عربي دولي

فرنسا: حكومة بايرو في مواجهة تصويت حجب الثقة البرلمانية وسط توقعات قوية بسقوطها

فرنسا: حكومة بايرو في مواجهة تصويت حجب الثقة البرلمانية وسط توقعات قوية بسقوطها

باريس-

بعد مرور تسعة أشهر على تصويت النواب الفرنسيين على حجب الثقة البرلمانية عن حكومة رئيس الوزراء ميشيل بارنييه وإسقاطها، في تطور سياسي تاريخي هو الأول من نوعه منذ 62 عاماً؛ هاهي حكومة خلفه فرانسوا بايرو تواجه الخطر نفسه اليوم الاثنين.

التصويت على حجب الثقة عن حكومة مشيل بارنييه في شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي أتى بعد التصويت بالأغلبية على مذكرة حجب الثقة التي طرحها تحالف أحزاب اليسار ردًا على تفعيل رئيس الوزراء اليميني المحافظ للمادة 49.3 من الدستور (تسمح بتمرير مشروع قانون دون إخضاعه لتصويت البرلمانيين) بشأن ميزانية الضمان الاجتماعي ورفضًا لموازنة العام 2025.

أما التصويت هذا الاثنين على الثقة بالحكومة، فيأتي بطلب من رئيسها فرانسوا بايرو نفسه (زعيم حزب “موديم” الوسطي- اليميني، وحليف الرئيس إيمانويل ماكرون)، حول الوضع المالي للبلاد، في خطوة يُغامر من خلالها أيضاً بتوازن فترة رئاسية اهتزّت بالفعل إثر حلّ الجمعية في يونيو/ حزيران من العام الماضي والتصويت على حجب الثقة عن حكومة بارنييه.

منذ الانتخابات التشريعية المبكرة لعام 2024، أصبحت الجمعية الوطنية منقسمة من دون أغلبية مطلقة. ولذلك تجنّب كل أسلاف فرانسوا بايرو (إليزابيت بورن، ثم غابريال أتال، فميشيل بارنييه)، اللجوء إلى التصويت على الثقة لأنه كان محفوفاً بالمخاطر سياسياً. لكنّ بايرو تجرأ على خوض هذه المغامرة، مُقدّمًا خطة لتقليص النفقات بقيمة 44 مليار يورو من أجل خفض العجز العام، معتبرًا أن الوضع المالي للبلاد مقلق، مبرزاً ارتفاع معدلات الفائدة وتراكم الديون.

في مواجهة قاعة برلمانية من المفروض أن تكون مكتظّة، دُعيَت للانعقاد في جلسة استثنائية بموجب مرسوم صادر عن رئيس الجمهورية، سيلقي رئيس الوزراء فرانسوا بايرو خطابه الثاني حول السياسة العامة، بعد ثمانية أشهر من ذلك الذي قدّمه في منتصف يناير/ كانون الثاني، بعيد وصوله إلى قصر ماتينيون (رئاسة الوزراء) حيث سيدافع عن حصيلته، وينبّه مرة أخرى البرلمانيين والفرنسيين إلى الوضع المالي المتوتر في البلاد. وفي الوقت نفسه، وبمصطلحات مشابهة، ستقوم وزيرة التعليم إليزابيت بورن بقراءة نصه حول توجهات الميزانية أمام أعضاء مجلس الشيوخ.

نقاش ثم تصويت

ستعقب كلمة فرانسوا بايرو مناقشة في الجمعية الوطنية، إذ سيتمكن كل فريق برلماني من الرد على تصريحات رئيس الوزراء. وبعد مداخلة أخيرة من رئيس الحكومة، سيُدعى النواب بعد ذلك إلى منح الثقة للسلطة التنفيذية أو حجبها عنها. إلا أنه، ما لم تحدث مفاجأة كبيرة، فمن المتوقع أن تتجه الأمور إلى حجب الثقة.

الآلية واضحة. إذ تنصّ المادة 49.1 من الدستور الفرنسي على أنّه إذا رفض النواب منح الثقة لرئيس الوزراء، فعليه أن يقدّم استقالة حكومته لرئيس الجمهورية. ويُتخذ القرار بالأغلبية المطلقة للأصوات المعبَّر عنها، أي أن سقوط الحكومة يتحقق إذا صوّت أكثر من نصف المشاركين ضد منح الثقة.

رغم جولات المشاورات الماراثونية في الأيام الأخيرة، لا يبدو أن رئيس الوزراء تمكن من تغيير الاتجاه السلبي. فالمعارضة، من حزب “التجمع الوطني” اليميني المتطرف إلى حركة “فرنسا الأبية” اليساري- الراديكالي، تؤكد أنها ستصوّت لصالح حجب الثقة عن الحكومة. أما حزب “الجمهوريون” اليميني- المُحافظ، المشارك في الحكومة، فعلى الرغم ما إعلان رئيسه برونو روتايو (وزير الداخلية) ورئيس كتلته البرلمانية لوران فوكييه، عن تأييدهما للثقة، فإن الكتلة البرلمانية للحزب منقسمة حول الموضوع.

ثمة عدة سيناريوهات محتملة: بقاء غير مرجّح، استقالة تليها تسمية حكومة جديدة، حلّ الجمعية الوطنية أو فترة انتقالية مطوّلة. يتمثل السيناريو الأول في منح الثقة، وهو احتمال ضعيف جداً. ففي حال حصول مفاجأة، قد يخرج فرانسوا بايرو منتصراً من التصويت، مما يمنحه تعزيزا سياسيا ويتيح له تنفيذ خطته للتقشف بقيمة 44 مليار يورو لإعادة العجز إلى الحدود الأوروبية. لكن سياسيا، هذا أشبه بالمستحيل: فالأغلبية النسبية الداعمة لإيمانويل ماكرون غير كافية، والمعارضة تبدو موحّدة ضده. حتى استخدام المادة 49.3 لتمرير الموازنة لاحقاً سيكون محفوفاً بخطر كبير بسقوط الحكومة.

السيناريو الثاني، يتمثّل في استقالة بايرو وإعادة التركيب السياسي. ففي حال رفض الثقة، لا خيار أمام رئيس الوزراء سوى تقديم استقالته لرئيس الدولة، فتسقط الحكومة تلقائياً. ومن هنا، يملك الرئيس ماكرون خيارين: رئيس وزراء جديد ينتمي إلى معسكره أو شخصية توافقية. لكن من دون أغلبية واضحة في الجمعية، قد تواجه المحاولة نفس الانسداد. أو الاكتفاء بحكومة تصريف أعمال، يقتصر عملها على الشؤون اليومية بانتظار حلّ مستقر، ما يطيل فترة الغموض ويحدّ من قدرة السلطة التنفيذية. حدث هذا السيناريو مرتين فقط في ظل نظام الجمهورية الخامسة: في عام 1962، خلال عهد جورج بومبيدو. وفي عام 2024 بعد حجب الثقة عن حكومة ميشال بارنييه.

أما السيناريو الثالث، فهو حلّ رئيس الجمهورية للبرلمان والدعوة إلى انتخابات تشريعية مبكرة. وهو ما تدعو إليه أحزاب معارضة، معتبرة أن الشرعية الشعبية الجديدة وحدها قادرة على كسر الجمود. لكن الرئيس ماكرون، الذي جرّب هذا الخيار سابقاً بنتائج غير محسومة، يكرر رغبته في تفاديه بأي ثمن. فالحلّ سيكون مقامرة، حيث إن نتائج هذه الانتخابات قد تعزز المعارضة أكثر.

سواء مُنحت الثقة لحكومة فرانسوا بايرو أو حُجبت عنها، فإن تصويت 8 سبتمبر/ أيلول سيكون منعطفاً، لا سيما في حال فشله في الاختيار؛ حيث سيكون على الرئيس ماكرون أن يختار بين رئيس وزراء جديد، وحلّ الجمعية الوطنية، أو فترة انتقالية طويلة. وعليه، فإن اختبار هذا الاثنين يُنذر بأنه سيكون كاشفاً لأزمة مؤسساتية عميقة: نظام بلا أغلبية، تحت ضغط اجتماعي ومراقبة لصيقة من الأسواق.

“القدس العربي”:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب