عربي دولي

“ذي نيويوركر”: القصة الحقيقية لمحاولات هرب بنات وزوجة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم

“ذي نيويوركر”: القصة الحقيقية لمحاولات هرب بنات وزوجة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم

إبراهيم درويش

تحت عنوان “الأميرات الآبقات” نشرت مجلة “ذي نيويوركر” مقالاً مطولاً حول رهان أربع نسوة على الهروب من حاكم دبي، الذي يؤمن بالمساواة الجنسية. وجاء في مقال هايدي بليك الطويل، والذي زاد عن 18 ألف كلمة، أن الشيخة لطيفة، ابنة حاكم دبي محمد راشد المكتوم، قضت سنوات وهي تخطط للهروب من المدينة التي يحكمها والدها، حيث جاءت اللحظة في شباط/فبراير 2018، فهربت مع صديقتها خبيرة ألعاب القتال الفنلندية تينا يوهانين.

أخفَتْ لطيفة خطّتها لسنين، حيث تدربت على الفنون القتالية الصعبة، وحصلت على جوازات مزيفة، وهرّبت أموالاً إلى من استعدوا لمساعدتها، واستأجرت صاحب يخت لأخذها إلى سيرلانكا أو الهند.

 ويحظى الشيخ المكتوم باحترام في الغرب، نظراً لأنه حوّل إماراته إلى قوة حديثة، وعبّر في أحاديثه العامة عن اهتمامه بالمساواة بين الجنسين، وتعهّدَ بـ “إزالة كل العوائق التي تواجه المرأة”، لكن ابنته كانت تعتبر دبي “سجناً مفتوحاً” تعاقَب فيه المرأة على العصيان.

وتعرضت لطيفة في سن المراهقة للضرب لأنها تحدّتْ والدها، وعندما نضجت مُنعت من مغادرة دبي، ووُضعت تحت الرقابة والحرس. كان الهرب بمثابة “عمل ضخم لا يمكن سبر غوره”، و”سيكون أفضل، وآخر شيء أعمله”، كما كتبتْ. و”لم أذق طعم الحرية، وبالنسبة لي فهي أمر يستحق الموت من أجله”. وقامت الكاتبة برسم صورة عن لطيفة من خلال سلسلة من الرسائل النصية والإلكترونية التي أرسلتْها لأصدقائها وصديقاتها.

وأخفَتْ لطيفة خطّتها لسنين، حيث تدربت على الفنون القتالية الصعبة، وحصلت على جوازات مزيفة، وهرّبت أموالاً إلى من استعدوا لمساعدتها، واستأجرت صاحب يخت لأخذها إلى سيرلانكا أو الهند.

وفي الوقت الذي كشفت خطتها ليوهانين كان كل شيء في مكانه. وقبل هروبها، تسلّلت إلى شقة يوهانين، التي أصبحت بمثابة مخزن لكل الأدوات اللازمة للهروب، حيث كانت تأمل بالوصول إلى الهند أو سريلانكا، والسفر إلى الولايات المتحدة، ثم طلب اللجوء هناك. وقبل بدء الرحلة جلست أمام كاميرا لتسجيل فيديو من 40 دقيقة ينشر حالة تم القبض عليها. وقالت إن والدها “مجرم كبير”، مسؤول عن سجن وتعذيب عدة نساء خرجن عن طوعه. وأن شقيقتها الكبرى في الأسر تحت تأثير التخدير لمحاولتها الهرب، قبل 18 عاماً.

الأميرة هيا بنت الحسين

 وتريد لطيفة الهرب إلى حياة لا يُفرَض عليها الصمت، حيث تصحو في الصباح وتقول: “يمكنني عمل ما أريد اليوم، وأذهب لأي مكان، أريدُ، وعندي، كل الخيارات في العالم”، ونفى محامٍ عن الشيخ أي خطأ ارتُكب، لكنه رفض التعليق.

على متن اليخت كتبت لصديق: “أشعر أنني حرة الآن، وأنا هدف يسير، لكنني حرة”. بعد أسبوع في البحر، لاحظَ كابتن اليخت طائرة تحلق فوقهم، ولم تكن المراسي في الهند تبعد سوى 30 ميلاً، فيما الوقود يتناقص. خاف من تعرّض لطيفة للقتل. وفي اليوم التالي حلقت طائرة أخرى.

 مع الليل كان كل شيء هادئاً، وبحلول العاشرة مساءً نزلتا إلى قمرتيهما. نظفت لطيفة أسنانها في حمام صغير. ومع خروجها، سمعت انفجارات حولها، ودقات البساطير على سطح اليخت. قالت لطيفة: “لقد عثروا علينا”، ودخلتا الحمام وأغلقتا الباب، وأرسلتا رسائل نجاة سريعة. ثم بدأ الدخان يدخل الحمّام، ولم تستطيعا التنفس، حيث اعتذرت لطيفة لصديقتها. وقُطع الظلام ببنادق مجهزة بأضواء الليزر، وألقى رجال ملثمون القبض على المرأتين. كان سطح اليخت ملوثاً بالدم حيث قُبض على الكابتن وفريقه، وقاومت لطيفة القبض، وسمعت وهي تقول: “اقتلوني هنا ولا تعيدوني”، ثم اختفت.

الشيخة لطيفة: كان الهرب بمثابة عمل ضخم لا يمكن سبر غوره،.. سيكون أفضل، وآخر شيء أعمله. لم أذق طعم الحرية، وبالنسبة لي فهي أمر يستحق الموت من أجله.

قصر زعبيل

تتطرق الكاتبة إلى قصر زعبيل، مركز حكم الشيخ محمد، الذي بني في ستينات القرن الماضي، كما تشير إلى أن الشيخ محمد يحب تذكير زوّاره بأن شيئاً لم يكن حوله، وكيف تحولت المدينة. وكان قد قال لمخرج سينمائي: “لم يكن هناك أي شيء في عام 2000.. لكن اُنظر”.

وُلد الشيخ محمد في 1949، في بلدة صغيرة، واحدة من سبع إمارات، وسجَّلَ قصته في مذكراته: “قصتي”. وأكد على نشأته البدوية وصيد الصقور. في سن العاشرة، رافق الشيخ محمد والده في رحلة إلى لندن، حيث أدهشه مطار هيثرو “رمز اقتصاد قوي يدفعه”. وعندما انسحب البريطانيون من الإمارات عام 1968، وعاد الشيخ محمد من تدريبه العسكري لكي يشارك في حكومة والده، وبعد نصف قرن اعتُبر رجل تحديث في مركز تجاري، وبمطار أصبح أكثر انشغالاً من مطار هيثرو. وعندما توفي الشيخ راشد عام 1990 تولى الشيخ محمد الإمارة، وكان هو من بدأ مبادرة الأجواء المفتوحة التي رحّبتْ بالمسافرين، وأعلن عن خطوط الإمارات.

تحدثت الكاتبة عن إنجازات الشيخ في بناء العلامات الكبرى، مثل برج العرب، خليفة لاحقاً. ومع نمو مكانته حاول أن يواجه النظرة عن بلاده كديكتاتورية، وأقرّ قانوناً يساوي بين الرجل والمرأة، ووصفها بأنها “روح البلد”. ورفضَ الكثيرون هذه التغيرات باعتبارها محاولة لتبييض الصورة، صحيح أن هناك نساء في المناصب العليا، إلا أن النساء، كما يقول نيل قويليام من تشاتام هاوس: “طُلب منهن التصرف في حدود ضيقة”، فالمرأة تعيش تحت قانون الوصاية، وغير قادرة على العمل أو الزواج من دون موافقة الرجل. والمرأة في العائلة الحاكمة تلعب دوراً مزدوجاً، فهي رمز لتعزيز دور المرأة، وفي الحياة الخاصة يُطلب منها مواصلة دورها لحماية شرف العائلة”. وتزوج الشيخ محمد ست نساء على الأقل، أنجبن له عدداً من الأولاد.

أتمت لطيفة عقدها الأول وهي لا تعرف أن لها أخوات، فهي لم تنشأ مع إخوتها الأربعة من أمها الجزائرية، لأنها أُخذت صغيرة مع شقيقها، وقُدمت كهدية لشقيقة الحاكم التي لم تنجب أطفالاً. وكانت الحياة في قصر عمتها “خانقة”، وعاشت مع عدة أطفال أشرفت عليهم مربية، ودرست القرآن، ولم تكن عمتها تأتي للزيارة، ولو جاءت فقد كانت قاسية. وتتذكر أنها دخلت مرة البيت وضربت الأطفال حتى غطت أجسادهم الكدمات، وهو ما تنفيه حكومة دبي. وتقول لطيفة: “أتذكر أنني كطفلة كنت دائماً على النافذة أراقب الناس في الخارج”، والتقطت لها الصور ومنحت الهدايا من الدمى، ولكنها ظلت حبيسة غرفتها، حيث كانت تؤخذ مرة في السنة لزيارة والدتها حورية وشقيقتها شمسة وميثة. وتعلّقت بشمسة لأنها “كانت مليئة بالحياة والمغامرة”، و”باحثة عن الإثارة ولكنها شخصية حنونة”. وعندما كانت في سن العاشرة، عرفت لطيفة الحقيقة، حيث ذهبت شمسة إلى بيت عمتها، وطلبت أن ترسل شقيقتها وشقيقها إلى قصر أمها. وكتبت لطيفة: “كانت شمسة الشخص الوحيد الذي قاتل من أجلنا”، و”رأيت فيها أمّاً وصديقة”.

الشيخ محمد بن راشد وإلى جانبه وزيرة إماراتية

أظهرَ الشيخ محمد حباً لأولاده، لكنه لم يكن يتسامح مع من يتحدى سلطته. وتتذكر لطيفة أنها رأت والدها وهو يضرب شمسة بشكل متكرر على رأسها لأنها قاطعت كلامه، وهو ما ينفيه محاميه. إلا أن شمسة التي كبرت كانت تريد السفر والدراسة وسياقة السيارة: “كانت شمسة متمردة، وأنا كذلك”، كتبت لطيفة. وتصادمت مع والدها بشأن رفضها الدراسة في الكلية، وكتبتْ: “لم يسألني حتى عن اهتماماتي”، وفكرت بالانتحار لكنها قررت الاعتماد على نفسها: “الشيء الوحيد الذي يخيفني هو أن أكبر في السن، وأندم على أنني لم أحاول وأنا في سن الـ18”.

 في بداية عام 2000، جاءت إلى غرفة لطيفة، وقالت: “هل تأتين معي؟” ثم قالت: “مش مشكلة”، وغادرت. وتذكرت لطيفة ما حدث بالقول: “تلك اللحظة محفورة في ذاكرتي”. تحكي الكاتبة قصة هرب شمسة من بيت الشيخ في لونغ كروس بساري، وكيف أنها وصلت إلى لندن وحاولت الحديث مع محام اسمه بول سيمون وطلبت مساعدته للحصول على لجوء سياسي، وأخبرها أن طلبها لن يقبل “في ظل العلاقات الودية” بين الإمارات وبريطانيا. والتقت معه مرتين خلال الأسابيع اللاحقة، حيث كانت تعيش مع صديقة أسترالية بمنطقة إيلفنت أند كاسل، جنوب لندن، إلا أن سيمون أخبرها أنه لا يستطيع مساعدتها من دون جواز، وكان بحوزة عائلتها. ولم يكن لديها أية خيارات، واعتقدت أن هاتف صديقتها مراقب، ولم يكن لديها أحد للحديث معه. وكانت معجبة بواحد من حرس والدها واسمه غرانت أوزبورن، الذي رفض محاولاتها، لكنها اتصلت به بعد هروبها وناشدته المساعدة. ورد هذه المرة بدفء ووعد بمقابلتها في كامبريدج، حيث حجز غرفة لشخصين في فندق “يونيفرستي أرمز”، واحد من أرقى الفنادق. لكن أوزبورن قال إن الرواية غير صحيحة. وشوهدت شمسة وأوزبورن في 19 آب/أغسطس وهما يخرجان من الفندق، حيث كانت شمسة مخمورة، وركبا في السيارة. كان كميناً، حيث قفز أربعة إماراتيين إلى السيارة، وأسرعت نحو بيت والدها في نيوماركت، وقضت ليلة هناك قبل أن تُنقَل إلى دبي.

أتمت لطيفة عقدها الأول وهي لا تعرف أن لها أخوات، فهي لم تنشأ مع إخوتها الأربعة من أمها الجزائرية، لأنها أُخذت صغيرة مع شقيقها، وقُدمت كهدية لشقيقة الحاكم.

وفي الأول من أيلول/ سبتمبر، تلقت امرأة في ساري، اسمها جين- ماري ألين، رسالة صوتية من شخص يبدو أنها “شمسة”، وأنها عادت إلى دبي “ضد رغبتها”، واتصلت مع الشرطة. واتصلت الشرطة مع سيمون، وعلمت عن اللقاءات، وعندما عرفت عن أنها من أعضاء العائلة  المالكة حولت الأمر للفرع المحلي من الفرع الخاص، وتم الاتصال مع العائلة التي أنكرت علمها بالأمر، وسواء صدقت الشرطة هذا الكلام أم لا، إلا أن القضية أغلقت.

وبعد ستة أشهر وصلت لسايمون رسالة من شمسة تقول: “أراقَب طوال الوقت، وحتى أكون واضحة، فقد ألقي القبض عليّ”، “بول، أعرف هؤلاء الناس لديهم المال والسلطة ويعتقدون أنهم قادرون على عمل أي شيء”. وقالت شمسة إنها محتجزة في قصر والدها، حيث يحاول الحرس تخويفها وكسر إرادتها. ووجدت شمسة طرقاً للتواصل من خلال تهريب رسائل عبر واحدة من الخادمات التي وافقت على نقل الرسائل للطيفة. وفي رسالة طلبت شمسة من سيمون إخبار السلطات البريطانية “حالاً”. وذهب سيمون إلى الشرطة  ومرّرَ رسالة شمسة، وأنها أخرجت من البلد ضد إرادتها، وينفي محامي الشيخ محمد. وبعد أخذ شهادته قال للشرطة إن “غياب الخبرة” خارج حقل قانون الهجرة يعني أنه لا يستطيع الترافع نيابة عن شمسة”. وعندما وصلت شهادة سيمون إلى شرطة كامبريدج تولى الملف ديفيد بيك، الذي اتصل مع سيمون وأخبره أن شمسة لديها هاتف الآن. وعندما اتصل بالرقم لاحظ أشياء أخرى، وهي أن شمسة تحدثت لسيمون عن تورط ثلاثة آخرين، منهم مدير دبي إير وينغ الذي وفّرَ المروحيات والطيارين للشيخ.

وبعد سلسلة من التحقيقات أكدت قصة شمسة، وتذكر مسؤول في الجمارك اتصال كابتن مروحية للشيخ، في منتصف ليلة اختطاف شمسة، وكان يعطي إشارة عن رحلة من دالام هول، حيث اقتيدت بعد اختطافها، إلى فرنسا. وقال طيار آخر إن الرحلة كانت سرية لأن العائلة “لا تريد إشراك أحد في بريطانيا”. وعندما قاد بيك سيارته إلى دالام هول لمقابلة طاقم الشيخ أخبره ممثله القانوني بأدب أن لا أحد مستعد للحديث معه. وخلف الأضواء كان مكتب الشيخ يعمل للضغط على الحكومة البريطانية بشأن التحقيق. في وزارة الخارجية أنكروا معرفة بها، مع إشارتهم إلى أن الحكومة كانت حذرة من أي شيء يغضب دبي والعائلة الحاكمة فيها.

اتهمت لطيفة والدها بالضلوع في وفاة بشرى، بعدما ضربَها الحرس: “لقد قتلوها لأنها مشكلة لهم، وكانت امرأة قوية دافعت عن حقوقها”.

وفي نيسان/أبريل كانت هناك حالة “تخويف من اختطاف”، حيث تشير الكاتبة لحالة بشرى محمد المكتوم التي اتهمت لطيفة والدها بالضلوع في وفاتها، بعدما ضربَها الحرس نتيجة لتصرفاتها، وهو ما ينفيه محامي الشيخ، وتقول لطيفة: “لقد قتلوها لأنها مشكلة لهم، وكانت امرأة قوية دافعت عن حقوقها”.

وقال أحد مسؤولي الشيخ الشخصيين للشيخ مخبراً الكاتبة: “لقد قتلت، كانت هنا دقيقة، وبعدها ذهبت”.

وتشير الكاتبة، في تحقيقها، لمحاولات الضغط على شمسة ولطيفة عدم تقديم أدلة بشأن قضية الأميرة هيا بنت الحسين، زوجة الشيخ محمد التي هربت إلى لندن، وخاضت معركة لحضانة ابنها وابنتها من الشيخ. ومحاولات الكاتبة الاتصال مع لطيفة شخصياً. إلى جانب الحملة التي تمت للدفاع عن لطيفة، وكذا دور الأميرة هيا، في ترتيب صورة للطيفة مع ماري روبنسون، مفوضة حقوق الإنسان السابقة التي حاولت تقديم صورة عن وضع لطيفة “الطبيعي”.

 “القدس العربي”:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب