رائدة طه في مسرح المدينة تستعيد «36 شارع عبّاس حيفا

رائدة طه في مسرح المدينة تستعيد «36 شارع عبّاس حيفا
زهرة مرعي
بيروت- منذ عرضت رائدة طه مسرحية «36 شارع عباس حيفا» في بيروت للمرة الأولى في سنة 2017، وعروضها مستمرّة على مسارح العالم. وحين اُطلقت من مسرح المدينة صُنّفت من نوع المسرح المستدام، كونها تحمل سيرة وطن استباحته الصهيونية بكافة فنون السطو، والمجازر ومحاولات المحو. تمثّل المسرحية واحدة من السير الفلسطينية الفريدة من نوعها. كانت حيفا في قبل النكبة من عرائس مدن فلسطين الغنية بتراثها وثقافتها وانفتاحها وعمارتها، وفيها استلمت عائلة أبو غيدا المهجّرة قسراً والمنتشرة في 17 دولة في العالم منزلها، من عائلة علي الرافع. وسبق أن اشتراه من مستوطن نمساوي يُدعى شلاندر، والذي استلمه من دائرة ما سمي بحراسة أملاك الغائبين.
سنة 2017 مثّلت رائدة طه نصها المسرحي «36 شارع عبّاس حيفا» بإدارة المخرج جنيد سري الدين، بحماسة وإيمان، لاقت ترحيباً وتطريباً نقدياً. بين الحين والآخر تشتاق إلى مسرح المدينة، وإلى جمهوره الذي يتجدد، إلى جانب آخر مخضرم. في 30 و31 الشهر الحالي ستعرض «36 شارع عبّاس حيفا» في المكان الأول، فالكاتبة والممثلة القديرة باتت أكثر إلتصاقاً وجدانياً ووطنياً بدورها في كحراسة لذاكرة وطنها، خاصة مع واقع الإبادة المستمر بلا رحمة.
تقول طه إن المسرحية عُرضت في أكثر من مكان في الأرض المحتلة بما فيها حيفا. وعروضها بالمئات في أوروبا والدول العربية وأمريكا اللاتينية. وتُرجمت للفرنسية والإنكليزية.
تصف طه حضور مسرحيتها شبه الدائم بأهميتها «كونها من حكايات نكبة 1948. وهي لا تكشف فقط عن احتلال الصهاينة للمنازل وتوزيعها على المستوطنين الجدد، ومنحهم إياها في اطار دائرة حراسة املاك الغائبين التي اخترعها المحتل. فمقابل ذاك السلوك ثمة غصّة وحزن وعقدة ذنب، من عائلات اُضطرت للمغادرة، فيما إشترى فلسطينيون منازل من دائرة حراسة املاك الغائبين وسكنوها. امر لا يُناقش علناً، ومخفي تحت السجادة. ما ترويه المسرحية هو قصة حقيقية كنت أحد شهودها. تقع أهميتها القانوينة في أنها تشكّل حق عودة فردي. تلقّى فؤاء أبو غيدا دعوة للقدوم إلى حيفا المحتلة من مكان اقامته في لندن ليتسلم مفتاح منزله من آل أبو رافع وأتى. المسألة بكليتها رمزية، وبالتأكيد حق العودة سوف يتحقق في يوم آتٍ ومن فلسطيني لفلسطيني».
فلسطينيون كثر عادوا إلى فلسطين المحتلة بجوازات سفر أجنبية تعرّفوا إلى منازلهم ولم يَسمح لهم المستوطنون بدخولها؟ تعلق طه: هم بمئات الآلاف دون شك. قرأت أنه لدى سقوط حيفا في 22 نيسان/أبريل 1948 تمّ توثيق رقمين في الأونروا. رقم يقول 750 ألفا، وآخر 950 ألف فلسطيني هُجّر من المدينة.
بالطبع لكل هؤلاء منازل وأراض. جميعهم طردوا قسراً، وهم قرابة المليون ومن بعدهم ولد في الشتات جيل ثان وثالث. جيلان يرددان دار سيدي ودار أبوي أو عمّي، وكتحصيل حاصل داري.
وتضيف طه: من يمتلك جوازاً أجنبياً يمكّنه من العودة إلى فلسطين ولديه قدرة استعادة ملكية منزله فليفعل. هي مقاومة حقيقة بإثبات ملكيته في فلسطين، وفعل مقاومة كبير. أعرف مقتدرين كُثرا من حيفا اشتروا منازلهم أو منازل يقيمون بها في مدينتهم، ويزورونها على الدوام.
ماذا في تفاصيل شهادة رائدة طه على عودة دار أبو غيدا لأهلها؟ تروي: علي الرافع كان محامي عمتي عبلة إبّان سجنها، ومحامي سارة التي تزوجها فيما بعد. سارة وعبلة أتيتا من التنظيم والمجموعة نفسها. والمحامي علي الرافع كان صديق والدي الشهيد علي. عمل في مكتب المحامية اليهودية الشهيرة جداً فيليتسيا لانغر، محامية العرب في السجون الصهيونية. عندما حملت سارة أخبرها زوجها علي بأن طفلها – ذكرا كان أم أنثى – سيحمل اسم نضال. وهو الاسم الحركي لوالدي. بعودتي إلى فلسطين كانت خيوط روايتي حاضرة بقوة عبر الأصدقاء والتاريخ والتنظيم المشترك، ونضال صديقة عزيزة. بتنا أهلاً وبات لي في حيفا دار، ومحبون لإبنة الشهيد علي طه المعروف في وطنه.
بكثير من الاعتزاز كما هو حال رائدة طه الدائم بتاريخها تحكي عن لقائها الأول بنضال ابنة سارة وعلي رافع في القدس. تقول: لقاء وصلني مادياً بأرضي وبتاريخ بلدي وبعودتي إلى مكاني الطبيعي. عودة ليست فقط إلى العمّات والأعمام والخالات والأخوال والأقارب، بل وجدت هؤلاء الأهل، وقد نسجوا صداقات على امتداد الوطن المحتل، تُعزز تاريخنا ووجودنا وجذورنا في أرضنا. نعم ولدت في القدس وتركتها في عمر الثلاث سنوات، إنما القدس برمتها تعرفني. إنها تاريخي وجغرافيتي ومكاني الصحيح. وهذا يضحد مقولات أرض بلا شعب لشعب بلا أرض. شوارع القدس حدثتني عن والدي.
بين الماضي الفلسطيني المقاوم ومقاومة غزّة والضفة وسعي أقلام مأجورة لتسخيف العمل المقاوم لتحرير الأرض تقرأ حارسة الذاكرة: ممنوع استخدام كلمات نابية في قضية فلسطين السامية. ناس يقاومون بلحمهم الحي يُقتلون ويحرقون ويتمسكون بأرضهم، غزّة مصنع الأبطال والكرامة. تستحق كافة الأثمان. تحرير الوطن يُنتزع بالقوة. نحن كفلسطنيين نعيش وجوهاً متعددة من المقاومة. المقاومة المسلحة، والمقاومة بالرواية الشفوية واعتبر نفسي حارسة الذاكرة. وتلك الذاكرة تقع كذلك في الرسم، والموسيقى، وكل ما يساهم في تعزيز هذه القضية فعل مقاومة. استمرت الثورة الجزائرية 130 سنة متواصلة. ونحن نحتاج للإصرار والإستمرارية والصمود. قال محمود درويش «سنكون يوماً ما نريد». يوم آت لا مُحال.
بعد النجاح الباهر للمسرحيك إلى أين الاتجاه المقبل؟ تقول رائدة طه: ستجول المسرحية نفسها في مهرجانات عالمية. وبصدد مشروع مسرحي من ضمن مسيرتي. مسيرة لا يرتبط فيها العرض بزمان أو مكان. القضية الفلسطينية ما تزال نابضة. والإحتلال يواصل جرائمه بكل فاشيته ونازيته. بدءاً من أول مسرحية «ألاقي زيك فين يا علي»، و»36 شارع عباس حيفا»، و»شجرة التين»، و»غزال عكا»، هي مسرحيات تنبض بالحياة لأن فلسطين لم تتحرر بعد.
وتختم بالقول: الرواية الشفوية من المقاومة، القصص الفلسطينية بالآلاف. سأستمر برواية قصص بلدي على المسرح ما دمت حية. هو سلاحي الثقافي الوحيد العابر للقارات في العالم.
«القدس العربي»: