عربي دولي

بوادر تقدّم في المفاوضات: واشنطن نحو رفع مستوى الضغط؟

بوادر تقدّم في المفاوضات: واشنطن نحو رفع مستوى الضغط؟

يحيى دبوق

هل ينتهي التفاؤل مع قرب التوصّل إلى هدنة بين إسرائيل وحركة «حماس»، كما في كل مرّة، بالفشل وتبادل الاتّهامات، ومن ثمّ تسعير المواجهة؟ تبدو جميع الاحتمالات واردة، لكن الإشارات الغالبة توحي بتقدُّم في المفاوضات غير المباشرة التي ترعاها الولايات المتحدة، لبلورة صفقة محتملة تتضمّن وقفاً لإطلاق النار، في مقابل الإفراج عن جزء من الأسرى الإسرائيليين، على أن يصار التفاوض، عبر الهدنة، على مسار يؤدّي إلى إنهاء الحرب. وممّا يعزّز إشارات التفاؤل تلك، الجدّية التي يبديها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في ظلّ سعي مبعوثه الخاص، ستيف ويتكوف، لتذليل العقبات، فيما تَظهر «حماس»، من جهتها، أكثر قابلية لقبول تسوية بشروط مخفّفة، عبر قبولها بضمانات أميركية بدلاً من ربط أيّ صفقة بوقف كامل للحرب.

مع ذلك، فإن التجارب السابقة توجب عدم الإفراط في التفاؤل، خصوصاً أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، لا يزال يسير على خطّ رفيع ما بين رغبة واشنطن في إنهاء الحرب، ورغبته الشخصية وائتلافه في مواصلتها. وهكذا، فإن غياب ضغط أميركي مباشر وحاسم، إلى جانب تمسّك نتنياهو باستغلال ائتلافه المتطرّف كذريعة للرفض أو التسويف، يمنح الرجل هامشَ مناورة واسعاً نسبياً، يتيح له تأجيل اتّخاذ موقف واضح قدْر الإمكان، وهو ما يفسّر أداءه المتردّد والمتناقض بين القبول والرفض.

في المقابل، يبدو أن ترامب اتّخذ موقفاً أكثر جدّية والتزاماً بإنهاء الحرب في قطاع غزة، والدفع في اتّجاه تسوية فعلية، فيما يمثّل تحوّلاً ملحوظاً، مقارنةً بمواقفه في مراحل سابقة. إلّا أن هذه الجدّية، وهنا المفارقة، لم تقترن بضغط وحزم حقيقيَّين؛ إذ يفضّل الرئيس الأميركي اتّباع نهج هادئ وغير استفزازي، أملاً في إقناع نتنياهو بالانصياع طواعية. لكن هل يعني فشلُ هذا النهج تصعيد مستوى الضغوط الأميركية لإجبار رئيس حكومة الاحتلال على الرّضوخ، أم أن الجولة الحالية لا تعدو كونها حلقة جديدة في سلسلة المفاوضات التي بدأت دائماً بمنسوب تفاؤل عالٍ، لتنتهي بلا نتائج؟

ترجّح التقديرات احتمال لجوء إدارة ترامب، في حال ثبت عدم جدوى الضغط الخافت، إلى التصعيد

ترجّح التقديرات احتمال لجوء إدارة ترامب، في حال ثبت عدم جدوى الضغط الخافت، إلى التصعيد إلى مستويات أعلى، وإنْ كانت لا تزال ترغب في تأمين أفضل المكاسب لإسرائيل في إطار أيّ تسوية محتملة، بما في ذلك الحدّ الأقصى من التنازلات التي تريد أن تسحبها من الفلسطينيين، في مقابل الحدّ الأدنى من التنازلات الإسرائيلية. وفيما يجري التركيز على استشراف مستقبل المفاوضات وإمكانية التوصّل إلى اتفاق، بناءً على المعطى الخارجي المتمثّل في الضغط الأميركي وجدّيته، وذلك الداخلي المتصل بإرادة نتنياهو وائتلافه في مواصلة الحرب، يغفل البعض واحداً من أهمّ العوامل الداخلية التي من شأنها تحديد المسارات القادمة، كونه يتحكّم في حسابات رئيس الحكومة ويحدّد له المساحة الممكنة لهوامش المناورة.

فالحكومة الإسرائيلية الحالية تواجه اختباراً زمنيّاً حاسماً، وهو الدورة التشريعية الصيفية التي تنتهي في أواخر آب المقبل، ما يعني التوجه تلقائيّاً إلى انتخابات مبكرة في حال سقطت الحكومة نتيجة الاتّفاق والرضوخ إلى العامل الخارجي، قبل هذا الموعد. أما في حال نجحت في تجاوز آب، وسقطت بعده، فيمكن تأجيل الانتخابات حتى بداية عام 2026 على الأقل، وهو ما يسعى إليه نتنياهو في هذه المرحلة.

إذ يراهن الرجل على أن يتمكّن، عبر المماطلة، من احتواء الانشقاقات المتوقَّعة داخل ائتلافه، في حال التوصّل إلى أيّ تسوية يضطر إليها، علماً أنه ربّما ينجح، كما حدث في السابق، في إقناع حلفائه أو إقناع بعضهم بالبقاء في الحكومة. ولعلّ ممّا يسهّل عليه تلك المهمة، أن الاتفاق لن يُلزم إسرائيل، بشكل مباشر، بإنهاء الحرب.

وليس هذا النهج على أي حال جديداً؛ إذ سبق لنتنياهو أن استخدمه في مراحل سابقة، حين وافق على صفقة تحت الضغط الأميركي، ثم عاد وفجّر الاتّفاق في مرحلة متقدّمة منه. ويبقى أن الترجيحات كبيرة أيضاً لجهة التوصّل إلى تسوية تؤدي إلى هدنة مؤقتة، لا تزال مدّتها وأثمانها في طور التبلور والأخذ والردّ. إلا أن ما لا يمكن ترجيحه، رغم جميع المؤشرات، أن تكون هكذا تسوية مقدّمة لإنهاء الحرب.

الاخبار اللبنانيه

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب