لا تفاؤل غربيّاً بـ«قوة الأسد»: نتنياهو يواصل المجازفة

لا تفاؤل غربيّاً بـ«قوة الأسد»: نتنياهو يواصل المجازفة
الغرب منشغل بتقييم تبعات الهجوم الإسرائيلي على إيران: نتنياهو يغامر سياسياً وعسكرياً دون نتائج واضحة، وطهران قد ترد بقوة، فيما تواجه واشنطن مأزق التصعيد.

مع انطلاق العدوان الإسرائيلي على إيران، انشغلت الأوساط الغربية بمحاولة فهم خلفيات ما يجري وتبعاته.
حسابات إسرائيل
بالحديث عن حسابات إسرائيل من خلف قرار إطلاق عملية «شعب كالأسد»، رأت صحيفة «فايننشال تايمز» أنّ العملية تُعد «علامة على مدى الجرأة التي اكتسبها بنيامين نتنياهو، سواء من خلال الضربات العسكرية الإسرائيلية الناجحة ضدّ وكلاء إيران على مدار العامين الماضيين في جميع أنحاء الشرق الأوسط، أو من خلال وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض»، مشيرة إلى أنّ أحد دوافع الهجوم يرتبط بتفضيل رئيس الحكومة الإسرائيلية التعامل عسكرياً مع التحدّي الإيراني.
ورأت أنّه «على الرغم من الدعم الضمني للضربات من جانب الولايات المتحدة، فإن ما يجري يحمل مخاطر عسكرية وسياسية على نتنياهو»، موضحة أنّ «الخطر الأكبر على المدى القصير، يتمثّل في أن يؤدي انتقام إيران إلى إشعال صراع أكبر بكثير، في ضوء امتلاكها ترسانة كبيرة من الصواريخ الباليستية، والاندفاع المحتمل لجماعات مسلحة حليفة لإيران في اليمن والعراق، إلى تكثيف إطلاق الصواريخ ضد إسرائيل»، إضافة إلى أن «حزب الله» «لا يزال يحتفظ بقدرات صاروخية، رغم تعرّضه لضربات إسرائيلية شديدة العام الماضي».
ومع إشارتها إلى مساعدة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ودول أخرى في المنطقة، في صدّ وابل الصواريخ الذي ردّت من خلاله إيران على تعرّضها لقصف إسرائيلي العام الماضي، لفتت «فايننشال تايمز» إلى أن التقديرات تشي بأنّ إيران ستعمد هذه المرة إلى القيام بردّ «أكبر بكثير»، بالنظر إلى حجم الهجوم الإسرائيلي، مرجّحة أن يلحق الرد المتوقّع من الإيرانيين «أضراراً جسيمة بالبنية التحتية، إلى جانب إيقاع إصابات بشرية».
وفي سياق تفنيدها للمخاطر المحتملة على نتنياهو، عرّجت الصحيفة على إجماع كل من الحكومة والمعارضة، وكذلك الجمهور في إسرائيل على تأييد الهجوم، ناقلة عن المستشار السياسي السابق لنتنياهو، ناداف شتراوكلر، تقديره بالاستناد إلى تجربة حرب غزة، أنّ «الوقت يمكن أن يدفع الناس نحو تغيير آرائهم، وخصوصاً إذا ما اضطروا إلى قضاء فترة طويلة في الملاجئ».
كما رأت أنّ «الخطر المحدق بنتنياهو على المدى البعيد»، يرتبط بالإجابة على سؤال حول ما إذا كان الهجوم الإسرائيلي قد نجح في «تأخير البرنامج النووي لطهران لمدة قصيرة»، أو في «تدميره كلياً»، مضيفة أنّ «الغموض لا يزال يحيط بنتائج العملية». وخلصت الصحيفة، بالاستناد إلى تقديرات قادة عسكريين إسرائيليين سابقين، إلى أنّه «حتى في حال عدم نجاح إسرائيل في القضاء التام على قدرات إيران (النووية)، فإنّ نتنياهو، الذي يتوق إلى تحسين صورته عقب الإخفاقات الكارثية في السابع من أكتوبر، سيكون قد تمكّن من تغيير الصورة التي سيتركها عنه في ذاكرة» الإسرائيليين.
اعتبرت «نيويورك تايمز» أنّ قصف إيران من شأنه أن «يسرّع» خطواتها نحو امتلاك أسلحة نووية
وفي الاتجاه نفسه، اعتبرت صحيفة «نيويورك تايمز» أنّ الإجابة على التساؤلات حول حجم الضرر «قد تتطلب أياماً، أو حتى أسابيع»، مبيّنة أنّه «إذا ما كان الهجوم أسفر عن تأخير ذلك المشروع النووي لمدة عام أو عامين فقط، وهي مدة تأخير مماثلة لهجمات سابقة (عبر هجمات سيبرانية، واغتيال علماء) نفّذتها على مدى أكثر من 15 عاماً، فقد يبدو الأمر كما لو أن إسرائيل قد أقدمت على مخاطرة كبيرة جداً، بالقياس إلى تلك النتائج القصيرة الأجل نسبياً».
وأردفت الصحيفة أنّ من جملة المخاطر البعيدة الأمد على نتنياهو، تتلخّص في «احتمال نشوب حرب طويلة الأمد، أو انسحاب إيران من معاهدة حظر الانتشار النووي، وإخفاء برنامجها، في موازاة هرولتها للحصول على سلاح نووي، وهي تداعيات عكسية للنتيجة التي كان يتوخّاها».
وفي موازاة إشارتها، استناداً إلى مصادر أميركية مسؤولة، إلى أنّ إسرائيل لا تتوفر لديها القنابل الخارقة للتحصينات التي تتيح لها تدمير «فوردو»، نقلت الصحيفة عن بريت ماكغورك، الذي سبق له شغل منصب منسّق شؤون الشرق الأوسط لعدة رؤساء أميركيين من كلا الحزبين، آخرهم الرئيس السابق جو بايدن، تأكيده أنّه «في حال لم يتمكّن الإسرائيليون من تدمير فوردو، فإنهم بذلك يكونون قد أخفقوا في القضاء على قدرة الإيرانيين على إنتاج المواد اللازمة لصنع الأسلحة النووية».
تبعات على واشنطن
وعلى مستوى التبعات المحتملة على واشنطن، أشارت صحيفة «نيويورك تايمز» إلى أنّ «التحدي الذي يواجهه ترامب يتمثّل في حماية القوات الأميركية في المنطقة، والبقاء بعيداً عن الفوضى المترتّبة عن تلك العملية»، مذكّرة بأنّ «أحد الأسباب الرئيسية للمسار المتزايد الخطورة الذي تنحو في اتجاهه إيران حالياً، يرجع إلى سوء التقدير الجسيم الذي ارتكبه كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي، والرئيس الأميركي في تعاملهما مع إيران»، على خلفية «فشل النهج العدواني» المتّبع من جانب الأول ضد طهران، على مدى أكثر من عقد، «والانسحاب الكارثي» للثاني في ولايته الرئاسية الأولى من الاتفاق النووي الموقّع عام 2015، وما نجم عنه من رفع لوتيرة التخصيب من قبل الإيرانيين.
واعتبرت أنّ قصف إيران من شأنه أن «يسرّع خطوات إيران نحو امتلاك أسلحة نووية»، إضافة إلى «دفع الإيرانيين إلى الالتفاف حول حكومة بلادهم، رغم تذمّر» نسبة وازنة منهم من السياسات العامة على أكثر من صعيد، متسائلة «عمّا إذا كانت إيران ستعمد في ردها أيضاً، إلى استهداف القوات الأميركية في العراق، أو البحرين، أو أي مكان آخر في الشرق الأوسط»، مشدّدة على أنّ «أفضل طريقة لحماية تلك القوات تكمن في تحييد ترامب لواشنطن عن هذا الصراع الذي لا يريده أحد، ومحاولة إحياء الاتفاق النووي» مع طهران.
وفي معرض تعليقها على تصريحات لكبير الديمقراطيين في لجنة القوات المسلّحة الأميركية في مجلس الشيوخ، السيناتور جاك ريد، انتقد فيها العملية الإسرائيلية بوصفها «تصعيداً متهوراً يُنذر بإشعال فتيل العنف الإقليمي»، أكّدت الصحيفة «صحة» مخاوف ريد.
بدورها، تحدّثت صحيفة «واشنطن بوست» عن خلافات داخل الائتلاف الداعم للرئيس، وتحديداً بين «تيار ماغا» الداعم للرئيس، وشخصيات يمينية أخرى مؤيّدة لإسرائيل.
ففي حين اعتبر جاك بوسوبيك، وهو صحافي محسوب على «ماغا»، أنّ توجيه ضربة مباشرة لإيران سيؤدي إلى انقسام كارثي في ذلك الائتلاف»، مذكّراً بأنّ «عدم خوض حروب جديدة، هو ما صوّتت عليه الولايات المتأرجحة (حين أيّدت ترامب)»، فإن شخصيات مؤيّدة للحرب ضد إيران، من بينها الرئيس الفخري لشركة «نيوز كورب»، روبرت مردوخ، والرئيس السابق لشركة «مارفل إنترتينمنت»، إسحاق بيرلماتر، حثّت ترامب في مكالمات هاتفية خاصة على دعم الضربة الإسرائيلية ضد الجمهورية الإسلامية.
ماذا عن إيران؟
هذا، وذكّرت «نيويورك تايمز» بأنّ «حسابات المرشد الأعلى الإيراني السيد علي خامنئي، لطالما مالت نحو فكرة تلافي خوض حرب شاملة، مع عدم ممانعة فكرة الاندفاع نحو حافة الحرب (مع الأعداء)»، كما حصل مع إسرائيل العام الماضي أكثر من مرة، مضيفة أنّ تلك الحسابات التي كان يُنظر إليها كـ«جزء أساسي من إرثه (السياسي)، قد تغيّرت» بعد الهجوم الأخير، مع إعلان القادة الإيرانيين استعدادهم للحرب.
وتأييداً لتلك الفرضية، توقّع المحلل السياسي الإيراني، مهدي رحمتي، حصول «ضربات متبادلة (مع إسرائيل) خلال الفترة المقبلة، مع وجود إمكانية لتمدّدها إلى سائر المنطقة».
وبحسب الصحيفة، فإن تقديرات المسؤولين الإيرانيين تفيد بأن اغتيال إسرائيل للأمين العام السابق للمجلس الأعلى للأمن القومي، علي شمخاني، والذي كان مكلّفاً من قبل المرشد بمتابعة ملف المحادثات النووية مع الولايات المتحدة، يرمي إلى «تقويض جهود الدبلوماسية النووية».