كبيرة، يومَي الجمعة والسبت، تلاها هجوم واسع آخر في الساعات الأولى من صباح الأحد، في ما وصفه الجيش الأوكراني بأنه أكبر اعتداء جوّي روسي منذ بدء الحرب، مع الإبلاغ عن سقوط 367 صاروخاً وطائرة مُسيّرة انتحارية.
وقالت مصادر أوكرانية إن 12 شخصاً على الأقلّ قُتلوا، وأصيب العشرات، نتيجة الهجمات التي جاءت على خلفية تصعيد لافت في حدّة خطاب ترامب تجاه الزعيمَين الروسي والأوكراني معاً، ما يبدو أنه أثار مخاوف كييف وحلفائها الأوروبيين من استنكاف محتمل للولايات المتحدة عن جهود التسوية، وعلى نحو يمهّد الطريق لِما يتوقَّع المسؤولون والجنود الأوكرانيون بأن يكون صيفاً دمويّاً يمكن أن يعيد تشكيل مسار الحرب ويحسمها لمصلحة موسكو.
وقال الرئيس الأميركي، للصحافيين، إنه «مندهش للغاية» من تكثيف الجيش الروسي استهدافه للمدن الأوكرانية، على الرغم من الجهود التي تبذلها إدارته للتوسّط في وقف إطلاق النار، محذّراً من أنه «إذا حاول بوتين غزو أوكرانيا واحتلالها بأكملها، فسيؤدي ذلك إلى سقوط روسيا». وفي منشور له عبر تطبيق «تروث سوشال»، كتب ترامب: «لطالما كانت لديّ علاقة جيّدة جداً مع (الرئيس) الروسي فلاديمير بوتين، لكنّ شيئاً ما حدث له.
لقد أصيب بالجنون تماماً!»، مضيفاً: «لقد قلت دائماً إنه يريد السيطرة على كلّ أوكرانيا، وليس مجرّد جزء منها، وربّما يثبت أن هذا صحيح، ولكنّه إذا فعل، فإن ذلك سيؤدي إلى سقوط روسيا!». وفي تعليقات منفصلة للصحافيين، ليل الأحد، قال ترامب: «لا أعرف ماذا حدث بحقّ الجحيم لبوتين. لقد عرفته منذ فترة طويلة. دائماً يمكن التعايش معه. لكنه يقصف المدن بالصواريخ ويقتل الناس، وأنا لست سعيداً بذلك على الإطلاق». ورداً على سؤال عمّا إذا كان يفكر في فرض مزيد من العقوبات على موسكو، وهو أمر يضغط حلفاء كييف الأوروبيون من أجله منذ بعض الوقت، أضاف: «بالتأكيد».
وفي أوّل تعليق روسي على أحدث الانتقادات الأميركية، قال الناطق باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، أمس: «بالطبع، إن بدء عملية التفاوض، التي بذل الجانب الأميركي الكثير من الجهد من أجلها، يُعدّ إنجازاً مهمّاً للغاية، ونحن ممتنّون بالفعل للأميركيين، وللرئيس ترامب شخصيّاً، لمساعدتهم في تنظيم وإطلاق عملية التفاوض هذه. إنه إنجاز مهمّ للغاية. لكن، وفي الوقت نفسه، فإن هذه لحظة مهمّة للغاية مرتبطة بضغوط عاطفية زائدة لدى جميع المعنيين، وثمّة ردود فعل عاطفية».
وأضاف: «نحن نراقب بعناية جميع ردود الفعل. ومع ذلك، يتّخذ الرئيس بوتين القرارات الضرورية لأمن بلدنا. لقد سمعنا جميعاً كيف هدّد نظام كييف، القادة الأجانب قبل مجيئهم إلى موسكو للاحتفال بيوم النصر، وشهد العديد من القادة الذين كانوا هنا على محاولات من قِبَله لضرب الأراضي والمدن الروسية بطائرات من دون طيار، وحتى العاصمة، عشيّة مثل هذا اليوم المهمّ. هذه المحاولات مستمرّة. نحن مجبرون على اتّخاذ إجراءات، والرئيس بوتين يفعل ما هو ضروري لتوفير الأمن لروسيا». وأكّد بيسكوف أن هجمات الجيش الروسي، في عطلة نهاية الأسبوع، ضدّ منشآت وأهداف عسكرية، جاءت «رداً على هجمات أوكرانية على البنية التحتية المدنية في روسيا».
أصبحت حرب الطائرات من دون طيار المتصاعدة بين الجانبَين أكثر أهمية من أيّ وقت مضى
وفي ذات السياق، كان الرئيس الأميركي انتقد الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، الذي قال إنه «لا يقدّم أيّ خدمة لبلاده من خلال التحدّث بالطريقة التي يتحدّث فيها. كل شيء يخرج من فمه يسبّب مشاكل. أنا لا أحب ذلك، ومن الأفضل له أن يصمت». وجاء ذلك بعدما أدان الزعيم الأوكراني «صمت أميركا» على أحدث الهجمات الروسية، داعياً إلى وقف الحرب من خلال «تقييد أيدي بوتين» بالقوّة، وكذلك عبر زيادة الضغوط، وفرض مزيد من العقوبات على روسيا.
وكتب، في منشور عبر موقع «إكس»: «فقط الشعور بالإفلات التام من العقاب يمكن أن يسمح لروسيا بتنفيذ مثل هذه الضربات والاستمرار في زيادة حجمها. ومن خلال القيام بذلك، يُظهر بوتين مدى احتقاره للعالم – هذا العالم الذي يبذل جهداً للتحاور معه أكثر من ممارسة ضغط حقيقي عليه».
ويبدو أن هذه الأجواء المشوبة بالتوتّر والانفعال، انعكست على معنويات المواطنين الأوكرانيين؛ إذ، وبحسب مراسلي عدّة وسائل إعلامية غربية، فإن مشاعر اليأس والإحباط تتفشّى في أوساط المدنيين، فيما يعبّر مسؤولون حكوميون وعسكريون عن شكوك متزايدة لديهم في التوصّل إلى نهاية قريبة للحرب المستمرّة منذ أكثر من ثلاث سنوات. ويقول خبراء متابعون للشأن الأوكراني، إن «المعنويات على الجبهة، حيث يسود اعتقاد بين الجنود والمدنيين بأن الولايات المتحدة قد توقف دعمها للجيش الأوكراني في أيّ لحظة، متدهورة، وأوروبا ضعيفة وغير قادرة على فعل شيء من دون الأميركيين، فيما يبدو بوتين مقتنعاً بأن الوقت يلعب لمصلحته، وبأن لحظة استسلام كييف آتية لا ريب».
أيضاً، ثمّة مَن يجادل بأن روسيا لا تُظهر أيّ علامة على تقليص هجماتها العسكرية أو تقديم تنازلات حقيقية، بل ربّما تستغلّ الأجواء الربيعية لشنّ هجوم حاسم خلال الصيف.
وبالفعل، وعلى طول خط المواجهة الذي يزيد طوله على 1000 كيلومتر، تعيد موسكو تحشيد قواتها، ولا سيما في اتجاه خاركيف (شرق)، تحضيراً لِما يبدو أنه محاولة جدّية للسيطرة على المدينة الإستراتيجية، فيما يستمرّ إيقاع الحرب في المناطق الأخرى على نمط وحشي ومميت.
وتدعم القوات الروسية المدجّجة بالسلاح الثقيل العالي التقنية، ترسانة محدّثة من الصواريخ والطائرات من دون طيار، بما في ذلك الطرازات الجديدة المحصّنة ضدّ التشويش الإلكتروني، بينما لا تزال خطوط الدفاع الأوكرانية قوية، على رغم الإرهاق الظاهر على الوحدات القتالية.
وعلى الجانب الآخر، وعلى رغم أن تدفُّق الأسلحة والمعدّات من أوروبا لم يتوقّف للحظة، إلّا أن المعارك تكشف عن ضعف منهجي في هيكلية القيادة والتخطيط لدى الجيش الأوكراني، على نحو بدأ يؤثّر في معنويات الضباط قبل الجنود، ولا سيما لناحية ضعف التجنيد.
وتستنكف الأغلبية من الشبان الأوكرانيين، من سن 18 إلى 24 عاماً، عن الالتحاق بالجيش، فيما يفرض التجنيد الإجباري على مَن تجاوزوا سنّ الـ25، والذين يتهرّبون قدر استطاعتهم، ما يستدعي القتال بالحدّ الأدنى من الموارد البشرية لتحقيق أقصى قدْر من التأثير. ولذلك، أصبحت حرب الطائرات من دون طيار المتصاعدة بين الجانبَين أكثر أهمية من أيّ وقت مضى، وستتعاظم في الأسابيع القليلة المقبلة ما لم يحدث اختراق لا يرى أحد الآن أنه قريب.