جون أفريك: هكذا جعل محمد السادس من “الإسلام المغربي” أداة نفوذ في إفريقيا

جون أفريك: هكذا جعل محمد السادس من “الإسلام المغربي” أداة نفوذ في إفريقيا
باريس-
تحت عنوان: “كيف جعل أمير المؤمنين محمد السادس من الإسلام المغربي أداة نفوذ في إفريقيا”، قالت مجلة جون أفريك الفرنسية، إنه من خلال الإصلاحات، وتحديث المؤسسات، وترسيخ الطرق الصوفية، حوّل العاهل المغربي الدين إلى أداة دبلوماسية حقيقية، عبر استراتيجية دقيقة بين الإيمان والسياسة والقوة الناعمة الإفريقية.
وأضافت المجلة القول إنه في المغرب، لا يعدّ الدين مسألة روحية فقط، بل هو أيضا أداة استراتيجية. فمنذ اعتلائه العرش عام 1999، جعل محمد السادس من مهمته تحويل “الإسلام المغربي” إلى رافعة حقيقية للنفوذ، وقوة ناعمة دينية يصعب قياس فوائدها ضمن تصنيف أفضل 20 دولة من حيث الأداء، لكنها ثمرة تاريخ طويل.
“منذ رحلات ابن بطوطة [المستكشف المغربي في القرن الرابع عشر]، هناك استمرارية في العلاقة الروحية بين المغرب وإفريقيا”، كما تنقل مجلة جون أفريك عن أحد الأكاديميين المغاربة المتخصصين في هذا المجال. فعندما كان الحجاج السنغاليون يتوجهون إلى مكة، كانوا غالباً ما يتوقفون في فاس للصلاة في الزاوية التيجانية. واليوم، يستثمر العاهل المغربي ة الروابط نفسها على المستوى الإقليمي. فقد أصبح “الإسلام المغربي”، المنظم والمُؤطَّر والمُصدَّر، مورداً سياسياً بحد ذاته، ووسيلة ناعمة لكنها فعالة لتكريس النفوذ.
استراتيجية طويلة الأمد
وأوضحت المجلة الفرنسية أن هذه الطموحات تندرج ضمن استراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى ضمان الاستقرار الداخلي، ومواجهة الانحرافات المتطرفة، وبسط النفوذ خارج حدود المملكة. والمرتكز الأساسي فيها هو وضع الملك كـ“أمير للمؤمنين”.
وذكَّرت مجلة جون أفريك بما قاله العاهل المغربي في خطاب أمام العلماء المغاربة يوم 30 أبريل/ نيسان 2004: “نحن اليوم في طور استكمال وتنفيذ استراتيجية متكاملة، شاملة ومتعددة الأبعاد لحماية المغرب من نزعات التطرف والإرهاب”.
ومنذ ذلك الحين، تَحدَّد التوجّه، توضح المجلة الفرنسية، مضيفة القول إنه في مواجهة التهديدات الأيديولوجية، راهن محمد السادس على إسلام معتدل، متجذر في المذهب المالكي، والعقيدة الأشعرية، والتصوف السني. وهي مدارس مألوفة لجزء كبير من غرب إفريقيا، حيث تمارس منذ زمن بعيد. وهكذا، يتقاسم المغرب مع العديد من البلدان الإفريقية جنوب الصحراء “تراثاً عقدياً يشكل عاملاً قوياً في التقارب بين شعوب المغرب وشعوب جنوب الصحراء”، بحسب ما يؤكد نفس الأكاديمي المذكور سابقاً.
لذلك، لم يكن من قبيل الصدفة أن عيَّن الملك، أحمد التوفيق وزيراً للأوقاف والشؤون الإسلامية عام 2002. وهو أستاذ سابق في التاريخ ومدير سابق لمعهد الدراسات الإفريقية حتى عام 1995، وكان يجمع بين كل المقومات اللازمة لقيادة إعادة هيكلة الحقل الديني في هذا الاتجاه. فاستراتيجية الملك تعتمد أيضاً على جيوسياسة العقيدة. وبعد تفجيرات الدار البيضاء عام 2003، اتخذ هذا التوجه منعطفاً حاسماً: إعادة هيكلة، مركزية، تأطير.. “بدأنا نتحدث عن ’إعادة هيكلة الحقل الديني‘ تحديداً في تلك الفترة”، يوضح نفس المصدر.
مركز تفكير ديني
على الأرض، تُترجَم هذه التوجهات في تحديث سريع للمؤسسات: أعيد تنظيم المجلس الأعلى للعلماء، ومنح هيئة وحيدة صلاحية إصدار الفتاوى. وتأسست الرابطة المحمدية للعلماء عام 2006 كمركز تفكير ديني ينتج فهماً عقلانياً للإسلام يتلاءم مع التحديات المعاصرة. أما معهد محمد السادس لتكوين الأئمة والمرشدين والمرشدات، فقد أصبح واجهة للإسلام المغربي المعتدل.
يتخرج منه كل عام العشرات من الطلبة من إفريقيا جنوب الصحراء ومن فرنسا، يتعلمون الدعوة إلى إسلام التسامح، القادر على مقاومة نداءات التطرف. “العرض التكويني المغربي يستجيب لحاجة حقيقية إلى إسلام معتدل، من دون المساس بسيادة الدول الشريكة”، يوضح أحمد العراقي، الباحث في العلاقات الاقتصادية الدولية.
لكن إحدى أبرز مؤسسات القوة الناعمة الدينية المغربية، تبقى مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، التي دُشّنت باهتمام كبير في الرباط عام 2016. وفي ظرف ستة أشهر فقط، تم إنجاز المبنى، بتوجيه مباشر من الملك. وتستقبل المؤسسة علماء دين من القارة بأكملها، وتنسج علاقات دائمة مع النخب الدينية المحلية، وتنظم حوارات عابرة للحدود حول إسلام ملائم للسياقات المحلية. “هذه الدبلوماسية تخلق بيئة مواتية للاستثمار على المدى الطويل”، يضيف أحمد العراقي. وهي تمكّن من تحقيق الاستقرار، ولكن أيضاً من كسب الشرعية.
الدور المركزي للطرق الصوفية
يُضاف إلى هذه الاستراتيجية المؤسسية بُعدٌ صوفي لا يقل تنظيماً عنها. فالتيجانية، التي يوجد ضريح مؤسسها في فاس، تلعب دوراً محورياً في سياسة التأثير المغربي في السنغال ومالي وساحل العاج. أما القادرية البوتشيشية (الأكثر حضوراً في فرنسا وبلجيكا وإنجلترا وكندا) فتعمل كحلقة وصل روحية في الغرب. هذه الزوايا، رغم طابعها المتواضع، فإنها قوية، ولا تتعارض مع السلطة بل تعززها. “عندما يُدعى شيخ طريقة إلى الليالي الرمضانية الملكية، فكأنما يقول: أنا هنا، ويمكنني أن أكون وسيطاً إذا لزم الأمر”.
كل هذا يدخل ضمن توازن دقيق بين التقليد والحداثة، تتابع مجلة جون أفريك، موضحة أن الملك لا يكتفي بالعمل من خلال المؤسسات، بل يجسد بنفسه هذه السلطة الروحية. في كل رمضان، يستقبل المئات من العلماء من مختلف بقاع العالم، بعضهم يُلقي دروساً دينية بحضوره. هذه المشاهد المنظمة بعناية، تعزز مكانته كمرشد أعلى للإسلام المتسامح. “فهناك مسرحية لهذا الوضع على الساحة الدولية”، تنقل المجلة عن أحد الباحثين، مضيفا القول: “إنها سلالة ملكية قديمة تنحدر من النبي”.
فحتى المصحف أصبح أداة دبلوماسية، حيث إن المصحف المغربي، بتخطيطه وخطّه المميز، يُطبع ويوزّع على نطاق واسع في مساجد غرب إفريقيا، في منافسة مباشرة مع النسخ السعودية أو المصرية. وهي طريقة أخرى لفرض الحضور، توضح مجلة جون أفريك.
“القدس العربي”: